• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الغيرة بين الأطفال وأسلوب التعامل الأمثل

سارة الحسيني

الغيرة بين الأطفال وأسلوب التعامل الأمثل
◄الغيرة من الأمور الفطرية والغريزية عند الطفل وعند مطلق الإنسان، وهي ظاهرة طبيعية أن بقيت في حدودها وهي ظاهرة صحية ان لم تؤد إلى تجاوز الحدود العاطفية والسلوكية. وتبدأ الغيرة عند الطفل بالظهور حينما يولد طفل آخر، حيث يبدأ الطفل الأوّل أو الأسبق بالخوف من ولادة الطفل الثاني لأنّه سيكون منافساً له في كل شيء، ابتداءً بمنافسته في حب الوالدين له حيث يلاحظ الاهتمام به منذ ميلاده وتوجيه الأنظار إليه، ويلاحظ انشغالهما بالوضع الطارئ الجديد وبسلامة الطفل، فإذا لم ينتبه الوالدان إلى هذه الظاهرة فإن غيرته ستسبب له انفعالاً نفسياً تثير في نفسه الحقد والغضب على الطفل الجديد وعلى الوالدين، وينمو هذا الانفعال بالتدريج ويتحول إلى عداء وكراهية ويزداد كلما انصب الاهتمام على الطفل الجديد. وفي مثل هذه الأحوال يجب على الوالدين وقاية الطفل من هذه الظاهرة وابقائه متمتعاً بنفس الاهتمام والرعاية واشعاره بالحب والحنان، وتحبيبه للطفل الجديد وإقناعه بأنّه سيصبح مسلّياً له ومعاوناً له، وانّه ليس منافساً له في الحب والحنان، ويتم ذلك بالتطبيق العملي بأن تقوم الوالدة بتقبيله واحتضانه ويقوم الوالد بتلبية حاجاته أو شراء لعب جديدة له. وينبغي تقبل أحاسيس الغيرة من الطفل بهدوء، ومن الأفضل فسح المجال له ليعبر عن انزعاجه أو غضبه من الطفل الجديد بالكلام فقط دون الاعتداء. ويمكن استثمار ظاهرة الغيرة لا يصال الطفل الأوّل أو الأسبق لمراحل متقدمة من النضج، وبأن يغرس في نفسه انّه أصبح كبيراً ناضجاً وانّه يعتمد عليه في رعاية أخيه وأنّه سيكون كالوالد له، ويمكن تكليفه ببعض الواجبات ومنها رقابة أخيه الصغير، كل ذلك يشعره بانّه لازال محبوباً وموضع اهتمام والديه وأن ولادة أخيه لم تؤثر على ذلك. والغيرة تضعف وطأتها بالتدريج ان أصبح الطفل الأسبق معتمداً على نفسه أكثر من اعتماده على والديه وخصوصاً بعد دخوله المدرسة فسيكون أقل غمّاً في مشاعره نحو أخيه، هذا في حالة عدم شعوره بالاهمال واللامبالاة من والديه. والحل الأمثل لإبقاء الغيرة في حدودها المعقولة والمقبولة أو جعلها إيجابية في التنافس بالمعروف والخير، هو بتطبيق العدالة والمساواة بين الأطفال كلما تقدم الطفلان في العمر، إذ تنمو مشاعرهما وعواطفهما ونضوجهما العقلي واللغوي بالتريج، مما يجعلهما يفهمان معنى العدالة ومعنى المساواة، ويشخّصان مصاديقها في الواقع العملي، وقد وردت روايات عديدة تؤكد على إشاعة العدالة بين الأطفال. قال رسول الله (ص): "اعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللّطف". ونظر (ص) إلى رجل له ابنان فقبّل أحدهما وترك الآخر، قال (ص): "فهلّا ساويت بينهما". وقال (ص): "إنّ الله تعالى يحب أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القُبَل". وأكَّد (ص) على العدالة في العطاء والهدية في مأكل أو مشرب أو ملبس أو في الألعاب إلى غير ذلك كما جاء في قوله (ص): "ساووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلّت النساء". وقال (ص): "إعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف". وهذا لا يعني عدم التفضيل بين الأطفال، فبعض الأطفال يكونون أكثر جاذبية من غيرهم، فمن الطبيعي أن ينجذب إليهم الوالدان أكثر من غيرهم، ولكن ينبغي أن يكون التفضيل مستوراً يحتفظ به في مشاعره الباطنية، أما في الواقع فلا يعمل الا بالعدالة والمساواة الا في حالات التكريم الخاص من أجل تمرين الأطفال على روح المنافسة المشروعة التي تنمّي القابليات والطاقات. وينبغي أيضاً مصانعة الجميع بالحب والحنان وان كانوا غير جذابين، عن الأمام الصادق (ع): "قال والدي، والله لأصانع بعض ولدي واجلسه على فخذي وأكثر له المحبة، وأكثر له الشكر، وانّ الحق لغيره من ولدي، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره لئلا يصنعوا به ما فعل بيوسف اخوته". وقد كانت السيرة النبوية قائمة على أساس العدالة والمساواة بين الأطفال سواء كانوا إخوة أو أرحام، فعن عبدالله بن عباس قال: "كنت عند النبي (ص) وعلى فخذه الأيسر إبنه إبراهيم وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا". ومن مصاديق العدالة والمساواة هو عدم إقامة المقارنة بين الأطفال في صفاتهم الجسمية والمعنوية والنفسية، وينبغي عدم المقارنة من حيث شبه فلان بوالده أو والدته لأنّ هذه المقارنة تؤدي إلى تعميق الغيرة المصحوبة بالحقد والعداء والكراهية. ومن العدالة والمساواة عدم التمييز بين الولد والبنت. والعدالة لا تعني أن لا نتخذ أسلوباً للتشجيع بأن تخصص هدية إضافية لمن يعمل عملاً صالحاً، فإن ذلك ضروري لتشجيع الطفل على السلوك الصحيح، فقد ينفع في إقامة المنافسة المشروعة التي لا تؤثر على نفسياتهم بصورة سلبية. وفي جميع الأحوال فإنّ استمرار الحب والاهتمام والتقدير عامل هام في التخفيف من وطأة الغيرة وإبقائها في حدودها المنطقية.►   المصدر: مجلة الغري/ العدد 13 لسنة 2002م

ارسال التعليق

Top