• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

جعفر الطيّار.. شهيد الرسالة

عمار كاظم

جعفر الطيّار.. شهيد الرسالة

شهيد الرسالة الصحابي الجليل، جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، المشهور بجعفر الطيّار، وذي الجناحين، ابن عمّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، والأخ الأكبر لأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام).

أبوه أبو طالب، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. تبوأ منزلة عظيمة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي أحبه وقرّبه منه، وأرسله لاحقاً على رأس طلائع المسلمين إلى الحبشة، حيث اجتمعوا في حينه مع ملكها النجاشيّ، وذلك في السنة الخامسة للهجرة، وكانت له كلمات ومواقف مهمّة، حيث بقي في الحبشة هو وأصحابه، حتى هاجر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة المنوَّرة، وعند عودته إلى المدينة، علّمه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاةً عرفت فيما بعد بصلاة جعفر الطيّار.

ولد قبل البعثة النبوية بعشرين سنة على روايات، وهو الولد الثالث لأبي طالب (عليه السلام). وقد كناه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأبِ المساكين، بسبب مساعدته للمساكين والفقراء واهتمامه بهم. ولقبه المشهور هو الطيّار وذو الجناحين، لأنَّ يديه قطعتا في أرض المعركة قبل أن يستشهد، وعوَّضه الله عنهما في الجنّة، كما صرّح بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

منذ نشأته، لم يعرف عنه الشِّرك وعبادة الأصنام، ولا شرب الخمر، ولا ممارسة الفحشاء والذّنوب. تزوّج من أسماء بنت عميس، وله منها ثمانية أولاد. كان ثاني النّاس إسلاماً بعد الإمام عليّ (عليه السلام)، حيث كان الإمام عليّ (عليه السلام) يصلّي خلف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لوحده، وفي إحدى المرات، كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام عليّ (عليه السلام) يصلّيان، وقد مرّ بهما أبو طالب وابنه جعفر، فقال أبو طالب لجعفر: صل جناح ابن عمّك، فالتحق بالصّلاة خلف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ ذلك الحين.

صفاته كانت تدلّ على سيرته العطرة، حيث يقول أبو نعيم الأصفهاني عنه: إنسان خطيب وسخيّ، شجاع وعارف. أما ابن قدامة، فيقول عنه: إنّه كان متواضعاً. ويقول المؤرّخ الذهبيّ بحقّه: جعفر بن أبي طالب كبير الشّأن، سيّد الشهداء والمجاهدين.

عاد جعفر بن أبي طالب إلى المدينة المنوَّرة من الحبشة بعد فتح خيبر، وبعدها، أرسله النبيّ(ص) إلى محاربة الرّوم في بلاد الشّام شمال الجزيرة العربيّة، على رأس جيش تعداده ثلاثة آلاف مقاتل، ثم أوصى النبيّ الجيش أن يلتزموا بإمرة جعفر، فإذا مات أو استشهد، فالقائد من بعده زيد بن حارثة، فإن استشهد، فالقائد من بعده عبدالله بن رواحة. وقد استشهد الثّلاثة في هذه المعركة الواحد تلو الآخر، وحمل الرّاية بعد ذلك خالد بن الوليد، وانسحب بالجيش إلى المدينة.

استشهد جعفر الطيار في معركة مؤتة في شهر جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة النبوية، وقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني، أنّ جعفر الطيار أوّل شهيد من أبناء أبي طالب في كتابه «مقاتل الطالبيّين».

على القول المشهور، فإنّ جعفر حين شهادته كان في سنّ الحادية والأربعين.

قطعت يده اليمنى فقاتل باليسرى حتى قطعت، فضرب وسطه، فسقط شهيداً مضرَّجاً بدمه سنة 8هـ في مؤتة، وهي قرية من قرى البلقاء في حدود الشّام، ودفن فيها، وله مزار معروف هناك. وباستشهاده، خسر الإسلام حامياً ومدافعاً عن الرسالة، وحاملاً بشجاعة لواءها، وقد شكّلت مسيرته صفحة مشرّفة ومضيئة من صفحات الإسلام.

حزن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لشهادته حزناً شديداً، وبكى عليه وقال: «على مثل جعفر فلتبكِ البواكي». وقال فيه (صلى الله عليه وآله وسلم) يصف خصال جعفر: «إنَّ خلقك خلقي، وأشبه خلقك خلقي، فأنت منّي ومن شجرتي». وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قتل جعفر: «إنَّ الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنّة حيث شاء».

ارسال التعليق

Top