• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

سرّ الاعجاز

محمد هادي معرفة

سرّ الاعجاز

اختلفت أنظار العلماء في وجه إعجاز القرآن، بين من أنهاه إلى عدة وجوه ومن اقتصر على وجه واحد، ولا يزال البحث مستمراً عن هذا السر الذي هو دليل الاسلام:
1 ـ ذهب أرباب الأدب والبيان إلى أنها الفصاحة البالغة والبلاغة الفائقة، إن في بديع نظمه أو في عجيب رصفه، الذي لم يسبق له نظير ولن يخلفه بديل..
قد نضدت عباراته نضداً مؤتلفاً، ونظمت فرائده نظماً متلائماً، وضعت كل لفظة منه في موضعها اللائق بها، ورصفت كل كلمة منه إلى كلمات تناسبها وتوائمها، وضعاً دقيقاً ورصفاً تاماً، يجمع بين أناقة التعبير وسلاسة البيان، وجزالة اللفظ وفخامة الكلام، حلواً رشيقاً وعذباً سائغاً، يستلذه الذوق ويستطيبه الطبع... مما يستشفّ عن إحاطة واسعة ومعرفة كاملة بأوضاع اللغة ومزايا الألفاظ والكلمات والتعابير... ويقصر دونه طوق البشر المحدود!
قالوا في دقة هذا الرصف والنضد: لو انتزعت منه لفظة ثم أدير بها لغة العرب كلها على أن يوجد لها نظير في موضعها الخاص، لم توجد البتة..
2 ـ وتوسع المحدثون في البحث وراء نظامه الصوتي العجيب:
أنغام وألحان تبهر العقول وتذهل النفوس، نظمت كلماته على أنظمة صوتية دقيقة، ورصفت ألفاظه وعباراته على ترصيفات موسيقية رقيقة، متناسبات الأجراس، متناسقات التواقيع، في تقاسيم وتراكيب سهلة سلسة، عذبة سائغة، ذات رنّة وجذبة شعرية عجيبة، واستهواء سحريّ غريب!
3 ـ وأضاف المحققون جانب اشتماله على معارف سامية وتعاليم راقية تنبئك عن لطيف سرّ الخليقة، وبديع فلسفة الوجود، في جلال وجمال وعظمة وكبرياء، بما يترفع كثيراً عما راجت في تعاليم مصطنعة ذلك العهد، سواء في أوساط أهل الكتاب أو الوثنيين.
4 ـ وهكذا تشريعاته جاءت حكيمة ومتينة، متوافقة مع الفطرة ومتوائمة مع العقل السليم... في طهارة وقداسة وسعة وشمول، كانت جامعة كاملة كافلة لإسعاد الحياة في النشأتين.
5 ـ وكانت براهينه ساطعة ودلائله ناصعة، واضحة ولائحة، قامت على صدق الدعوة وإثبات الرسالة... في بيان رصين ومنطق رزين وفصل خطاب.
6 ـ واشتماله على أنباء غيبية، إما سالفة كانت محرفة سقيمة، فجاءت محررة سليمة في القرآن الكريم، أو إخبار عما يأتي، تحقق صدقها بعد فترة قصيرة أو طويلة، كانت شاهدة صدق على صدق الرسالة.
7 ـ إلى جنب إشارات علمية، عابرة، إلى أسرار من هذا الكون الفسيح، والماعات خاطفة إلى حقائق من خفايا الوجود، مما لا تكاد تبلغه معرفة الإنسان العائش يومذاك.
8 ـ وأخيراً استقامته في البيان، وسلامته من أي تناقض أو اختلاف، في طول نزوله، وكثرة تكراره لسرد حوادث الماضين، كل مشتمل على مزية ذات حكمة لا توجد في أختها. وكذا خلوه عن الأباطيل وعما لا طائل تحتها.
تلك روائع آراء نتجتها أنظار الأدباء، وبدائع أسرار وصلت إليها أفكار العلماء، كانت من وجوه إعجاز القرآن ومزاياه الوسيمة، سوف نسرد عليك تفاصيلها في مجالها الآتي إن شاء الله.
9 ـ لكن هناك وجه آخر يجعل من الإعجاز أمراً خارجياً عن جوهر القرآن بعيداً عن ذاته، وإنما هو لعجز أحدثه الله في أنفس العرب والناس جميعاً، ومنعهم دون القيام بمعارضته قهراً عليهم. وهو القول بالصرفة، الذي عليه بعض المتكلمين الأوائل ومن لف لفهم من الكتاب الأدباء.

تعليقات

  • محمد محمدين

    إن تسمية خاتم الكتب السماوية بالقرآن تعد معجزة لأنها من القراءة ، وكل البشر على اختلاف دياناتهم يتفقون على أنه لا ولم ولن تعرف البشرية كتابا تتوالى قراءته مثل القرآن .

ارسال التعليق

Top