• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لا تترددوا في قول كلمة «شكراً»

لا تترددوا في قول كلمة «شكراً»
بعض الناس لا يستطيعون قول "شكراً"، لأنّ الاعتراف بالامتنان ليس دائماً سهلاً. ما العمل عندما تنقصنا الكلمات للتعبير، أو عندما تعترينا مشاعر تمنعنا عن الاعتراف؟ قد يُسدي إليك صديق خدمة، أو يهدي إليك هدية غير منتظرة، أو یُجاملك زميل بإطراء جميل.. ولكنك تبقى صامت، جامد كالصنم لا تقوم بأي رد فعل إزاء ذلك. هذا الإحراج يكشف أن هناك صعوبات تواجهونها في التعبير عن امتنانكم للآخرين، ليس من السهل على بعض الناس التعبير عن مشاعرهم أمام الآخرين، ليس مُريحاً بالنسبة إليهم أن يظهروا ممتنّين أو في حاجة إلى الآخرين، ليس سهلاً عليهم الاعتراف بتأثرهم بلطف الآخرين. هذا لأنّ التلفُّظ بكلمة بسيطة مثل "شكراً" هو أمر يتم تَعلُّمه واكتسابه. وفي ما يلي ثلاث نصائح لكي تتعلموا قول شكراً:   - لا أستطيع لأني.. لا أجد الكلمات المناسبة: يقول عالم النفس طوماس دانسنبورغ: "للتعبير عمّا نشعر، يجب أوّلاً أن نفهم بماذا نشعر ونعترف به". بعض الناس لم يتعلموا في ما مضى من حياتهم أن يقرأوا أحاسيسهم ويُعبّروا عنها بسهولة. إنّ التربية على الحياء والخجل، مثل خوف الإنسان من أن يظهر ضعفه أمام الآخرين، هو سبب كبير وراء عدم القدرة على قول "شكراً". وتزداد المشكلة سوءاً، عندما يحاول الإنسان إخفاء مشاعره وخنقها. يقول طوماس: "يعود السبب في خنق المشاعر إلى مكْنَتَها وتجفيفها والتقليل من شأنها، نحاول إفراغها من قيمتها. نعرف أن وراء كل هدية نتلقّاها أو خدمة تُقدَّم لنا مجهوداً في حدّ ذاته، ونعرف أنّه يجب أن يَتْبَعها الامتنان والشكر والتقدير الذي يُفرح الطرف الآخر، ولكن لا نعرف كيف نفعل ذلك، إلا مع الأطفال. فنحنُ نعرف جيِّداً كيف نُعبّر عن هذا للأطفال". هذا صحيح، كم منا يبتسم ابتسامة كبيرة ويفرح فرحاً شديداً عندما يُقدّم له طفل صغير كهدية تُعبّر عن الحنان، رسماً عشوائياً رسمه بيديه؟ فلِمَ لا يكون رد فعلنا مشابهاً عندما تأتي الهدية من شَخص بالغ؟ يعتقد البعض أنّه بمحاولته قول "شكراً"، يغلق على نفسه ويحبسها داخل كلمة تقليدية مُتعارَف عليها بين أفراد المجتمع. بالتالي، فهو يلتزم بقانون المجتمع وتقاليده. وعلى العكس من ذلك "إنّ المطلوب هنا هو محاولة تمرير الرسالة الصحيحة، الرسالة الحقيقيّة، بغض النظر عن الكلمات". يقول الأخصائي النفسي، ونحنُ نعرف أنّ التواصُل يتم في المقام الأول عبر لغة الجسد، "فلماذا لا نحاول ونتجرأ ونشكر الآخر بابتسامة واضحة، وأو نظرة حانية، أو أي تَصرُّف يُعبِّر عن الدفء والمودة؟". - لا أستطيع لأني.. أشعر بالإحراج: يقول جون ماري روبين، مُحلّل نفسي: "مثل تاريخنا، الآخر هو مَن يُحدّد قدرنا وقيمتنا". أما نحنُ، فإننا نقدّر قيمة أنفسنا كما يلي: أنا أستحق كذا، لكنني لست أهلاً لكذا. يُضيف: "إنّ ما يحدث، هو أنّ فعل الأخذ يُزعزع لدينا النظرة التي كوّناها عن أنفسنا. وإذا كان الفعل الذي قام به الآخر تجاهنا يَدخُل في إطار مناسبة اجتماعية، يعترف بها المجتمع والبيئة المحيطة، مثل هدية عيد ميلاد أو هدية زواج، فإنّها تبدو لنا ذات طابع شرعي، وهذا لا يُزعزع في شيء نظرتنا إلى أنفسنا. لكن، عندما نتلقّى شيئاً لم نكن نتوقعه، أو أكبر ممّا توقعناه من الشخص، فإنّ هذا العطاء الذي يأتي من الآخر، يأتي لكي يُزعزع الصورة التي رسمناها عن أنفسنا". تغيير نظرتنا عن أنفسنا، يجعلنا نُعيد النظر في الكثير من الأفكار التي اعتبرناها مُسلَّمات. ومع ذلك، فإنّ تلقّي التقدير من شخص آخر هو شيء يُريح نفسيتنا. "لن يُجدي نفعاً، بل سيضرّك أن تسع إلى التخلص مما تشعر به، خاصة عندما تشعر بالإحراج". يقول جون ماري روبين، ويُضيف: "بل على العكس، عليك أن تستغل ذلك لكي تُعبّر عمّا تشعر به، وأن تكون مستعد للتعبير عن إحراجك بصيغة أخرى. مثلاً "لم أكن أتوقع هذا"، "لم أكن أعتقد أني أستحق هذا الاهتمام". واعلم أنك عندما تُشرك الآخر في ما تشعر به، فإنك تعطي قيمة أكبر لفِعْلَي العطاء والأخذ.   - لا أستطيع لأني.. أشعر بأني مَدين: "يقول علم أصول الكلمات عن كلمة "شكراً" الشيء الكثير عن هذا الإحساس غير المريح، الإحساس بأنك تعترف بأنك مَدين بدَيْن عليك تسديده". يقول فابريس لاكوب. في اللاتينية تعني كلمة "ميرسيس" معنى "الراتب". وهنا نفهم بشكل أفضل، لماذا يفقد الأخذ بعض الناس اتّزانهم إلى هذا الحد، ويشعرون بأنهم غير مرتاحين". "منذ تلك اللحظة، نبحث بشكل غريزي عن استعادة التوازن، وذلك للتخلص من الثقل الذي يمثله العطاء، نحنُ نفترض أن علينا أن نقدّم للآخر بالضرورة شيئاً مقابل المساعدة أو الهدية التي قدّمها لنا". لذا، نعتقد أن مجرد كلمة "شكراً" ليست كافية لدفع هذا "الراتب" الكبير، "كأننا نخلط بين الشكر والخضوع، بين العطاء والهيمَنة" يقول المحلل النفسي. فما الحل؟ "أولئك الذين لا يستطيعون قول "شكراً"، يُواجهون صعوبة أيضاً في أن يتقبّلوا الشكر من الآخرين". يقول فابريس لاكومب، مُضيفاً: "ولكي تكون المشاركة سليمة، يجب أوّلاً البدء في تقبُّل تعبير الآخر عن امتنانه لنا. وبدل أن نرد على كلمة "شكراً"، بعبارات مثل "لم أفعل ما يستوجب الشكر"، أو "لا شكر على واجب". علينا أن نشكره بدورنا، وأن نشرح له لماذا أسعَدَتنا مساعدته أو تقديم هدية له". فهذا يُمكّن الإنسان من أن يفهم أن تبادُل العطاء والأخذ هو مصدر التوازن في العلاقة. إذا كنّا لا نعرف أبداً كيف نقول "شكراً"، لا لأنفسنا ولا للغير، ولا حتى للحياة، وإذا كنّا نعاني ذلك حقاً، فهناك دائماً حَلّ ناجع، ألا وهو طلب المساعَدة العلاجية من مُعالج نفسي. فهذا يُساعد على فهم الذات، من خلال البحث في ما حصل للمرء في طفولته. وإذا كان الانزعاج من الشكر مرتبطاً بشخص بعينه، فيجب أن نتساءل حول طبيعة العلاقة التي تربطنا بهذا الشخص. هل الهدية التي أحضرها لك زوجك مثلاً تُسبّب لك الانزعاج ولا تُريحك؟ ماذا لو كنت تنتظر منه هدية من نوع آخر ترضي رغباتك أكثر؟ إنّ الوعي بما يدور داخل ذواتنا هو الخطوة الحاسمة في تعلُّم الامتنان بإخلاص ووعي.

ارسال التعليق

Top