• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

البرنامج العبادي التربوي

عمار كاظم

البرنامج العبادي التربوي

إنّ الخضوع التام للبرنامج الرباني المعدّ لتربية الإنسان خضوعاً وانصياعاً يستند إلى الحبّ والوله بالله هو ما نسمّيه بالعبادة له لأنّه يرتكز على الخضوع المطلق لله (الكامل المطلق) والربّ الذي اتّسعت ربوبيته لكل شيء ولكل مجالات الحياة؛ وبذلك أصبحت العبادة هي المنهج والصراط المستقيم والطريق الوحيد لبلوغ الإنسان أهدافه المنشودة التي لا تتحقق إلّا عبر العمل الصالح والتجربة الصحيحة لما ينبغي تجربته، ولما ينبغي تحقيقه في مختلف مجالات الحياة، قال تعالى: (وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (يس/ 61). والعبادة والابتلاء والعمل الصالح وجوه شتى لهدف واحد. إذ العبادة هي الوجه الآخر للعمل الأحسن والسلوك الأجدر بالإنسان في هذه الحياة فهي هدف منشود للحياة، وهي طريق موصل إلى المطلق حين تربط الإنسان برباط الحبّ والهيام والذوبان في المطلق، كما ورد في الحديث المعروف: «عبدي أطعني حتى أجعلك مثلي أقول للشيء كن فيكون تقول للشيء كن فيكون». تعتبر العبادات في الشريعة الإسلامية أحد الخطوط الثابتة فيها التي لا تتغير بطريقة الحياة العامة وظروف التطور المدني؛ ومن هنا فهي تعالج حاجة ثابتة في حياة الإنسان. وهذا الثبات والحاجة باعتبار أنّ العبادة تعبّر عن علاقة بين الإنسان وربّه وهي علاقة ثابتة ومستمرة وفطرية. هذه الحاجة تعبّر عن أمور ثلاثة:

أوّلاً: أنّ الإنسان بحاجة إلى الانتماء إلى الله تعالى المطلق في الكمال ليستمر في مسيرته التصاعدية؛ ولئلا يتعرض للضياع في حالة عدم الانتماء، أو يتعرض إلى الجمود والركود والسقوط في مستنقع الوثنية والغلو عندما يحوّل الولاءات النسبية الضيقة في حياته إلى مطلقات ينتمي إليها فيتوقف عندها في حركته. والعبادة هي تعبير عملي موجّه عن هذا الانتماء إلى المطلق، ينمّي في الإنسان إيمانه بالله تعالى من خلال ممارسة العبادة التي تؤكد مضمون هذا الانتماء، وفي الوقت نفسه يؤكد رفض المطلقات والآلهة الأخرى.

ثانياً: أنّ الإنسان في مسيرته العملية (الاجتماعية) بحاجة إلى أن يقوم بأعمال من أجل الجماعة والمصلحة العامة، كما يقوم أحياناً بأعمال من أجل مصلحته الخاصة؛ ولا شك أنّ الدافع الذاتي للقيام بالعمل من النوع الثاني منه متحقق من خلال الفائدة التي يحصل عليها الإنسان، بخلاف النوع الأوّل حيث قد لا يتناسب الجهد الذي يبذله الإنسان في تحقيق هذا النوع مع ما يصله من منفعة محدودة ضمن الجماعة؛ بل قد يكون العمل من أجل المصلحة العامة على حساب مصلحته الخاصة. وهنا يأتي دور العبادة التي تربي الإنسان على أن يقوم بالأعمال من أجل الله تعالى وفي سبيله، فيكون لها دور مهم في تربية الإنسان على أن يقوم بالأعمال من أجل المصالح العامة ويتجاوز ذاته ومنافعه الخاصة فيها؛ وذلك من خلال هذا الارتباط بالله تعالى.

وثالثاً: أنّ المجتمع الإنساني بحاجة دائماً إلى وجود ضمانات يلتزم الأفراد في ظلها بتطبيق النظام الذي يحكم المجتمع؛ حيث نلاحظ أنّ النظام الاجتماعي - مهما كان شكله - حاجة ثابتة في المجتمعات الإنسانية. وهذا الضمان تارة يكون هو العقوبات المادية والمعنوية التي يضعها المجتمع للمخالفين للنظام، وأخرى يكون هو الشعور الداخلي بالمسؤولية أمام النظام والقانون، ولا شكّ أن نظام العقوبات محدود الفاعلية لأنّه لا يمكن أن يلاحق الفرد في جميع حركاته وسكناته، بخلاف الإحساس الداخلي بالمسؤولية. وهنا يأتي دور العبادة في تنمية الشعور بالمسؤولية؛ لأنّها تنمّي الارتباط بالله تعالى والشعور برقابته التي لا يعزب عنها مثقال ذرة في السماوات والأرض.

ارسال التعليق

Top