• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصوم.. عبادة روحية للسيطرة على جميع الشهوات

د. عبلة الكحلاوي*

الصوم.. عبادة روحية للسيطرة على جميع الشهوات
◄تتزاحم أمام أعيننا مجموعة صور تصف لنا أحوال النساء في شهر رمضان لتعلن عن تفريط 2 فـكثيرات منهنّ في التكاليف الشرعية المرتبطة بهذا الشهر الكريم، وبالتالي لا يراعين أداء هذه الفريضة على الوجه الأكمل، وهذه الحالات السلبية تعلق عليها د. عبلة الكحلاوي أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر.. وتخرج من هذه التعليقات بالعديد من الصور ولعلنا بهذا اللقاء نرسم منها صورة مثالية لصيام النساء. الصورة الأولى: تطالعنا صورة لامرأة (تعتكف) داخل مطبخها لإعداد مائدة الصيام بها كل ما لذّ وطاب، ولا تكاد تفرغ من شيء حتى يتوافد عليها الجديد من الأعباء والمتطلبات، لكي تتم "طقوس" هذا الشهر الكريم، فيما عرف عند المسلمين من عادات دخيلة على الصيام، فيا ترى هل إنتقل مكان الإعتكاف في هذا الشهر من المسجد إلى المطبخ، أو تناست المرأة واجبها الديني في هذا الشهر في خضم هذه المهام؟ فما هي حقيقة صيام النساء هو هو إمتناع عن الطعام والشراب فقط؟ تعلق لنا د. عبلة الكحلاوي فتقول: ينبغي أن تعلم المرأة أن دورها في خدمة أبنائها نوع من العبادة أيضاً، زد على هذا الأمر التكليف بصوم شهر رمضان، فلابدّ أن تدرك حقيقة صوم هذا الشهر، فليس المقصود بالصوم هو إعداد كم كبير من الأطعمة والوجبات الشهية، فحقيقة الصوم أنّه عبادة روحية تجعل الإنسان يسيطر على جميع شهواته، ويصبح ضمن من قال الله تعالى عنهم: "لا يعصون الله ما أمرهم"، والمرأة في شهر رمضان تخرج عن إلف العادة لتكثف جهدها في أداء العبادات والطاعات مثل الرجس سواء بسواء. الصورة الثانية: جلست مجموعة من النساء يتسامون وينسجن ألوانا شتى من خيوط أحاديث الغيبة والنميمة وحينما يسأمن من هذا اللون من ألوان تسلية الصيام – كما يطلقن عليها – تأخذ كل منهن مكاناً مناسباً لها أمام التلفاز لتشاهد فيه ما يسري عنها ويسلي صيامها. وتتعجب د. عبلة وتشير إلى الحديث الشريف: "كم من صائم حظه من صيامه الجوع والعطش"، قيل: هو الذي يجوع بالنهار ويفطر على حرام، والذي يصوم عن الحلال في رمضان ويفطر بالغيبة من لحوم الناس، والذي لا يغض بصره ولا يحفظ لسانه عن الآثام ويقال: إنّ العبد إذا كذب أو إغتاب أو سعى في معصية في ساعة من صومه أضاع صومه، وفي الحديث الشريف: "الصوم جُنة" ما لم يخترقها المسلم بكذب أو غيبة، وقيل الغيبة تفطر الصائم، وروي عن بشر بن الحارث عن سفيان: "من إغتاب فسد صومه"، "خصلتان تفسدان الصوم الغيبة والكذب" وفي حديث آخر "خمس يفطرن الصائم: الكذب، والغيبة، والنميمة، واليمين الكاذب، والنظرة بشهوة"، ويقال إن من الناس من يكمل له شهر رمضان واحد في عشر رمضانيات أو في عشرين مثل سائر الأعمال من الصلاة والزكاة، وإن وجدت كاملة وإلا تمت من سائر تطوعه. الصورة الثالثة: إنطلق مدفع الإفطار وأذن المؤذن فقد حان وقت صلاة المغرب يسرع كل فرد في الأسرة ليأخذ حظه من ألوان الطعام الكثيرة بإسراف ولا يستطيع واحد منهم أن يتحرك من مكانه من ثقل الطعام الذي في جوفه، ويؤدون الصلاة بتكاسل وجهد شديدين، فهل بذلك تصح أجسامهم وتقوى على أداء ما فرض عليها من عبادات؟ تؤكد د. عبلة الكحلاوي أن أحد مقاصد شهر رمضان هو أن يصبح المسلم سليم الجسم من خلال ترك الطعام والشراب حتى تستريح معدته، فالمعدة بيت الداء، وعلاج هذا الداء هو الصوم ولذلك لابدّ من عدم الإسراف في الطعام في شهر رمضان حتى تتحقق مقاصده. الصورة الرابعة: امتلأت المساجد بصفوف المصليات اللاتي حضرن لأداء صلاة التراويح في بداية الشهر الكريم، ثمّ سرعان ما تناقصت أعدادهنّ وهذه ظاهرة ملفته للإنتباه تحتاج إلى تعليق! وفي هذا الإطار ترى د. عبلة أن خروج المسلمات إلى المساجد شيء جميل، لأن في ذلك تكليفا بالتعبد وهنا يجب أن نفرق بين صوم العامة وصوم الخاصة وصوم خصوص الخصوص، فالصيام صولة للروح على الجوارح يمتزجان ويتجانسان، ومن هنا يصير المسلم أقرب ما يكون إلى الملائكة. لذا يجب على النساء أن يستثمرون هذا الشهر صياماً وقياما وأداء للفرائض حتى لا تفوتهنّ فضائل هذا الشهر المبارك. الصورة الخامسة: حينما تجلس في بيتك في نهار رمضان تصطدم أذنك بصراخ الأُمّهات وهن يخاطبن أبناءهن بألفاظ يندى لها الجبين، ويصل إلى مسامعك عبارات توحى بضيق الخلق والتضرر من الصيام. وتسلط د. عبلة الضوء على هذه الصورة فتقول: إن طب القلوب مرتبط ارتباطاً وثيقاً بطب الأبدان، فالأُم يجب أن تكون قدوة عملية لأبنائها لا تسبهم ولا تضربهم ولا تعرب عن ضيقها بصورة خاطئة، لأن ذلك لا يتناسب وآداب هذا الشهر، فمن أهم المؤثرات على الخريطة الإدراكية بالنسبة للطفل ما يراه من سلوكيات الأب والأُم، ونظرا لكون الأُم لصيقة بصغارها فدورها في هذه الحالة يقتضي أكثر أن تتعامل معهم وفق منهج سليم، حتى تعدهم إعداداً لائقاً من خلال تعويدهم على الصلاة منذ الصغر وعلى الصيام تدريجيا، وإقناعهم بضرورة عدم الخوض فيما لا ينفع، يضاف إلى ذلك أنّه يجب عليها اصطحاب بناتها إلى المسجد وكل هذه التكاليف يجب أن تتم بنوع من الرؤية والأناة والحب والإقناع والتفاهم، وليس بالقهر أو الضغط حتى لا ينفر الأولاد من نصائح أو أوامر الأُم. الصورة السادسة: تستيقظ سيدة من النوم مبكراً فيتوافد إلى ذهنها ما لديها من أعباء منزلية وواجبات تعبدية فتتساءل: كيف أوزان بينهما؟ وتخبر د. عبلة هذه السيدة مؤكدة فضائل هذا الشهر الكريم، وضرورة مخالفة العادة حتى يقترب المسلم من مصاف الملائكة، فالواجب عليها أن تتبع هذه الروشتة، بأن تبدأ يومها بأذكار الصباح وتصلي جميع الفروض في أوقاتها وتعد طعاماً خفيفاً للإفطار لا يمنع الأسرة من صلاة العشاء والتراويح، دون تعب أو نصب ويجب الحرص على صلاتي التهجد والفجر واغتنام فرصة ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر باعتكافها من منزلها أسوة بمن يعتكفون من الرجال في المساجد وتتم هذا الشهر بإخراج زكاة الفطر.► * أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر

ارسال التعليق

Top