• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

اسمحوا لأطفالكم بـ « المرح والتهريج»

اسمحوا لأطفالكم بـ « المرح والتهريج»
الفكاهة تساعده في الانفتاح على الآخر يعشق طفلك المزاح والقيام بالمقالب، لكن حبه للمرح لا يكون دائماً موضع قبول، وقد يتحول أحياناً إلى مصدر إزعاج للمحيطين به، الذين يعمدون إلى التهرُّب منه أو تجنب دعوته إلى بعض اللقاءات، تفادياً لنشوب المشكلات. فهل يجب تشجيعه على الاستمرار في أداء دور المهرج، أم يجب إفهامه أن للمرح والمقالب حدّاً معيناً؟ يتمتع بعض الأطفال بروح الفكاهة، فيشيعون من حولهم الفرح والضحكات، وهذا في حد ذاته يدعو إلى الاطمئنان على وضع الطفل، لأنّ المرح وحب الفكاهة ليسا سوى مؤشرين إلى الصحة الجيِّدة للطفل، على الصعيدين الجسدي والنفسي. من هنا تأتي ضرورة حث الطفل أكثر على المرح والفرح وعدم الممانعة، من أن يكون "مهرِّج الصف" حتى لو شكّل إزعاجاً للآخرين، لأن الضحك والمزاح هما أفضل وسيلة لتعلُّم كيفية تخطي العوائق ومواجهة صعوبات الحياة. إضافة إلى ذلك، يشير الخبراء إلى أنّ المرح والحس الفكاهي يُسهمان بشكل كبير، في نمو الطفل وتطوره.   - أهمية المرح: * المرح وسيلة سهلة للتقرُّب من عالم الراشدين: عندما نتحدث عن المرح والفرح نعني أيضاً اللعب والتسلية. ومثلما هو معروف، يعشق الطفل أن يؤدي دور المهرج في محيطه، ربّما نتيجة لرغبته في جذب الانتباه، وأن يكون محور اهتمام الآخرين. إذ غالباً ما نراه يقوم بحركات تافهة ولا معنى لها، فقط من أجل أضحاك الآخرين. من الممكن أن نتفهم تصرفه هذا، إذا وضعنا أنفسنا مكانه. فهذا الطفل البريء الذي لم يختبر بعدُ صعوبات الحياة وتجاربها، لابدّ أنّه يرى الكثير من الجدية في التفاصيل اليومية التي يعيشها الإنسان، وهذا ما يبعث في نفسه الملل حتى اليأس. إلا أن أسلوبه في مواجهة هذا الوضع الحزين، يكمن في تقليده بعض مشاهد الحياة اليومية، بأسلوب كوميدي يدفع الآخرين إلى التوقف لحظة والإمعان قليلاً في حقيقة المشهد والتفكير، ربما في أنّ الأمور لا تتساهل كل هذه الجدية والحزن. إنها طريقته في التقرُّب من قيم العالم الحقيقي، الذي سوف يخوض غماره بعد فترة زمنية معينة، من دون أن يصطدم معها. فالتهريج وروح الفكاهة يحتّمان عليه أيضاً، أن يكون مُطّلعاً على القوانين المفروضة والممنوعات التي ترتبط بنمط الحياة اليومية، لمزجها بقوانينه الخاصة. في الواقع، إنّ الطفل المهرِّج والمحب للمرح يعي تماماً، ما الممنوع والمسموح في العالم الحقيقي، كما يعرف تماماً المخاطر التي قد تنجم عن عملية انتهاك القوانين. * المرح وسيلة إيجابية لمواجهة الحياة: يُعتبر المرح بمثابة انتهاك "صحي" وغير خطير للضغوط والهموم الحياتية، كما أنّه وسيلة مفيدة في التعلُّم. إذ يستخدمه الأساتذة أحياناً، لتلقين الأط فال المعلومات بشكل سلس. فلا شيء يضاهي المرح والضحك في حفز الطفل إلى التعلُّم. إذن، من خلال الروح الفكاهية والفرحة والمَقالب اللطيفة يتمكن الطفل من إغناء مكتبته الفكرية والمعرفية وصقل المهارات التي اكتسبها. ويصبح الطفل بارعاً في استخدام المفردات والعبارات والتلاعب بها وتطويعها وتحويرها لتصيب الهدف الذي يريده، ما يدل على تمكنه التام من لغته. مثلاً، كثيراً ما نسمع الأطفال يدمجون بين الكُنية والاسم، أو أنهم يسخرون من أحد الأسماء التي توحي لهم بشيء ما. فإذا كانت جارتك تُلقّب بـ"أم غازي"، توقعي أن يناديها طفلك بـ"أم كهربائي". صحيح أن جارتك سوف تنزعج من هذا الأمر وسوف تشعرين بالإحراج أمامها، إلا أنك في قرارة نفسك ستضحكين وتفرحين من قدرة طفلك على تخيُّل الأشياء وربط الأمور ببعضها بعضاً.   * روح المرح والحس الفكاهي يجذبان الناس: من الصعب أن يضحك الإنسان وحده، لأنّ الضحك والمرح وحس النكتة تتغذى من وجود الآخرين، وهذا ما يتيح للطفل الانفتاح على العالم من حوله وتكوين الصداقات. هذه هي وسيلته للانخراط في المجتمع. * يساعد المرح في السيطرة على المخاوف ومشاعر القلق: غالباً ما يتصرف الطفل امام حادثة ما، مزعجة، بأسلوب ساخر، فترينه مثلاً يقهقه من الضحك إذا تعثر والده ووقع على الأرض، رافعاً يديه ورجليه في الهواء، ولا يكتفي بذلك، بل يقوم بتقليد المشهد، مع علمه تماماً أنّه كان في الإمكان أن يتعرض والده للأذى جرّاء سقطته تلك. غير أن أسلوبه في تحويل المشهد إلى فعل كوميدي يساعده في التغلب على مشاعر القرق والخوف، التي ربّما تملّكته في تلك اللحظة. * حس الفكاهة يعني أيضاً المعارضة أو المجابهة: بدلاً من السكوت عن موقف ما مثير للإزعاج، يختار الطفل مواجهة الموضوع. هو يُعبِّر عن عدم رضاه أو رفضه شيئاً ما بأسلوب مرح وساخر مُثير للضحك. مثلاً، عندما يرى شقيقه المولود حديثاً ويلاحظ مدى طراوة بشرته وكثرة ثنياتها، لا تُفاجئي من قوله: "أُمي إن طفلك الجديد يحتاج إليك"، هذه هي طريقته في التعبير عن الصراع الداخلي الذي يُعانيه والذي يزعجه، وهو ناتج عن مشاعر الغيرة من هذا المخلوق الجديد الذي سوف يزاحمه على حبك واهتمامك. * يُعتبر المزاح أفضل وسيلة للتهرُّب من العقاب: عندما يرتكب الطفل خطأ ما، أو حماقة ما، ويتمكّن من تحويلها إلى مزحة وانتزاع ضحكة منك، فهذا يدل على قدرته على التملُّص من العقاب. ولكن، انتبهي إلى كثرة التهاون معه. إذ لا يجب أن تجاوبي مع أسلوبه هذا، في كل مرّة يرتكب هفوة أو ينتهك أحد القوانين.   - دوزنة التهريج: يعلم الطفل المهرج، أنّه قادر، من خلال نكاته وخفّة ظلّه، على أن يجذب الآخرين إليه ليكون موضع تقدير الجميع. لكن الخطر يكمن في تركه بنغمس في هذا الدور "التهريجي" من دون أن يساوي بين الجد والمُزَاح، كي لا تنقلب الأمور ضده. فإذا استطاع أن يجد التوازن السليم بين حس الفكاهة والجدية، اعلمي أنّه حصل على أفضل وصفة سحرية يمكن اعتمادها بين أفراد العائلة.   - المرح جيِّد للصحة: لا تقلقي من الحس الفكاهي الذي يتمتع به طفلك. إذ لا توجد أي آثار جانبية للمرح والضحك، بل على العكس، لقد أثبتت الدراسات أنّ الضحك يُرخي العضلات ويُحسن من كمية دخول الأوكسجين الجسم. وقد لاحظ الخبراء أنّه بعد جلسة من الضحك، يهدأ نبض القلب ويتراجع الضغط الشراييني، ويزيد نشاط نظام المناعة. مثلاً، تزيد كمية إفرازات هرمون "الأندروفين"، المسؤول عن تبديد مشاعر الألم. كذلك يسهم الضحك والمرح في علاج مشكلة الأرق الليلي ومشاعر الغضب.

ارسال التعليق

Top