• ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

القصص الإسلامي وأثره التربوي

عبدالقادر محمد عبدالقادر

القصص الإسلامي وأثره التربوي
ليس هناك من لم يسمع القصة صغيراً، أو يحكها كبيراً أو لم يستق فكرة من قصة سمعها طفلاً، أو قرأها كهلاً، فياله من شأن للقصة خطير، وتأثير منقطع النظير، لذلك فلا غرابة في أن تحتل القصة مساحة واسعة في القرآن والسنة، وأن تكون أسلوباً للتبليغ والتربية. ولما أصيبت أمتنا في كيانها، كان مما أصابها إهمال أو نسيان دور القصة في التعليم وفي التربية، وحتى في مجال التسلية، فلا يكاد المتسامرون يرددون روائع القصص المأثور، فضاع أكثر الأوقات هباءً منثوراً، ضاع وقت الطفل الصغير، ومن السآمة عانى الشيخ الكبير. إنّ المعلمين والدعاة يضيعون جهداً، ووقتاً إذا لم يأخذوا بأسلوب القصة في التعليم والدعوة، وليرجع القارئ إلى نفسه حين يكون أمام المعلم، أو خطيب المسجد، وليقارن بين درس أو خطبة استمع فيهما إلى قصة، ودرس وخطبة مجردين منها، من هنا يمكنني القول إني أقدم هذه الدراسة – بشكل خاص – للمعلمين والمعلمات والدعاة وارثي تراث النبوة. وفي هذا الموضوع يمكن التعرض للعناصر التالية: 1-    القصة القرآنية وأهدافها. 2-    القصة النبوية وأهدافها. 3-    القصة التاريخية. 4-    القصة الرمزية "التمثيلية". 5-    القصة الحديثة "الأدبية". 6-    توظيف القصة لتحقيق الأهداف التربوية. 7-    الدروس المستفادة من القصة. وسنتاول هنا القصتين القرآنية والنبوية.   أوّلاً: القصة القرآنية وأهدافها: شغل القصص القرآني مساحة واسعة من كتاب الله – جلّ وعلا – وما يظن أنّ موضوعاً آخر كان له ما للقصة من نصيب، حيث يبلغ قرابة الثمانية أجزاء[1]، ولا تعجب من ذلك، لأنّ القصة القرآنية لم تأت لتقرر هدفاً واحداً، بل إنّ القصص كانت له أهدافه الكثيرة، وغاياته المتعددة، فعلى سبيل الإجمال: "يهدف القصص القرآني إلى تربية نوع الإنسان تربية تضمن له خير المسالك.. وتحول بينه وبين المنزلقات والمهالك"[2]. من هذا البيان الموجز لهدف القصة القرآنية نجد أنّ القصص القرآني جاء لتربية جوانب محددة ومتنوعة في نفس المسلم[3]: 1-    ليعمق العقيدة في النفوس، ويبصر بها العقول، ويحيي بها القلوب، ويسلك لتلك القضية المهمة الخطيرة أحسن الطرق، إمتاعاً للعاطفة، وإقناعاً للعقل، هذه العقيدة بأسسها الكبرى: الألوهية والرسالة واليوم الآخر، فلقد ركزت القصة القرآنية في مقام الألوهية على وحدانية الله وعدله وقدرته وحكمته وحبه وودادته لعباده، وفي مجال الرسالة ركزت القصة القرآنية على الصفات الخيرة للأنبياء، ليكون للناس فيهم أسوة، وكذلك عن اليوم الآخر، وما يكون فيه من أحداث: (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) (طه/ 15). 2-    السمو بهذا الإنسان، حتى يتميز عن الحيوان، الذي يشترك معه في بعض الصفات، هذا السمو الذي لا يركز على جانب واحد في هذا الإنسان، فهو سمو روحي وخلقي ونفسي، يشعر به الفرد، ويجد حلاوته ولذاته، وهو بعد ذلك سمو اجتماعي، تجد الجماعة فيه بغيتها وأمنها وضالتها وفضيلتها، والقصص القرآني يسلك أكثر من أسلوب للوصول بالإنسان إلى هذه النتيجة الطيبة. 3-    التركيز على الرقي المادي، وأسباب القوة، لأنّ المادة عنصر أساسي رئيس في مقومات الإنسان. 4-    اعتنى القصص القرآني عناية خاصة ببيان أسباب الهلاك، التي يمكن أن تصيب الأمم والجماعات والأفراد، وهو يتحدث عن الترف والطغيان والبطر والظلم والاستعباد الفكري، والإرهاب، والسخرية، والرضا بالذل، إلى غير ذلك من الأسباب الكثيرة. 5-    التركيز على أنّ التدين الحقّ لا ينفصل عن الحياة العملية، ولا ينفصم عن واقع هذا الإنسان. 6-    فصّل في أسباب السعادة الروحية، وأسباب الرقي المادي، حتى تتم السعادة للمؤمنين. 7-    في القصص القرآني كثير من الحقائق العلمية المتعلقة بالكون وبالإنسان والحياة والأحياء في السماوات والأرض، والتي تزيدها الأيام وضوحاً وظهوراً. 8-    في القصة القرآنية رونق الأسلوب، وبديع النظم، وجمال الصورة، والمواقف، والتحاليل النفسية، والاستنتاجات الكامنة وراء الأحداث، التي يجد فيها علماء النفس بغيتهم. 9-    التسلية والمواساة والمؤازرة، فعلى سبيل المثال: أنزل الله قصة يوسف (ع) في المدة المحصورة بين وفاة السيدة خديجة – رضي الله عنها – بين بيعة العقبة الأولى، فكانت مواساة وتسلية ومؤازرة لنفس النبي (ص)، حيث كان يعاني من الوحشة والغربة والانقطاع في جاهلية قريش، وتعاني معه الجماعة المسلمة تلك الشدة[4].   ثانياً: القصص النبوي: وما يُقال عن القصص القرآني يُقال عن القصص النبوي، وهو وحي كالقرآن الكريم، ولكن بلفظ النبيّ (ص). لقد ورد القصص النبوي عن أحداث الماضي، وأمم السابقين، رواه بلسانه الصادق الأمين، وسمعه منه أصحابه وبعض زوجاته، فصار جانباً عظيماً من سنته.   أغراض القصة النبوية: 1-    الغرض الأسمى هو الدعوة الإسلامية. 2-    أغراض أساسية أخرى لخدمة ذلك الغرض الأسمى وتبدو فيه: أ‌-      التربية: وقد كان جانباً بارزاً في القصة النبوية، ومن الواضح أنّ الرسول (ص) كان يستخدم القصة في سبيل صياغة الرعيل الأول من الصحابة، وتكوينهم تكويناً إسلامياً مكيناً، يؤهلهم لحمل رسالة الإسلام، والرسول (ص) وهو يوظف القصة من أجل التربية كان متأثراً في ذلك بمنهج القرآن الكريم، الذي استخدم القصة لجميع أنواع التربية، وهذا دليل على إدراك الإسلام للميل الفطري لدى الإنسان نحو القصة، وتقديره له، ذلك أنّ في القصة سحراً عجيباً للنفس، وتأثيراً شديداً عليها[5]. وسوف أعرض طرق القصة النبوية، ووسائلها في أربعة جوانب كبرى، أوجزها مما كتبه الدكتور محمد حسن الزير في كتابه "القصص في الحديث النبوي". 1-    عن طريق التعليم: هذه القصص التي يسردها النبيّ (ص) على صحابته الكرام ليست إلا حلقات من دروس النبوة التعليمية، التي كان يتعهد بها النبيّ (ص) صحابته تثقيفاً، وتعليماً، وتوجيهاً لهم. ومن الأسباب التي جعلت الرسول (ص) يستخدم القصة من ضمن وسائله في التعليم، ما تحققه القصة من فرص أوسع، إذ تمكنه من بسط الكلام عما يهدف إليه من حديثه في ناحية، كما أنّها تتيح له تجسيد القضايا والمفاهيم التجريدية الذهنية التي يطرحها على سامعيه في صورة حسية من خلال التصوير القصصي للحدث، وهذا يؤدي وظيفة مهمة إذ يعمق تلك المفاهيم ويؤكدها في نفوس السامعين، كما يجعل السامعين أكثر إقبالاً على الدرس وتطلعاً إليه، مما يمكنهم من الاستيعاب الجيِّد والفهم المركز. ونتبين الكيفية التي تتم عن طريقها العملية التعليمية في القصة من خلال الأمور الآتية: أ‌-      أن يكون التعليم من خلال المقدمات التمهيدية، حيث تأتي تلك المقدمات مثيرة لسؤال خاص يصاحبه تقرير لمعلومة، أو مثيرة لقضية، أو عارضة لتوجيه وتقرير. كما في قصة الثلاثة المبتلين: "إنّ ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم"[6]. وكما في قصة: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة..."[7]. ب‌- أن يكون التعليم عن طريق النموذج والقدوة، كما فعل الرجلان في قصة "جرة الذهب" حين حاول كل منهما أن يتبرأ من الجرة"[8]. ت‌- أو يكون التعليم بالتوجيه التقريري على لسان شخصية من شخصيات القصة، مثلما جمع يحيى (ع) بني إسرائيل في بيت المقدس، ثم جعل يقول لهم: "إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وأمركم أن تعملوا بهن" ثمّ أخذ يعددها[9]. ث‌- من خلال الحوار الدائر، كما في قصة الحوار الدائر بين الله – تبارك وتعالى – والملائكة الطوافين[10] في فضل الذاكرين (حلقات الذكر). ج‌-   ما تزودنا به القصة من معارف تاريخية، كما في قصص الماضين من أنبياء ورسل، ومن الأُمم والأفراد السالفين، أو أحداث تحصل في مستقبل الحياة الدنيا، والبعث والنشور. 2-    التربية بالترهيب والترغيب: وهي نابعة أساساً مما ركب في النفس الإنسانية من طبيعتين: الخوف والرجاء المتقابلتين والمتجاورتين: وفي القصة النبوية كانت التربية بالترهيب قائمة على أساس التخويف من الله – تبارك وتعالى – ومن غضبه وسخطه، ومن عذابه ونقمته.. وأما التربية بالترغيب فكانت قائمة على أساس استغلال قوة الرجاء في الإنسان وإلى ما أعده الله للمؤمنين من صور النعيم المقيم في الجنة. 3-    التربية بالعبرة المستقاة من قصص الماضين. ب‌- التسرية عن المؤمنين: لتخفيف ما يعانونه من ضغط عاطفي، ينشأ من مواجهتهم للمجتمع الجاهلي المتسلط، وقد كان الرسول (ص) في استخدامه للقصة من أجل هذا الغرض مقتفياً أثر القرآن الكريم، وقد أشار إلى ذلك صراحة بقوله: (وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود/ 120).   إشارات ونماذج: لعله من المفيد هنا أن أشير إلى نماذج من القصص النبوي للتذكير، وليرجع من شاء إلى كتب السنة. -        قصة الثلاثة في الغار، رواها البخاري، ومسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما –. -        قصة الرجل الذي طلب أن يحرق، رواه البخاري ومسلم وغيرهما. -        قصة المتكلمين في المهد، رواه البخاري ومسلم. -        قصة الدجال والمسيح، رواها أحمد في المسند. -        قصة الدائن والمدين من بني إسرائيل، رواها البخاري وغير ذلك من عشرات القصص في السنة "أربع وأربعون قصة، حسب قول الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله –".

   الهوامش:


[1]- في سورة (الكهف) مثلاً 71 آية قصص من مجموع الآيات 110 آيات، يعني 64,5% قصص، وبقية السورة تعقيبات على القصص. [2]- القصص القرآني، للدكتور فضل حسن عباس. [3]- القصص القرآني، مرجع سابق. [4]- في ظلال القرآن لسيد قطب، مقدمة سورة يوسف. [5]- القصص في الحديث النبوي، للدكتور محمد حسن الزير. [6]- رواه البخاري ومسلم. [7]- رواه البخاري ومسلم وأحمد. [8]- رواها البخاري. [9]- رواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم.

[10]- رواها البخاري.

      المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1370 لسنة 1999م

ارسال التعليق

Top