• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحرية في الإسلام والغرب.. قراءة في كتاب

السيد حسين اسحاقي

الحرية في الإسلام والغرب.. قراءة في كتاب
◄تلخيص: بين أيدينا اليوم كتاب شيق جدير بالقراءة لنلقي من خلاله نظرة على التفاوت الواقعي الحاصل في مفهوم الحرية بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي. حيث يذكر الكاتب في مقدمة البحث: نعلم انّ التاريخ يضم بين طياته أفكاراً متفاوتة وميادين صراع لإتجاهات مختلفة خاصة بتوجيه الإنسان، ومن أهمها مفهوم الحرية فيتناول الباحث في الفصل الأول البحث والتحقيق في المفهوم الأساسي للحرية، حيث يبين أنّ لفظة (الحرية) تعطي عنواناً جذاباً لكل أصحاب النظريات والمفكرين سواء المتخصصين منهم في العلوم الإلهية أو العلوم الدنيوية. ولأهمية هذا الموضوع يبدأ الباحث بالاستشهاد بآراء بعض العلماء والمفكرين الإسلاميين مثل الشهيد الأستاذ مرتضى مطهري والعلامة السيد محمد حسين طباطبائي لإعطاء التعريف الديني الكامل لهذا المفهوم. وبعد أن يعرج إلى التعريف اللغوي له، يعطي الكاتب رأيه في هذا المفهوم من منظار المصطلح الاجتماعي السائد في مجتمعاتنا الإسلامية واستناداً إلى آراء بعض الفلاسفة المعاصرين. امّا نظرة الغرب للحرية والمفهوم الليبرالي لها وآراء بعض العلماء والمفكرين الغربيين أمثال (آيزايابرلين) و(جان لاك) وتعريفهم لمفهوم الحرية من وجهة نظرهم فيستعرضها الكاتب ثمّ ينتقل إلى المقارنة بين النظريتين وعلى ضوء بعض الآيات القرآنية ليكمّل الصورة – بعد ذلك – للقارئ الكريم مفهوم الحرية بجميع أبعادها.. الفصل الثاني: يتحدث الكاتب عن حرية العقيدة وكيف يدعو الإسلام إلى الاعتقاد الحر؟، وبعيداً عن أي ضغوطات وضعية أو بيئية أو تحت التهديد والإجبار. ثمّ يرد بعد ذلك شبهة (حرية الارتداد عن العقيدة) والتدرج بها وصولاً إلى الحكم باستباحة دم المرتد، حيث يبين أنّ لسوء الاستفادة المحتملة من بعض المفكرين المدسوسين لضرب قدسية حرية الإنسان من خلال اثارة هذا الموضوع للطعن بالحكم الإسلامي حيث يبين: 1- انّ الإنسان المرتد إذا طرح آراءه في محافل ومجتمعات علمية واسندها بادلة، فهو حر في ذلك ولكن ضمن ضوابط خاصة لكي يكون هناك مناقشة واستدلال من قِبَل العلماء من جهة ومثل هؤلاء الأفراد من جهة ثانية. 2- اظهار العقيدة في مجامع عمومية تكون ضمن شروط. أ‌-      عدم طرح أفكار معادية للإسلام. ب‌- عدم الاستهزاء والسخرية من الاحكام والآراء الإسلامية. وفي غير هذه المواضيع يكون الشخص مرتداً عن دينه الإسلامي ويستحق التحجيم وتحديد حريته. الفصل الثالث: حرية التعبير يحاول الكاتب في هذا الفصل الإجابة على سؤال مهم وهو هل الإنسان في النظام الإسلامي يتمتع بحرية التعبير أم لا؟ فيبين الكاتب في البداية المعنى اللغوي لكلمة (البيان) حسب تعريف الراغب الاصفهاني له، ثمّ يستدل بالآيات القرآنية في تفسير هذه الكلمة كما في الآية القرآنية (خَلَقَ الإنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (الرحمن/ 3-4). وبعدها ينتقل إلى توضيح جوانب وميادين حرية التعبير كما أوضحها القرآن الكريم للمسلمين أولاً كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاستشارة والمناصحة واستجلاب الخير والنهي عن كتمان الحق. أما حرية التعبير والكلام مع غير المسلمين فهي بالجدال بالتي أحسن واختيار أحسن الألفاظ اللائقة بالخلق الإسلامي الرفيع وطرح الآراء ومناقشتها بأسلوب حسن مع المخالفين. ثم يستشهد الكاتب بسيرة الرسول (ص) والمواقف منها ومن حياة الإمام علي (ع) والأئمة المعصومين في هذا المجال. وفي الوقت ذاته يبين حدود هذه الحرية المتمثلة في عدم استعمال الكلمة النابية والسب وهتك حرمة مقدسات الآخرين وإفشاء الأسرار ونشر الشائعات والتآمر والتواطىء وحتى الإلتفاف على القانون للهروب من التعهدات. كل هذا عن طريق الكلمة المباشرة أو المنقولة عبر المطبوعات أو وسائل الاتصال الصوتية ثمّ يوضح أساس هذه الحرية وهي: 1- أساس شرعي: أن لا تتضارب مع الفكر الإسلامي. 2- أساس عرفي: أن لا تسبب تجاوز على الحق العام أو تكون السبب في الغاء أو محو حقوق الأفراد والجماعات. الفصل الخامس: يتناول فيه الباحث الحرية الأخلاقية والمعنوية وأهمية تفعيل هذا المصطلح في المجتمعات العامة والمجتمع الإسلامي بشكل خاص لما فيه من سمو ورفعة لذا فهو يتناول الأسس المهمة للحرية الأخلاقية كما جاءت في الشريعة الإسلامية ويبينها بالشكل التالي: 1- الاعتقاد بوحدانية الخالق، والذي يؤدي إلى معرفة الله وحكمته وقربه من مخلوقاته، فيسعى الإنسان بما يمتلك من حرية في التعبير عن حبه وقربه نحو الخالق وسعيه لكسب رضاه عن طريق إحقاق الأمانة والعدالة والمحبة بين الناس. 2- الاعتقاد بالنبوة: حيث يبين انّ الأساس الثاني للحرية المعنوية هي الإيمان بالوحي على اعتبار انّ الإنسان بفكره المفرد لا يمكن له ادراك الفضائل والرذائل فيتطلب الأمر إرسال الرسل والأنبياء لتعليم البشر طريق الكمال الأخلاقي. 3- الاعتقاد بالمعاد: انّ الإيمان بالآخرة يدعو الإنسان ليفكر بالخلود واكتساب الصفات الحسنة ليكون عروجه للسماء عبر طريق لا متناهي من لذة اكتساب الخصائص وترك النواقص، لذا فيكون الاعتقاد بالآخرة منبع كل الحريات الواقعية الخالدة. 4- الكرامة الإنسانية: وهو الأساس الرابع للحرية المعنوية في الإسلام، فانتخاب واختيار الإنسان لأي عمل عليه أن لا يتعارض مع تقييد عقله أو ضد كرامته وعزته ويتم ذلك عن طريق تنمية أبعاد شخصيته الروحية والمادية والعاطفية والفكرية. ثمّ يستعرض الحرية المعنوية والأخلاقية في الغرب وكيف انها تدور حول الإنسان كمحور أساسي لكل الأشياء، لذا فتكون الأخلاق مسألة نسبية وغير مطلقة وحسب الفكر الغربي تبقى العادات والأهواء والثقافات ليس لها عمق أصيل في الأخلاق. وفي نهاية هذا الفصل يعطي الكاتب رأيه في الحرية الأخلاقية في الإسلام، حيث يبين انّه لا وجود للحرية الاجتماعية بدون حرية أخلاقية ومعنوية مستنداً في ذلك على الآيات والأحاديث الشريفة، كما ينقل عن الإمام علي (ع) في غرر الحكم "عبدالشهوة أشد من عبد الرق". فالأحرار الواقعيون هم الذين من جهة يمارسون الجهاد الأكبر مع النفس حتى يقللوا من احتياجاتهم ورغباتهم وبنفس النسبة لا يقعون أسرى لأشياء وأشخاص آخرين من جهة أخرى. هذه في الحقيقة هي اللذة الحقيقية للحرية عكس النظرة الغربية – كما يذكر المحقق – حيث على الإنسان أن يسعى في طلب أي شيء يجلب اللذة والنشوة إليه حتى وإن كان مخالفاً للأخلاق، وينقل قول مفكر غربي في هذا الصدد (السعادة بمعناها الكامل هي عبارة عن الحصول على أكبر حصة من اللذة التي من الممكن الوصول إليها). وهذه النظرة أيضاً مطابقة لنظرة المفكر الغربي (بنتام) حيث يؤكد انّ هناك شبه إجماع من الكل أنّ أي نوع من القيود هي ضد الإنسانية، ويجب فقط الاعتماد على الحرية غير المقيدة. إذن فالنتيجة حسب رأي الكاتب انّ المشكلة الأساسية للاختلاف بين المدرستين، هو انّ المدرسة الغربية تزن الله سبحانه مع الأشياء الأخرى بنفس الكيل والميزان، وهذا في الحقيقة هو عكس الواقع تماماً حيث انّ الارتباط بالله يجعل الإنسان ينطلق في الآفاق للوصول إلى الكمال والسمو لكل القيم العليا. الفصل السادس: في هذا الفصل يبحث الكاتب في مفهوم الحرية الاقتصادية، فيعطي في البدء التعريف العلمي للنظام الاقتصادي حسب رأي العلماء الكبار أمثال الخميني والسيد محمد باقر الصدر، حيث يبين انّ الاقتصاد في النظام الإسلامي مبني على: 1- العقيدة: القاعدة الأساسية للفكر الإسلامي الذي يشكل نظرة المسلمين الأصيلة للعالم. 2- المفاهيم: وهي نظرة الإسلام في تفسير الأشياء وفلسفتها وانعكاساتها المتبادلة تحت تأثير شعاع العقيدة الإسلامية. 3- العواطف والأحاسيس، وهي وليدة المفاهيم الإسلامية، لأنّ كل مفهوم ونظرية توضح واقعية روح الإنسان وادراكه وشعوره الخاص وتوجيهه التوجيه الصحيح لذا فالعواطف الإسلامية مأخوذة من المفاهيم التي هي بدورها من العقيدة. فعلى هذا الأساس، أهداف النظام الاقتصادي في الإسلام تتلخص في نقطتين رئيسيتين: أ‌-      النقطة الأولى: تقوية القيم الإنسانية والإلهية العليا عبر الأفراد. ب‌- النقطة الثانية: إيجاد وتدعيم وتثبيت البناء الاقتصادي للدولة والمجتمع. فالحرية الاقتصادية من هذا المنطلق تدور حول حلية ومشروعية المعاملات الاقتصادية، وبهذه الصورة نضمن عدم خروجها عن الحدود والأطر الأخلاقية للعمليات التجارية، وهناك دائماً مراقبة ذاتية للأفراد، إضافة إلى مراقبة الدولة للدفاع عن الحقوق العامة للمجتمع سواء الذكور منهم أم الاناث، فالكل لديهم حق التصرف فيما يكسبونه بالحلال. (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) (النساء/ 32). ومن جهة ثانية يوضح الكاتب أهمية النظرة الإسلامية في نبذ الإسراف وتأثيره على المجتمع على اعتبار انّ بعض المستهلكين المسرفين سيصرفون حصة أكبر من إمكانيات المجتمع وبالتالي سيهيئون الأرضية لسلب الإمكانيات من مجموعة أخرى. وبهذا ستبرز في مثل هذه المجتمعات ظاهرة الفقر الجماعي التي هي نتيجة عرضية للاحتكار وعدم الانفاق الصحيح، ويستشهد الكاتب بأكثر من آية في هذا الصدد إضافة إلى قول للإمام الصادق (ع) حيث يقول: "انّ السرف يورث الفقر. وانّ القصد ليورث الغنى". أما حدود الحرية الاقتصادية فيلخصها الكاتب في نهاية الفصل السادس بنقطتين مهمتين: 1- الحدود الأولية: تطلق على مجموعة من الأحكام والفقرات التي تكون ثابتة على طول الزمان كحرمة الربا والشراب والإسراف وغيرها.. 2- الحدود الثانوية: وهي مجموعة من الأحكام التي تكون بحد ذاتها مسموح بها، ولكن عند اصطدامها بأحكام أخرى تصبح محدودة الأحكام المتعلقة بالضرر والإحراج والعسر للآخرين. ويسرد الكاتب بهذا الصدد قصة (سمرة بن جندب) وكيف كانت نخلته تسبب الضرر لرجل من الأنصار، الذي قام بدوره وشكاه لرسول الله (ص) ولكن حتى حديث الرسول مع سمرة لم تأت بنتيجة ولم يقتنع لرفع الضرر والحرج من الآخرين مما اجبر الرسول لإصدار قانون (لا ضرر ولا ضرار) الذي استطاع بموجبه الاقتصادي أن يقتلع النخلة ويرميها أمام جندب. وهناك الكثير من هذه القصص المذكورة في كتب التاريخ. الفصل السابع: بتناول هذا الفصل الحرية السياسية ويستهل الكاتب بحثه في البداية في اعطاء تعريف لهذه الحرية على ضوء أقوال المفكرين الغربيين من أمثال مونتسكيو وكارل كوهن، اضافة إلى مفكرين إسلاميين. ثمّ يستعرض جوانب من هذه الحرية في زمن الرسول والأئمة الأطهار، وكيف أن تمتع المسلمين بهذه الحرية في النظام السياسي كان السبيل الأمثل للوصول إلى الحقوق الشرعية والقانونية الإنسانية لكل أفراد المجتمع. أما أن يتصنع بالحرية السياسية مجموعة خاصة أو حزب واحد ومؤيدوه وحتى أصحاب رؤوس الأموال ووجهاء المجتمع، فهذا بالتأكيد سيقلل اشتراك الجماهير وسيشكل أرضية للاستبداد والدكتاتورية. وما تجره هذه النظم من ويلات ومفاسد اجتماعية واقتصادية وثقافية، وهذه الأمور جميعها مرفوضة من جانب الدين السماوي الحقيقي وغير مقبولة اطلاقاً. ثمّ يستعرض الكاتب مبادئ الحرية السياسية في الحكومة الإسلامية التي فلسفة وجودها مأخوذة من التعاليم الدينية والتي هي: 1- الخلافة الإلهية. 2- قيادة الأئمة. 3- نبذ الظلم والاستكبار. 4- الحرية المقرونة بالشعور بالمسؤولية وحق الانتخاب ثمّ يستشهد الكاتب بقصة (كعب بن سور) الذي قدم إلى المدينة للتحقيق في قضية بيعة طلحة والزبير وهل انها كانت وفق ميولهم الحرة ام بالإكراه. وموقف الإمام علي (ع) من هذا الأمر يتلخص في انّه فسح له المجال للتحقيق، وللتأكيد من جهة أخرى على أهمية الوعي والحرية المسؤولة في البيعة السياسية. ثمّ يتناول الكاتب في الفصل ذات الأسس المهمة للحرية السياسية من منظار النظام السياسي المهم ليكون الحق كاملاً من كل جوانبه وليس مجرد إدعاء، لذا فإن توفر هذه الأسس مهم في البناء السياسي والحكومي للمجتمع والتي هي: 1- حق الإطلاع على مجريات الأمور. 2- حق المراقبة والنقد البناء. 3- حق الشكاية وتشكيل هيئة للمراجعة ومتابعة شكاوى المواطنين وخاصة تلك النابعة عن المراقبة والمتابعة الكاملة لمجريات الأمور. 4- حق الإشراف والإرشاد واحترام الحكومة لآراء الشعب وتوجيهاته. 5- حق الاستشارة المتبادلة. 6- رعاية حقوق ومصالح الشعب، الذي يعتبر الضمانة والدعامة الأساسية في الوقت ذاته لثبات الحكومة وحرية الشعب فيها. ثمّ يستدل في هذا المضمار بآراء الأئمة (ع) والعلماء الكبار الذين كانوا لهم أثر في الشأن السياسي، كالإمام وتوجيهاته لأركان حكومته بالاهتمام المصلحة العامة ومتابعة هموم وتطلعات الشعب بكل طبقاته وفئاته. الفصل الثامن: يحمل عنوان (أجوبة لأسئلة حول الحرية). حيث يستعرض الكاتب أسئلة مهمة وعديدة مثل، هل ان دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية يهتم بالحريات؟ وفي معرض جواب الكاتب لهذا السؤال نقرأ انّ (القانون والحرية ليسا على نقيض مع بعضهما البعض، لأنّ القانون يعتبر بمثابة المحافظ والمحامي للحرية كما هي حالة الملابس بالنسبة لجسم الإنسان). وفي سؤال آخر حول حدود حرية التعبير في النظرية السياسية الخميني وضمن نفسه النطاق يطرح سؤال حول نظرة الخميني للحريات العامة وحرية الأحزاب في الاجتماعات السياسية، فيستعرض الباحث مقاطع من كلام وخطب الخميني حول هذه المحاور وارشاداته للقادة السياسيين ضمن هذا الاطار لتتشكل بعد ذلك وتتوضح الصورة الكاملة لخط الخميني ويكون في الوقت ذاته جواب كامل للأسئلة. وهناك أيضاً في هذا الفصل بعض الأسئلة عن أسس الحرية في الغرب والآثار السلبية لها وكذلك أسئلة للمقارنة بين الحرية وفق النظرية الإسلامية والحرية وفق النظريات الأخرى ومدى فهمهم واستيعابهم لهذا المصطلح. وهناك سؤال قد يبدو لطيفاً وهو إذا كان الله قد خلق الإنسان حراً بصورة تكوينية فلماذا يحدد حريته بأحكام الدين والشرع؟ وفي معرض جواب الكاتب يبين انّ الحرية التكوينية تعني في نظام الخلق انّ انتخاب طريق العقيدة ليس إجباري، فإذا كان أصول ومبادئ الدين غير واضحة لأحدهم ولم تنفذ إلى اعماقه وروحه فلا يكره عليها، حيث يقول البارىء في قرآنه الكريم (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة/ 256). فالحرية التكوينية وفق هذا المنظور تعني انّ الإنسان في مسألة القيام بأي عمل من الأعمال ليس مجبراً وغير مختاراً وفي الوقت ذاته ليس حراً مطلقاً. لذا فالحدود العقلية والمعنوية لحياة الإنسان تكون عندما يحكمها قانون العقل، اما خروجها عن مدار الإنسانية وتمتعها بالحياة الحيوانية الطبيعية وبعيداً عن الأخلاق والفضائل، ستجعل الإنسان عبداً لشهواته وترمي به إلى حضيض الهمجية وستصطدم الحريات مع بعضها البعض وبالتالي ينقص بعضها البعض، لذا فرعاية الحدود الشرعية هي نقطة البداية والشرط الأساسي للحرية البشرية. ثمّ يستشهد الكاتب بآراء بعض المفكرين الغربيين حول هذا الموضوع حيث يقول (ويل دورانت) أول شرط للحرية هو المحدودية، فالحياة هي عبارة عن تعادل القوى المتضادة، كما في حال كون الأرض معلقة في الفضاء نتيجة تعادل القوى المتضادة المؤثرة عليها. ويستكمل السيد المحقق بحثه في هذا الجانب فيبين في معرض جوابه لسؤال حول أثر الحرية الفكرية في نشر الفكر الديني، والحدود التي يفرضها الدين على الفكر؟. فيستعرض هنا آراء المفكرين الإسلاميين العظماء كالشهيد مطهري والعلامة محمد تقي جعفري. ثمّ يستشهد ببعض الأحداث والوقائع التاريخية التي وقعت في حياة الرسول (ص) كحلف الفضول وكيف انّه (ص) دعمه وباركه ليوضح من خلال ذلك انّ الإسلام لا يعارض تشكيل الأحزاب والتكتلات السياسية بشرط أن تكون ضمن اطار رعاية حقوق ومصالح العباد والمجتمع وتعمل على ذلك بصدق ومحبة. وهناك الكثير من الأسئلة والأجوبة حول موضوع الحرية وهل تتناقض مع مفهوم العبودية والتكاليف، وهل هناك حرية مطلقة ولمن تكون؟ وهل هناك تساهل أو حرية دينية ضمن حدود الدين الإلهي وغيرها من المواضيع ضمن أسئلة يطرحها الكاتب ويجيب عليها بالتفصيل ومستنداً بآراء الآخرين. الفصل التاسع: هو الفصل الأخير الذي يتعلق بتلخيص واستخراج نتائج التعليمات الإسلامية حول مفهوم الحرية، على اعتبار – وكما يستنتج الكاتب في هذا الفصل – انّه لا توجد عبارة ان كلمة بحجم كلمة الحرية تدور في أفواه الناس وتشغل فكرهم، ولا توجد لكلمة مثل (الحرية) معاني وتعاريف ومفاهيم متعددة، فالحرية يمكن أن يكون لها معنى سلبي إذا لم تضاف وتكمل بمفاهيم أخرى لتعطي تألقها ونتيجتها الصالحة. فالحرية التكوينية هي أساس كل الديانات لأن بافتراض إجبار الإنسان عليها ستكون كل التكاليف الدينية والأمر والنهي والثواب والعقاب واليأس والرجاء بدون أثر يذكر. أما الحرية الفكرية فيذكر في صددها الكاتب انّ الفكر يكون على نوعين، أما إيجابي وأما سلبي. أما بناء أو هدام، ففي أي وقت يكون الفكر مصدر لضياع الإنسان فهو مشوه وغير مطلوب، ولكن الفكر هو من آثار وعلامات العظمة الإلهية يكون مطلوباً بل ومرغوباً به. أما بخصوص حرية القلم والكتابة والتعبير فيلخصه الكاتب بأنها واحدة من الحقوق الطبيعية والفطرية للإنسان وفي الحقيقة هي مظهر للرحمة الإلهية حيث يذكر القرآن الكريم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا) (الأحزاب/ 70)، ويختتم الكاتب كتابه القيم بالتذكير والتأكيد على انّ الجانب المعنوي الإسلامي لا يكون في منأى عن واقعية الحياة الاجتماعية، بل يشكل أفضل وأكثر الامكانيات المتاحة لحياة اجتماعية طاهرة وثابتة. فالأسر لا يعني فقط أن يكون الإنسان أسيراً بيد أشخاص أو حكومات أو مجموعات تجبره على الطاعة، بل يعني العبودية للسنن المغلوطة والفارغة من المحتوى الفعال، وهو في الحقيقة من أكثر وأكبر أشكال الأسر التي يعاني منها الإنسان والتي تمنعه من الرشد والتطور الإنساني.

المصدر: مجلة الطاهرة/ العدد 168 لسنة 2006م

ارسال التعليق

Top