• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

النصح والحكمة في مبدأ الإمام الحسين (ع)

عمار كاظم

النصح والحكمة في مبدأ الإمام الحسين (ع)

لقد استطاع الإسلام بجناحين من الأمن والسلام أن ينشر فكرته في شتى أصقاع الأرض، حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، ورفرفت ألوية الإسلام على مشارق الأرض ومغاربها. وهكذا كان الإسلام ولا زال دين الأمن والسلام، والسكينة والصفاء، والمودة والإخاء، ولم يكن في وقت من الأوقات دين حرب وخصام، أو مشاحنة وبغضاء، إنّما كان يهدف أوّلاً وقبل كلّ شيء إلى السلام، حتى أنّ (الإسلام) في لفظه مشتقٌ من واحدة مع السلام. من هذا المنطلق الإسلامي الكبير، فقد كان النبيّ (ص) داعية سلام، وكذلك كان الإمام عليّ (ع) وعلى نهجهما سار الإمام الحسين (ع) يدعو إلى الإسلام والسلام والهداية والوئام، ولم يكن داعية حرب وقتال كما هو شأن مَن يطلب الإمارة والسلطان، وإنّما كان داعية هداية وحقّ، ليمتلك النفوس والوجدان، قبل أن يمتلك الأجساد والأبدان يقول (ع): "إني لم أخرج أشِراً ولا بَطِراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت أطلب الإصلاح في أُمّة جدي محمّد (ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر". حيث لم يكن الحسين (ع) يريد القتال، ولكنّه فُرض عليه فرضاً، وهذا القتال إن كان في ظاهره الحرب والقتل، فإنّه في باطه يعني تخليص المؤمنين من أشرار الأُمّة وتحريرهم من الطغيان. وكان قربان ذلك التحرير هو الإمام الحسين بن عليّ (ع)، ولولا هذا التطهير والتحرير ما بقي للإسلام والمسلمين حول ولا طول، ولما كنا نحن مسلمين اليوم، فبنور الحسين أضاءت المشاعل في طريقنا، ومن دم الحسين نبتت الهداية في نفوسنا. سار الإمام الحسين (ع) إلى العراق على نهج جده وأبيه (عليهما السلام)، يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل/ 125). ما الفرق بين الحكمة والموعظة؟ قال بعضهم: إنّ الحكمة تُعلّم الناس شيئاً لا يعرفونه فتهديهم به. أما الموعظة فهي أن تذكّرهم بما يعرفونه فترشدهم به. أما الجدال الحسن فهو الذي يكون هدفه الوصول إلى الحقّ، وليس فرض الرأي على الشخص الآخر، وذلك بأسلوب من اللطف والاحترام المتبادل، والله تعالى يقول: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159). وقد ركّز الحسين (ع) دعوته على مبدأين رئيسين: الأوّل: أن لا يواجه أحداً حتى يبيّن له الحقّ ويدعوه إليه، ويبين له خطأه طلباً لهدايته، ولإقامة الحجة عليه ومن ذلك نصائحه ونصائح أصحابه لأهل الكوفة قبل بدء القتال. الثاني: أن لا يبدأ بالقتال حتى يكون عدوُّه هو البادئ به لأنّ البادئ هو المسؤول عن كلّ الدماء الحاصلة. وقبل أن يصل الحسين (ع) إلى كربلاء، وكان أصحاب الحر بن يزيد قد منعوه من نزول نينوى، قال له زهير بن القين رضوان الله عليه: "يابن رسول الله ذرنا نقاتل هؤلاء القوم، فإنّ قتالنا إياهم الساعة أهون علينا من قتال مَن يأتينا معهم بعد هذا، فلعمري ليأتينا من بعدهم مالا قِبَل لنا به". فقال له الحسين (ع): "صدقَت يا زهير، ولكن ما كنتُ لأبدأهم بالقتال حتى يبدأوني". ثمّ وصل الحسين إلى كربلاء، فخيّم هناك، وجاءته الجيوش بقيادة عمر بن سعد لقتاله، فلم يتوانَ عن إسداء النصح لهم، طمعاً في هدايتهم. فأوّل ما عمل طلب الاجتماع برئيسهم عمر بن سعد، فلما التقيا قال له (ع): "ويحك يابن سعد أما تتقي الله الذي إليه معادك؟ أتقاتلني وأنا ابن مَن علمت. يا هذا ذر هؤلاء القوم وكن معي فإنّه أقرب لك من الله"، فقدّم له ابن سعد أعذاراً واهية، ردّها عليه الإمام. وحانت لابن سعد فرصة ثمينة من الهداية لكنّه لم يرعَوِ، لأنّه أحب الدنيا وفضلها على الآخرة، وحبُّ الدنيا كما قال أمير المؤمنين (ع): "رأس كلّ خطيئة". ولما لم تنفع الموعظة في قائدهم، قال الحسين (ع): "دعوني أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه أو أذهب في هذه الأرض العريضة، حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس". المسافة شاسعة والأرض مديدة ورمال الصحراء توقدها حرارة الشمس اللافحة وقطار الحسين (ع) يخترق قلب الصحراء ويجتاز كثبان الرمال ولوافح الحصى. وهكذا سارت كواكب الفداء وطلائع الجهاد تيمم وجهها شطر البيت الحرام لتنتهي إلى أرض الطفوف كربلاء، إلى مثوى الخالدين ومنار الأحرار، يقودها الحسين سالكاً الدرب الذي اعتاد الناس سلوكه متحدياً السلطة والقوة والمطاردة.

ارسال التعليق

Top