• ١ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٢ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإعلام بين الديمقراطية والعولمة

د. محمّد الحفناوي

الإعلام بين الديمقراطية والعولمة
   قدم عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو في 11 أكتوبر 1999م مداخل أمام المجلس العالمي لمتحف التليفزيون والراديو أثارت نقاشاً حقيقياً وعميقاً يخص علاقة المال بالإعلام حيث عرض عناصر المنطق الجوهري للصناعة الثقافية الجديدة التي تعتمد على الربح السريع في مجال الإعلام والمعلوماتية المتسم بتصنيع المنتج الثقافي في حقول الاتصال كالراديو والتليفزيون والسينما.

فقد أصبح عالم الإعلام والثقافة معرضاً لخطر حقيقي يتجلى في ضرورة تحصيل الربح الأقصى والفوري، انسجاماً مع معايير العولمة التي ليست عولمة لثقافة كونية كما تحقق في فترات تاريخية سابقة بل هي عولمة تجارية تستهدف أوسع الجمهور ممكن لاستهلاك منتجاتها مثل الكاتشب والجينز والكاكولا.

فكانت دعوة بورديو الموجهة لهم واضحة وهي ضرورة إحياء عولمة ثقافية مقاومة للعولمة التجارية الراهنة[1].

فالإعلام سليل الديمقراطية لأنّ انتشار الصحافة وبعدها الإذاعة والتليفزيون هو انتشار بمعنى جوهرياً مع تعميم الديمقراطية في أوروبا وأمريكا الشمالية تعميماً وانتشاراً تجلياً في مفاصل السياسة حرية القول والتعبير والانتماء والاقتصاد حرية الاستثمار وتحويل البضائع ورؤوس الأموال والثقافة حريات التفكير والإبداع والتعبير عن الهويات المختلفة وهكذا يكون الإعلام حلقة واحدة من حلقات تطور وانتشار الديمقراطية خاصة في الغرب كموطن جذري لنشأتها.

فقضية مستقبل الديمقراطية في الغرب هي القضية المحورية التي تشغل بال النخبة السياسية والفكرية[2].

إنّ قوة الإعلام من قوة الديمقراطية وضعفه من ضعفها، بل ثمة آراء وأطروحات تجتهد في إثبات أنّ الإعلام هو المدخل الحقيقي لتطوير العمل الديمقراطي، فلم تعد تكنولوجيا الاتصال تشغل موقعاً مركزياً فحسب في شبكة الإنتاج الصناعي بل بدأت تشغل موقع القلب في استراتيجية إعادة تنظيم العلاقة بين الدولة والمواطنين وبين القوى المحلية والعالمية وبين المنتجين والمستهلكين وبين العمال والمديرين وبين الخبراء والمنفذين[3].

فالإعلام فضل كبير يتجلى في قدرته على تحقيق التواصل بشكل فعّال وتحويل العالم إلى قرية صغيرة كما يشير بذلك ماكلوهان، فما يغني هذه النزعة التبشيرية المتفائلة بقدرة الإعلام على تحقيق فاعلية كبرى في التواصل هو تلاحق سرعة ابتكار كائنات اتصالية جديدة من الصحيفة إلى الإذاعة فالتليفزيون مروراً بالفاكس وصولاً إلى الإنترنت، ويطرح البعض سؤالاً هل التفاعل الاتصالي يؤدي إلى الديمقراطية؟ فكانت الإجابة أنّ لفظة التفاعل تحضر بتضخم في خطاب رجال الأعمال والسياسيين كلما تعلق الأمر بالطرق الإلكترونية السيارة للإعلام والهدف هو الترويج لمشاريع تجارية أخرى وسياسية تختفي وراء التقدم الإعلامي والاتصالي كأسطورة تقنية ثقافية جديدة.

فتطوير وسائل الاتصال والإعلام لا يطور بالضرورة صيرورة الفعل الديمقراطي ولإثبات ذلك فهناك العديد من القنوات الإذاعية والتليفزيونية مملوكة لرجال أعمال أو مملوكة لأنظمة سياسية مستبدة في دول العالم الثالث. وبذلك فإنّ تطور الإعلام لا يحمل في طياته تطويراً للديمقراطية بل تقدماً تقنياً في وسائل الاتصال وأساليب التفاعل بالصوت "الإنترنت على سبيل المثال" من دون إخصاب لديمقراطية سياسية وثقافية.

وإنّ تعميم فكرة وسائل الاتصال وتشديد القول على علاقتها بالديمقراطية هما من إنتاج رجال المال الذين صاغوا استراتيجية "حرية التعبير التجاري" باعتبارها حقاً جديداً من حقوق الإنسان، من هنا تكون دعوى التفاؤل بقيام علاقة ضرورية بين الإعلام ووجود الديمقراطية دعوة مغرضة تؤكد المظهر الإيجابي وتغفل الأعماق السلبية التي تجعل صناعة الإعلام صياغة تجارة وفعل وسياسة[4].

وهناك من يرى أنّ هناك أثر إيجابي لتطوير تكنولوجيا الاتصال على الديمقراطية حيث سيؤدي هذا التطور إلى اتساع دائرة الديمقراطية في العقود القليلة القادمة سيمارسها الناس على اختلافهم وهناك من يرى أنّ تكنولوجيا الاتصال الحديثة ستزيد من تركيز السلطة سواء على النطاق الوطني أو الدولي ففي داخل كلّ بلد وخاصة الدول النامية نجد أنّ السلطة تزداد تركيزاً في أيدي الحكومات أو أوساط الأعمال التي تحكم قبضتها على وسائل الاتصال وما يمر بها من معلومات ومن مواد إعلامية[5].

فالإعلام يستطيع أن يعمل لصالح الديمقراطية ويمكن استخدامه لمحاربة الديمقراطية فالأمر يتوقف على من يسيطر ومن يتحكم في وسائل الإعلام ومن الذي يستفيد فعلياً من هذه الوسائل وفي أي ظروف تعمل.

وفي هذا الصدد أوجزت عواطف عبدالرحمن مجموعة هامة من الحقائق نوجزها على النحو التالي:

1-  أهمية الإعلام على المستوى الكوني في إطار علاقة الشمال بالجنوب خصوصاً في ظل التحولات السياسية والاقتصادية والعالمية الراهنة "العولمة".

2-  ثراء التجارب والخبرات الاجتماعية المرتبطة بإعمار بالممارسات الإعلامية على المستوى الوطني والمحلي في مختلف أنحاء العالم العربي وفي مصر على وجه التحديد.

3-  صدور الأدوار التي يلعبها الاتصال في تيسير وتعميق الممارسة الديمقراطية وإمكانية تجاوز هذه الحدود بتطوير وتوسيع أطر الممارسات الإعلامية ومسؤوليات الإعلاميين.

4-  إبراز الدور التاريخي المهني الذي يقوم به كلّ من الإعلاميين والسياسيين من أجل تحقيق الهدف الحقيقي للاتصال من خلال مواجهة التحديات والعقبات التي تحول دون ممارسة ديمقراطية الاتصال بمعناها الشامل.

5-  كيفية استخدام وسائل الإعلام في إعادة توزيع مراكز القوى الاجتماعية وتعزيز السلطة الشعبية من خلال دراسة السياسة الاتصالية وأهمية إشراك الجمهور في صنعتها وبلورتها.

6-  إبراز الدور الإيجابي للجمهور من خلال رصد وتحليل الحقوق الاتصالية لكلِّ من القائمين بالاتصال والجمهور كعنصر فعّال في العملية الاتصالية.

7-  تأثير السياسات الإعلامية على صنع القرارات الإعلامية من خلال رصد وتحليل صراع الأدوار بين المعلنين والقائمين على السياسات التحريرية في الصحافة والإعلام[6].

 

الهوامش:


[1]- محمد شكري سلام: ثورة الاتصال والإعلام، ص105.

[2]- سعيد نجيدة: العولمة وحرية الإعلام، ص49.

[3]- عواطف عبدالرحمن: الإعلام وتحديات العصر، عالم الفكر، المجلد 23 العددان 1، 2، يوليو، سبتمبر، اكتوبر، ديسمبر، 1994م، ص7-8.

[4]- هربرت أ. شيلر: المتلاعبون بالعقول، ترجمة عبدالسلام رضوان، عالم المعرفة، الكويت، العدد 143، 1999م، ص17-19.

[5]- سعيد نجيدة: العولمة وحرية الإعلام، ص54.

[6]- عواطف عبدالرحمن: الإعلام وتحديات العصر، ص16-17.

 

المصدر: كتاب دور الصحف في التثقيف بقضية العولمة

ارسال التعليق

Top