• ١٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مهارة الاستماع

سام هارون/ ترجمة: مفيد ناجي عودة

مهارة الاستماع
◄نظراً لأهمية اكتساب مهارة الاستماع، فإنّنا ننصحك باتباع الخطوات الست التالية:

 

أوّلاً- انظر إلى المتكلِّم ومِل قليلاً باتجاهه:

هل أنت أب الآن؟ هل حدث مرة أن جاءك أحد أطفالك وأنت تقرأ صحيفة وناداك (بابا)، فأجبته وأنت تتابع قراءة الصحيفة: (نعم يا عزيزي، ماذا تريد؟). ولكن الطفل وضع يده على ذراعك وناداك ثانية (بابا). فقلت له: (نعم، يا عزيزي، ماذا تريد، إنّني استمع إليك). ولكن الطفل ضغط بيده على ذراعك مرة أخرى إلى أن التفتَّ باتجاهه ونظرت إليه. فحتى الأطفال يدركون أنّ اهتمامك (تركيزك) يكون حيث تنظر. إنّ أوّل قاعدة من قواعد الاستماع الجيِّد هو تركيز النظر على المتكلِّم.

وربما لاحظت أيضاً، أنّه عندما تريد أن تسمع ما يقول شخص ما، فإنّك تنحني قليلاً باتجاهه متشوقاً لما سيقوله. وهذه طريقة أخرى فعّالة لتترك انطباعاً لدى الطرف الآخر أنّك مهتم بما سيتكلّم به.

 

ثانياً- تجاهل عوامل التشتيت:

عندما نقول: إنّ شخصاً ما ليس مستمعاً جيداً، فإنّ الذي نعنيه فعلاً أنّه لا ينظِّم نفسه للتركيز على المتكلِّم. وحتى تركز فعلاً، فلابدّ لك أن تقرر أنّ ما يقوله هذا الشخص الآن أهم من أي شيء آخر. ولا شك أنّ هناك دوماً أموراً أخرى تتنافس على جلب اهتمامك. ولكن عندما يتولد لديك تصميم أنّ ما يقوله المتكلِّم له الأولوية القصوى، فإنّ الأمور الأخرى تتراجع إلى الوراء.

 

ثالثاً- لا تتعجل الحكم على الأمور:

هل يوجد أحد في مكتبك معروف بأسلوب تعامله "الصعب"، ربما يخطر ببالك أن تتجنب هذا الشخص عندما تراه؟ وهل هناك شخص آخر تصفه بأنّه كثير التذمر والشكوى؟ وهل هناك زبون تكره التعامل معه بسبب صوته المزعج؟ لا شك أنّه من السهل أن تتخذ موقفاً سلبياً من هؤلاء الأشخاص وتبتعد عنهم، لأنّ شخصياتهم أو أسلوب حياتهم لا يروق لك.

ولا شك أنّ هذه أصعب مهمة تقوم بها كمستمع جيد. ولكنه ربما يكون من الضروري الاستماع إلى هذه النوعية من الناس أيضاً. لماذا لا تنتظر حتى يفرغوا من حديثهم قبل أن تحكم أيضاً. من المفروض أن تذكِّر نفسك دائماً أن تعطي الناس الفرصة ليعبّروا عن أنفسهم، ثم تركّز على محتوى كلامهم بدلاً من النفور منهم لمجرد أنّك لا تحب الأسلوب الذي يعبّرون به عن أفكارهم.

 

رابعاً- عوِّد نفسك على تلخيص ما قاله المتكلِّم أمام المتكلِّم نفسه:

إنّ تعوّدك على هذا الأسلوب يجبرك على التركيز ويضمن لك فهم ما يقال. والواقع أنّك باتباعك هذه القاعدة: (قبل أن تعبّر عن نفسك، لخص للطرف الآخر – أي المتكلِّم – ما فهمته من كلامه) فإنّك بذلك تكون قد ضمنت حسن أداء مهارة الاتصال. وقد يبدو هذا الأسلوب لأوّل وهلة غريباً ومستغرقاً للوقت، ولكنّه يقلل بشكل كبير من سوء الفهم ولقد أشارت البحوث إلى أنّ حوالي 60% من أخطاء العمل إنما تعود إلى الاستماع الرديء. صحيح أنّ تلخيص فهمك لما يقوله المتكلِّم يستغرق بعض الوقت، ولكنّه على المدى البعيد يوفّر الكثير من الوقت.

كما أنّه يتوجب على المتكلِّم عندما يرغب في إيصال معلومة مهمة إلى المستمع (لتحديد المهام وإعطاء التوجيهات والتعليمات وغيرها) أن يساعد نفسه والطرف الآخر على التركيز، عن طريق قيام الطرفين بتلخيص النقاط الواردة في المحادثة. ومن أمثلة ذلك استخدام المدرسين لهذا الأسلوب كي يساعدوا طلابهم على التركيز.

 

خامساً- حاول أن تضع نفسك موضع المتكلِّم:

قد لا يكون من السهل أن تركِّز على ما يقوله شخص ما إذا كنت قد سمعت بهذا الأمر مئات المرات أو لأنّك – على المستوى الانفعالي – لا تحب ما يقوله ذلك الشخص. إنّ موقفك السلبي هذا يشتت ذهنك ويمنعك من الاستماع الحقيقي. ربما تقول في نفسك عن ذلك الشخص: (لماذا لا يفهم كذا...؟ أو لماذا لا يفعل كذا...؟) هل تدرك بالضبط ماذا تقول حقيقة عن المتكلِّم عندما تبدأ بكلمة لماذا؟ كأنّك تقول في نفسك: (لماذا لا يفعلها كما أحب أنا أن أفعلها؟). لقد قال أستاذ جامعي مرة: (عندما تصاب بالإحباط من شخص ما، أو تفقد صبرك في التعامل معه، فإنما يحدث ذلك لأنّك تنظر للأمور من وجهة نظرك فقط دون النظر إلى وجهة نظر الطرف الآخر أو الشعور بشعوره). إنّك عندما تضع نفسك موضع المتكلِّم، فإنّك تساعد نفسك على التركيز أوّلاً وتحبب الناس إليك ثانياً، لأنّك بهذا تؤثرهم على نفسك. فمثلاً، إذا كنت تعمل في مجال خدمة الزبائن واشتكوا من أمر ليس خطأك فلا تصب بالإحباط أو تفقد صبرك، بل اجعل نفسك مكانهم، واسأل نفسك كيف سيكون شعورك عندئذٍ؟ إنّ مهمتك الرئيسة تكمن في أن تجعل من كلّ زبون زبوناً دائماً.

 

سادساً- لا تقاطع المتكلِّم:

سُئل أحد الأساتذة الجامعيين بعد أن أمضى ثلاثين سنة من حياته في كتابة البحوث عن موضوع "الاستماع" – ما السر وراء كون الشخص مستمعاً جيداً. ففكر برهة ثم رفع رأسه وقال: (لا يوجد سر. إنّه عمل شاق يستغرق التفكير والتركيز، بالإضافة إلى أنّه يتوجب عليك أن تعض لسانك بين الفينة والأخرى). إنّ عقولنا تستطيع أن تفكر خمس أو سبع مرات، أسرع مما يستطيع أن يتحدث به معظم الناس، وهو ما يفسر لماذا يعرف المستمع ما سيقوله المتحدِّث قبل أن ينهي الآخر جملته. وحتى تختبر نفسك إن كنت مستمعاً جيداً أم لا؟ اسأل نفسك هذا السؤال: هل استمع حقيقة إلى المتكلِّم أم أنّني انتظر دوري لأتكلّم؟

ويميل بعض الناس إلى الظهور بمظهر الانشغال الدائم، ولذلك تجدهم يضيقون ذرعاً حتى بالأشخاص المهمين في حياتهم. وعندما يريد شخص أن يكلمهم يكون ردهم أنّه ليس لديهم وقت الآن، ويطلبون أن يتحدثوا معهم فيما بعد. ولذلك يشعر الطرف الآخر أنّه لم يعد مهماً عندهم.

ولو خصص هؤلاء الأشخاص الذين لديهم جدول أعمال محكم ولو خمس دقائق أو عشر لمحبيهم يومياً لاختلف الأمر. فقد يتطلب الأمر أحياناً أن يجلس الواحد من هذه الفئة ولو لفترة محددة مع أطفاله ينظر إلى عيونهم ويستمع إليهم برحابة صدر ويعطيهم كامل اهتمامه. ولعل في هذا الأسلوب من التركيز ما يجعلهم يشعرون أنّ لهم شيئاً من الأهمية.►

 

المصدر: كتاب التركيز (مهارتك الثمينة للتميز والإبداع)

ارسال التعليق

Top