• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مفهوم التكامل الإقليمي الاقتصادي الهادف

د. طه عبدالعليم

مفهوم التكامل الإقليمي الاقتصادي الهادف

في زمن العولمة:
هل يملك العرب رؤية إستراتيجية؟
لا يخفى أنّ الموجه الأحدث للثورة العلمية التكنولوجية، وبالذات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات – وليس المؤامرة – هي ما يمثل أهم قوى الدفع للعولمة الاقتصادية، إذ باستخدام الكمبيوتر والشبكات الدولية للمعلومات والاتصالات تتقلص أبعاد الزمان والمكان، وتتضاعف "التجارة الإلكترونية" في السلع والخدمات والأوراق المالية والائتمان والعملات. ومع ثورة النقل والمواصلات تقل تكاليف تبادل المكونات في المصنع العالمي، المنتشرة أقسامه من الشرق الآسيوي حتى الغرب الأمريكي مروراً بالقارة الأوربية، وتتزايد فرص تعظيم مكاسب الأطراف التي تتخصص في إنتاج مكونات يتعاظم محتواها المعرفي وتتضاعف قيمتها المضافة!
بيد أنّ العولمة الاقتصادية ليست مجرد نتاج للثورة العلمية التكنولوجية، وإنما محصلة أيضاً لاستراتيجيات وسياسات وإجراءات اقتصادية، بعضها تحرّكه المصلحة وتسانده القدرة ويحفزه الكسب، وبعضها الآخر يبعثه الأمل ويميله الضعف ويقيده الخوف. وهكذا، على سبيل المثال، نرى عولمة النظم الاقتصادية الاجتماعية بإعادة تشكيلها على صورة اقتصاد السوق مع فشل اقتصاد الأوامر، ونقرأ عولمة السياسة الاقتصادية بإعادة صياغتها وفق اتفاقات منظمة التجارة العالمية مع إخفاق تجارب التنمية المستقلة، ونفهم عولمة الأولويات للتأقلم مع مقتضيات تعظيم التنافسية العالمية، ونستوعب عولمة المفاهيم كما تتجسد في تبدل مفهوم الأمن تحت تأثير التعليم من الهزيمة السوفيتية في الحرب الباردة... إلخ.
إننا نتحدث هنا عن عولمة أسواق السلع والخدمات والمال والنقد والتمويل والاستثمار، وندرك الحدود الأضيق لعولمة أسواق العمل والتكنولوجيا. ونتحدث عن تبادل لا يقتصر على تصدير فائض الإنتاج، وإنما من تبادل أضحى يمثل مكونا لا غنى عنه لاستمرار الإنتاج، سواء عند مستوياته القائمة أو من أجل تعظيمه كما وارتقائه نوعا. وإلى جانب عولمة ثقافة السوق، وخاصة مكونها الاستهلاكي، فإن تعاظم الاعتماد الاقتصادي الدولي المتبادل – سواء كان متكافئاً أو غير متكافئ – قد نقل العولمة إلى مجالات حاسمة التأثير على الاقتصادات والمجتمعات المندمجة. نقصد، مثلا، أن اندماج اقتصاد بلد ما في الاقتصاد العالمي يجعل حجم إنتاجه من السلع والخدمات متوقفاً على قدراته التنافسية ومزاياه النسبية وفرصة التصديرية ومهاراته التسويقية.
وإذا تأملنا العولمة بمعانيها وتجلياتها وأبعادها السابقة ندرك أن شتى بلدان العالم قطعت أشواطاً، وتتقدم نحو أشواط أخرى على طريق العولمة، أو تزيحها بعيداً آليات التهميش وما يمكن أن نسميه العولمة المضادة. والواقع أنّ التعلم من دروس تهميش اقتصادات الجنوب – بما في ذلك الاقتصادات النفطية والأزمة الاقتصادية الروسية ثمّ الأزمة المالية الآسيوية، يفرض البحث في إشكاليات، في مقدمتها: كيفية تقليص عواقب ضعف المناعة إزاء الانكشاف الخارجي في ظل العولمة، وكيفية الارتقاء بآليات التأقلم الإيجابي مع مخاطر العولمة، وكيفية الإسراع بخطى تعظيم القدرة التنافسية – على مستوى مشروعات الأعمال وعلى مستوى المجتمع! حتى تتضاعف مكاسب العولمة، وتحديد أي قدر من التنافسية يمكن وربّما ينبغي التضحية به لصالح غايات أخرى للتقدم الشامل في أمّة بعينها، مثل: تحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز الأمن القومي، وحماية الخصوصية الثقافية.
وقد نشير هنا إلى تقليص قيود ومخاطر وخسائر العولمة والتهميش قد أصبح رهناً إلى حد بعيد بقدرة الأُمم على زيادة حصتها من الثروة العالمية، أي بقدر ما يحققه البلد المعنى من قيمة مضافة عبر مشاركته في المصنع العالمي، ونوعية مساهمته في المحتوى المعرفي للمنتج العالمي، ومدى اعتماد الآخرين على هذه المساهمة. وتزيد مصاعب تعظيم فرص ومكاسب العولمة أمام البلدان النامية إذا لاحظنا أن تحرير الأسواق يتسارع، ولكن مع استمرار – بل وتزايد – القيود على انتقال قوة العمل ونقل التكنولوجيا الأحدث. أضف إلى هذا، تلك المصاعب المتصلة بتقلص دور الدولة ولمصلحة قوى العولمة في وضع السياسة الاقتصادية الوطنية، بما في ذلك تحديد معدلات الاستثمار والنمو الاقتصادي، ومستويات التشغيل أو البطالة، ومستويات الدخل أو الرفاهة الاجتماعية، وانتعاش أو ركود أسواق المال، وأسعار صرف العملات الوطنية... إلخ.
ورغم ما سبق، بل وعلى أساسه، نسلم بأنّ الاقتصادات العربية – شأن غيرها من الاقتصادات النامية وحتى الاقتصادات المتحولة – ليس بمقدورها أن تنأى عن تأثيرات العولمة إلا بالوقوع في براثن التهميش. ويتلخص فرضنا الرئيسي في أنّ العولمة وغيرها من الظواهر المجسّدة لجوهر الجديد في النظام العالمي تجعل من خطر التهميش المتعاظم – دون نفي عبء التبعية الموروثة – التهديد الرئيسي للاقتصاد والمجتمع في البلدان النامية. وانطلاقاً من هذه الفرضية نطرح استنتاجنا الرئيسي: على البلدان العربية أن تحسم – فكرياً وسياسياً – بين خيارين: إما التأقلم بشكل إيجابي مع عملية العولمة، أو التلقي السلبي لتهديدات العولمة. وبعبارة أخرى، فإنّه بغير تفاعل إيجابي مع واقع العولمة بما يقلص خسائرها ويعظم مكاسبها سوف تتعاظم الخسائر المترتبة على التداعيات السلبية للتهميش وتتقلص مكاسب الوصول إلى الامكانات الإيجابية للعولمة.
ولا تخفى الفائدة العملية والنظرية لإثبات صحة الفرضية والاستنتاج اللذين يستند إليهما هذا المقال، في ضوء ما يسود غالبية البلدان العربية، وغيرها من البلدان النامية من تردد صانعي القرار، وتشتت الرأي العام، وصراع التيارات الفكرية، بشان خيارات المستقبل، وتتحقق هذه الفائدة بقدر ما ننجح في تقديم رؤية موضوعية نقدية تتجنب الوقوع في نظرة أحادية وأفكار مسبقة، أي النظرة التي تدفع إما إلى التركيز على عرض فرص أو إلى التركيز على رصد قيود التحولات الجذرية، رؤية تجسد في تفاعلها المتبادل جوهر الجديد في النظام العالمي، بأبعاده الاقتصادية وغير الاقتصادية.
وقد نوجز هذا الجديد في خمس مجموعات من التحولات الاستراتيجية تشمل: هيكل الاقتصاد العالمي، والنظم الاقتصادية العالمية، والنظام الاقتصادي الدولي، والأولويات الاقتصادية العالمية، والفكر الاقتصادي العالمي.
لقد ترتبت التحوّلات في هيكل الاقتصاد العالمي على إنجازات الثورة العلمية التكنولوجية في موجتها الأحدث الثالثة والمتواصلة. ومن ذلك على سبيل المثال تلك القفزات التي شهدتها تكنولوجيا الكمبيوتر والمعلومات والاتصالات، وتكنولوجيا تخليق المواد الجديدة وإنتاج البدائل الاصطناعية للخامات الأولية، وتوفير استهلاك المواد الأولية بما فيها النفط.
وبين الانعكاسات الأهم لهذه التحوّلات على الاقتصادات العربية – من زاوية ما يهمنا في هذا المقال – نرصد غياب سياسات لتعبئة القدرات المتاحة قطريا وعربيا للحاق بالثورة العلمية التكنولوجية في موجتها الأحدث الثالثة والمتواصلة. وينعكس هذا في العجز عن مواجهة آليات تهميش الاقتصادات العربية المصدّرة للنفط والمواد الأولية في مواجهة عواقب تطور تكنولوجيا توفير استهلاك أهم الصادرات العربية، أي النفط وغيره من المواد الأولية، سواء بتخليق المواد الجديدة أو إنتاج البدائل الاصطناعية. ورغم تضخم وزن قطاع الخدمات في الاقتصادات العربية، فإنّه لا يعكس أسبقية تطوير إنتاج المعرفة أو ارتقاء لتنافسية فروع الخدمات الأخرى. وفضلا عن الضعف النسبي للصناعة التحويلية العربية، نلاحظ ضآلة وزن الفروع الصناعية راقية التكنولوجيا. وأما تمايز الاقتصادات العربية في الاقتصاد العالمي، فإنّه لا يعكس مشاركة متكافئة في المصنع العالمي والقرية العالمية. وفي المحصلة رغم ضخامة مواردها لا تجني البلدان العربية سوى تفاقم انكشافها الخارجي، وتزايد اعتمادها غير المتكافئ على البلدان الصناعية المتقدمة والجديدة، ويتعاظم خطر تهميشها بما يفوق عبء التبعية الاقتصادية الموروثة ويضاعفه.
وأمّا التحوّلات في النظم الاقتصادية العالمية فقد تجلت في سقوط اقتصادات الأوامر الاشتراكية من ناحية، ونزعات تجديد اقتصادات السوق المتقدمة، من ناحية ثانية، وانفتاح اقتصادات البلدان النامية، من ناحية ثالثة. ونرصد بين الانعكاسات الأهم لهذه التحولات ما شهده كثير من البلدان العربية، شأن غالبية البلدان النامية من تحولات اقتصادية واجتماعية ترتبت على تحولها المتزايد، إلى اقتصاد السوق المفتوح بهدف تجاوز مأزق اقتصاد الأوامر الحمائي.
لكن حصاد هذا التحول كثيراً ما جاء سلبياً اجتماعياً واقتصادياً بسبب ما فرض عليها من برامج قاسية للإصلاح الاقتصادي بأسلوب الصدمة في النصف الثاني في عقد السبعينيات، ونتيجة تفاقم أزمة مديونيتها الخارجية في عقد الثمانينيات.
وقد نشير إلى ما نشهده في أواخر عقد التسعينيات من نذر إعادة عصر النفط الرخيص بما يعنيه من خسائر فادحة للاقتصادات النفطية العربية، من جانب، ونزعات الحمائية الجديدة وقيود نقل التكنولوجيا من جانب الدول الصناعية بوجه الاقتصادات الصاعدة التي نفذت بنجاح برامج التحول لاقتصاد السوق المفتوح، من جانب ثانٍ، واستمرار تدهور شروط التبادل الدولي، وتعاظم نزعات تهميش الاقتصادات المصدرة للمواد الأولية الأقل نموا والأكثر فقرا، من جانب ثالث.
والأهم ما نلاحظه من قراءة خاطئة لتراجع أنشودة معجزة النمور الشرق آسيوية تحت ضربات الأزمة المالية الأخيرة للاقتصادات الصناعية الجديدة. أضف إلى هذا، قصور التعلم الإيجابي العربي من التحولات التي تشهدها اقتصادات البلدان الصناعية، نقصد صعوداً لدعوة اقتصاد السوق الاجتماعي، بهدف تعزيز دور الدولة في ضبط عمل السوق لدفع النمو وتعزيز التنافسية، من ناحية، وتوفير نظم للحماية الاجتماعية وعدالة التوزيع والاستثمار في البشر، من ناحية أخرى.
ونرصد في هذا الإطار سقوط الفرسان الثلاثة لليبرالية الاقتصادية المحافظة – أو ما أطلق عليه الرأسمالية المتوحشة – بسبب إخفاق سياساتها في تحقيق ما رفعته من شعارات الكفاءة والرفاهة، في مواجهة البرامج الاجتماعية والسياسات الاقتصادية لليبرالية الاجتماعية الجديدة.
وفي هذا السياق، نفهم أسباب انتخاب بيل كلينتون رئيساً لمدتين خلفاً لبوش وقبله ريجان في الولايات المتحدة، وانتخاب توني بلير خلفاً لميجور وقبله تاتشر في المملكة المتحدة، وأخيراً انتخاب جيرهارد شرودر خلفاً لكول في ألمانيا الموحدة.
وقد تحددت التحولات في النظام الاقتصادي الدولي – أو قواعد ومؤسسات وآليات إدارة النظام الاقتصادي العالمي – بعلاقات القوى الاقتصادية والشاملة على الخريطة العالمية. وعكست مراتبية مؤسسات إدارة العالم نزعات العولمة، من جانب، ونزعات التكتل الإقليمي.
من جانب آخر، ونرصد بوجه خاص سيادة قواعد ومؤسسات وآليات النظام الرأسمالي العالمي وانفرادها بقيادة الاقتصاد العالمي بعد سقوط النظام الاشتراكي العالمي واختفاء القوة العظمى السوفييتية وانفتاح بقية الاقتصادات الاشتراكية – بما في ذلك الصين التي ترفع شعارات اقتصاد السوق الاشتراكي – باستثناء جزر معزولة مثل كوبا، فضلا عن تعاظم انفتاح اقتصادات البلدان النامية.
وهكذا، رغم اكتمال تشكّل مؤسسات إدارة النظام الاقتصادي العالمي – فيما يسمى بفترة السيولة أو فترة التحول الراهنة – نرصد أن مجموعة الدول الصناعية السبعG7، بقمتها ومؤسساتها، تأتي على رأس منظومة إدارة الاقتصاد العالمي استناداً إلى حصتها الأعظم في توزيع القدرات الاقتصادية العالمية، بدور قيادي للولايات المتحدة بفضل تفوق قدراتها الشاملة، ومشاركة سياسية للاتحاد الروسي بقدرته النووية الجبّارة، ونلاحظ أن دور صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي قد أضحى شاملاً للعالم بأسره، بينما تعاظم دور منظمة التجارة العالمية على أساس الاتفاقات الأخيرة للجات في جولة أوروجواي، بعد أن اكتمل من حيث الأساس تطبيق برامج الاستقرار الاقتصادي والتصحيح الهيكلي للصندوق والبنك. أضف إلى هذه استمرار دور الشركات والبنوك متعددة الجنسية وعابرة القومية بل وتعاظمه بحيث أضحت مسيطرة على القسم الأهم من التفاعلات والتدفقات الاقتصادية العالمية.
وفيما نراه تأقلماً إيجابياً مع تعاظم التنافسية في ظل عولمة الاقتصاد من جانب الدول الصناعية المتقدمة نلاحظ أن دور التكتلات الإقليمية – التجارية والاقتصادية – يتعاظم مع تسارع خطى بنائها، وهو ما ننراه في حال الاتحاد الأوربي EU على سبيل المثال. وفي ذات الاتجاه نفهم تزايد نزعة الدول الصناعية المتقدمة – ومعها الدول الصناعية الجديدة – إلى تشكيل تجمعات ومنتديات تجارية واقتصادية غير إقليمية مثل الآبك APEC.
أما في الاتجاه المضاد فإننا نلاحظ قصور القوى التي من شأنها تعزيز قدرة الاقتصادات العربية وغيرها من اقتصادات الجنوب دون استثناء كبير للاقتصادات الصناعية والاقتصادات الصاعدة – على التأقلم الإيجابي مع تعاظم التنافسية في ظل عولمة الاقتصاد. ونشير بالذات إلى ضعف التوجه العملي والمتسارع إلى إقامة التكتلات الاقتصادية الإقليمية الضرورية للتأثير الفاعل والإيجابي على التطورات الاقتصادية السلبية على الخريطة الاقتصادية العالمية. أضف إلى هذا، تراجع دور الأُمم المتحدة ومنظماتها ومنابرها مثل اليونكتاد، وتدهور أدوار التجمعات العالمية للبلدان النامية مثل الأوبيك ومجموعة الـ15.
وقد ارتبط بالتحولات السابقة بروز أولويات اقتصادية عالمية جديدة تستجيب للتحديات المترتبة على التحولات التي أوجزناها، وفي مقدمتها تحدي التقدم العلمي التكنولوجي، وتغيير الدور الاقتصادي للدولة، واحتدام المنافسة الاقتصادية العالمية. وقد نشير في هذا الصدد إلى تضاعف الاهتمام برفع مستوى الإنتاجية، وتعاظم أهمية الارتقاء بالقدرة التنافسية، وذلك بوجه تحديات المنافسة في ظروف تحرير التجارة الدولية. وفق هذا أضحى مؤكداً أن مضاعفة النمو والدخل – عبر التقدم الصناعي التكنولوجي بالذات – تمثل الشرط الرئيسي لتحقيق الرفاهية الاجتماعية، كما نرصد أيضاً بروز أهمية تسوية التناقضات المترتبة على النزعات المتعارضة في الاقتصاد العالمي، مثل الحمائية والتحرير، العولمة والتهميش، التكتلية والقومية.. إلخ.
وفي هذا السياق، نرى غياباً لبرامج عربية قطرية أو عبر قطرية للإرتقاء بإنتاجية عوامل الإنتاج خاصة العمل وتعظيم الاستفادة من القدرات التنافسية خاصة السوق وتسريع التقدم الصناعي التكنولوجي عبر التخصص، فضلاً عن قصور – وحتى غياب – التنسيق والتعاون بوجه نزعات الحمائية والتهميش والتكتلية.
أضف إلى هذا، أنّ جميع التحوّلات السابقة قد انعكست في إعادة صياغة الفكر الاقتصادي العالمي بنظرياته ومفاهيمه، سواء بدافع مواجهة التحديات الجديدة، أو نتيجة لسقوط الوصفات الأيديولوجية الجاهزة لتحقيق غايات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ونلاحظ في هذا السياق إغناء نظريات التنمية بمفهوم التنمية المتواصلة حماية للبيئة الطبيعية، وكبحا للتلوث البيئي، ومفهوم التنمية البشرية تحقيقا لتكافؤ الفرص ودرءا لخطر الفقر ومضاعفة للقدرة الإنتاجية. كما نشير إلى التسليم بأولوية المكون الاقتصادي التكنولوجي للأمن القومي بمستوياته المحلية والإقليمية والعالمية، وبشتى أبعاده بما في ذلك وباعتباره أساساً للقدرة العسكرية ذاتها. أضف إلى هذا، انتهاء مفهوم التكامل الاقتصادي الإقليمي الهادف إلى الاستقلال عن النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي. والأهم في تقديرنا هو الاتجاه الصاعد الذي يعيد النظر في مفهوم التقدم وآليات تحقيقه.
ونكتفي هنا بالإشارة إلى أن غالبية البلدان العربية لا تضع بعد قضايا التنمية البشرية والتنمية المتواصلة في الموقع الذي تستحقه في مقدمة أولويات مفاهيم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، سواء لقصور الوعي بأهمية هذه المفاهيم التكامل الاقتصادي العربي لا يعامل بالجدية الواجبة بدافع نزعات الانكفاء القطري على الذات وتحت ضغط جماعات المصالح، أو لا يطرح من منظور ضرورته للاندماج المتكافئ في الاقتصاد العالمي، وإنما باعتباره آلية لتحقيق تنمية مستقلة عربية. والأهم، أنّه لايزال غائباً بالنسبة لغالبية البلدان العربية إدراك أن تعظيم القدرة الاقتصادية التكنولوجية في ركيزة الأمن القومي ومراعاة المصالح في البيئة العالمية الجديدة.

المصدر: كتاب الإسلام والغرب

ارسال التعليق

Top