• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأقليات وجدليات الوحدة والحرّية

محمّد محفوظ

الأقليات وجدليات الوحدة والحرّية

◄- قبل التطرق للموضوع يجب أن نوضح مصطلح الأقليات: الأقليات هي "أي مجموعة بشرية تختلف عن الأغلبية في واحد أو أكثر من المتغيرات التالية: الدين أو اللغة أو الثقافة أو السلالة.

حيث هناك ثمّة مسائل وقضايا شائكة وحيوية في آن، تثيرها التطوُّرات الإقليمية والدولية اليوم. حيث مستويات التفتيت ودرجات التشظي. حيث الكيانات السياسية الكبيرة وما تسمى بالإمبراطوريات، التي قامت بالقوّة واستمرت بالقهر والغصب والإرهاب. هذه الكيانات والتي تمتلك ترسانات عسكرية ضخمة بدأت بالتلاشي. حيث استيقظت كلّ الوطنيات والأثنيات والقوميات المقموعة خلال السنين المنصرمة وبدأت تبحث عن ذاتها وكيانها وخصوصياتها.

والذي يزيد المشهد قساوةً ورعباً، هو تكاثر بؤر العنف الكامنة والصريحة والمفتوحة على كلّ احتمالات الفوضى وهوس استخدام القوّة بلا وعي وبصيرة وعقل.

ولا نبالغ حين القول: إنّ تسعير التوترات وإشعال بؤر العنف بكلّ أصنافه وأشكاله، واستيقاظ كلّ التنوعات والخصوصيات، كلّ هذا من جراء العقلية الاستبدادية والعنفية، التي سادت في مناطق عديدة من العالم، واستخدمت كلّ قوتها وجبروتها وغطرستها لمحو خصوصيات الأُمم والمجتمعات، ولطمس حقائق تاريخية ومجتمعية متجذرة في العمق الحضاري للأُمم والأوطان.

 

- الاستبداد جذر الأزمة:

فالعنف والقهر والاستبداد، هو الذي أيقظ الخصوصيات بنحو سلبي، كما أنّ إرهاب الدولة وغطرستها وتغّولها وسعيها المحموم لدحر ما عداها، هو الذي أدى إلى تسعير التوترات وتفجير الاحتقانات في مواضع ومناطق عديدة من العالم.

وعلى هدى هذا نستطيع القول: إنّ كلّ الكيانات والوجودات، التي تأسست على قاعدة الوحدة القسرية والقهرية لتنوعاتها وتعدداتها، فإنّ آمالها الأخير هو التشظي والتفتت، والإمبراطوريتين السوفيتية واليوغسلافية نموذجان صريحان لذلك.

فالوحدة القهرية لا تفضي إلى استقرار مستديم، بل تؤسس لاحتقانات وإنفجارات ونزاعات جديدة محورها التداعي والتآكل الوحدوي، واليقظة العنيفة لكلّ الخصوصيات والهويات المقموعة.

ولا ريب إنّنا بحاجة إلى حياة سياسية سليمة، تفسح المجال لكلّ التعبيرات والقوى بدل إقصائها وقمعها، وإلى فضاء عام حر، يسائل الواقع، وينقد الممارسات، ويحاسب المقصرين والمستهترين بالقانون. ونحتاج أيضاً إلى مواطنة نشطة تعبر عن آمالها ومصالحها ونفسها بمشاركة سياسية وديمقراطية فاعلة، لبلورة الخيارات والرهانات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الوطنية.

ويمكن التأكيد بأنّ حركة الموالي في التجربة التاريخية الإسلامية، لم تكن تنشط وتتحرك باتجاه خلق كيان خاص بها لو لا استبداد الدولة وسعيها الحثيث نحو إقصاء كلّ الأطياف والقوى والتنوّعات ليس فقط على المستوى السياسي، وإنّما حتى على الصعيد الاقتصادي (العطاء من بيت مال المسلمين نموذجاً)، حيث التباين الصارخ في مستوى العطاء بين العربي وغيره من رعايا الدولة الإسلامية التاريخية.

فالتمييز بكلّ صوره وأشكاله، والتهميش بمجالاته وآلياته، لا يفضيان إلى الوحدة والاستقرار السياسي والمجتمعي، وإنما يؤسسان الظروف الذاتية والموضوعية معاً لتشظي الواقع، واستيقاظ العصبيات بكلّ زخمها وعنفها وعنفوانها.

وإنّ منطق الاستبداد لا يأبد الأنظمة، ولا يفضي إلى الاستقرار، وإنما يفاقم العيوب، ويعمق التوترات، ويفجر الخصوصيات.

ونحن الآن بحاجة إلى تحوُّل نوعي وتطوُّر إستراتيجي في فكرنا.►

 

المصدر: كتاب ضد الطائفية

ارسال التعليق

Top