• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإسلام.. عقيدة وشريعة

السيد أحمد زكي تفّاحة

الإسلام.. عقيدة وشريعة
◄قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 21-22).

ترتكز الأديان السماوية كلّها على أصول ثلاثة: التوحيد، والنبوة، والبعث، وما من نبي من آدم إلى محمد (ص) إلا وتقوم دعوته على هذه الأصول الثلاثة، وما عداها يتفرع عنها:

فعدالة الله وقدرته وحكمته... فرع عن التوحيد.

والإمامة والقرآن... فرع عن النبوة.

والحساب والجنة والنار... فرع عن البعث.

العقيدة كالإيمان بالله وصفاته، والنبي وعصمته، والبعث وما إليه من الغيب، ولا يثبت شيء من مسائل العقيدة إلا بطريق القطع، ومن هنا لم تكن محلاً للاجتهاد.

والشريعة كالعبادات والمعاملات والجنايات، ويجوز إثبات مسائلها بطريق الظن والاجتهاد، شريطة أن يقوم دليل قطعي على صحة العمل بهذا الطريق الظني الخاص، بحيث يكون القطع مصدراً للعمل بالظن.

وقد تعددت أساليب العلماء في الاستدلال على الله تعالى، فكلّ من العلماء نحا منحاً بالدليل على الله سبحانه، وقد كانت الأدلة على الخالق بعدد أنفاس الخلائق، وفي كلِّ مخلوق من مخلوقاته دليل على خالقه، إذ كلّ معلول يستند إلى علته، والله سبحانه علة العلل ومسبب الأسباب:

وفي كلِّ شيء له آية *** تدل على أنّه واحد

ولله في كلِّ تحريكة *** وتسكينة أبداً شاهد

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ).

إنّه نداء إلى الناس كلهم لعبادة ربهم الذي خلقهم والذين قبلهم – حقاً وصدقاً لا رياء ونفاقاً – ربهم الذي تفرد بالخلق، فوجب أن يتفرد بالعبادة، وللعبادة هدف لعلهم ينتهون إليه ويحققوه.

(الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).

لما عدد سبحانه فرق المكلفين: من المؤمنين، والكافرين والمنافقين، أفهمهم جميعاً أنّه وحده خالق الأولين والآخرين، ورازقهم، فعليهم أن يعبدوه ويطيعوه.

(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

ما من شك أن من يصلي لله مخلصاً له الدين مطيعاً لله، فإنّه يتقي معاصيه أيضاً في غير الصلاة، والصلاة الحقيقية تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتقرّب المصلي المخلص من الله سبحانه وتعالى.

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا).

مستقراً لا غنى عنه وهو تعبر ينبىء بالسير في حياة البشر على هذه الأرض، وفي إعدادها لتكون لهم مسكناً مريحاً وملجأ وافياً  كالفراش، والناس ينسون هذا الفراش الذي مهده الله لهم لطول ما ألفوه، ينسون هذا التوافق الذي جعله الله في الأرض لتمهد لهم وسائل العيش، وما سخره الله لهم من وسائل الراحة والمتاع، ولولا هذا التوافق ما قامت حياتهم على هذا الكوكب في مثل هذا اليسر والطمأنينة، ولو فقد عنصر واحد من عناصر الحياة في هذا الكوكب، ما قام هؤلاء الأناسي في غير البيئة التي تكفل لهم الحياة، ولو نقص عنصر واحد من عناصر الهواء عن قدرة المرسوم لشق على الناس أن يلتقطوا أنفاسهم حتى لو قدرت لهم الحياة.

(السَّمَاءُ بَنَاهَا) (النازعات/ 27).

فيها متانة البناء وتنسيق البناء، كالقبة المضروبة على هذا المستقر بحسب الرؤية البصرية، والسماء ذات علاقة وثيقة بحياة الناس في الأرض، وبسهولة هذه الحياة، وهي بحرارتها وضوئها وجاذبية أجرامها وتناسقها وسائر النسب بين الأرض وبينها، تمهد لقيام الحياة على الأرض وتعين عليها، فلا عجب أن تذكر في معرض تذكير الناس بقدرة الخالق وفضل الرازق، واستحقاق المعبود للعبادة من العبيد المخاليق.

(وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ).

وذكر إنزال الماء من السماء وإخراج الثمرات به، ما يفتأ يتردد تردد في مواضع شتى من القرآن في معرض التذكير بقدرة الله، والتذكير بنعمته كذلك، لتشكروا الله على فضله وتفكروا في خلقه ولتعلموا أنّه هو الخالق الذي ليس كمثله شيء.

والماء النازل من السماء هو مادة الحياة الرئيسية للأحياء في الأرض جميعاً، فمنه تنشأ الحياة بكلِّ أشكالها ودرجاتها (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ...) (الأنبياء/ 30)، سواء أنبت الزرع مباشرة حين يختلط بالأرض، أو كون الأنهار والبحيرات العذبة، وانساح في طبقات الأرض فتألفت منه المياه الجوفية التي تتفجر عيوناً وتحفر أباراً أو تجذب بالآلات إلى السطح مرة أخرى.

وفي ذلك النداء (يَا أَيُّهَا النَّاسُ)، تبرز كليتان من كليات التصور الإسلامي: وحدة الخالق لكلِّ الخلائق (الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).

ووحدة الكون وتناسق وحداته وصداقاته للحياة وللإنسان (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا).

فهذا الكون أرضه مفروشة لهذا الإنسان، وسماؤه مبنية بنظام معين بالماء الذي تخرج به الثمرات رزقاً للناس، والفضل في هذا كله للخالق الواحد.

(فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

تعلمون أنّه خلقكم والذين من قبلكم، وتعلمون أنّه جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً وأنزل من السماء ماءً، وأنّه لم يكن له شريك يساعد، ولا ند يعارض، فالشرك به بعد هذا العلم تصرف لا يليق.

والأنداد التي ينهى عنها قد لا تكون أنداداً تعبد مع الله على النحو الساذج الذي كان يزاوله المشركون، قد تكون أنداداً في صورة أخرى خفية، قد تكون في تعليق الرجاء بغير الله كالرياء والاستعانة بغير الله، واعتقاد النفع والضر لغير الله وأمثالها.

  المصدر: كتاب دروس من القرآن

ارسال التعليق

Top