• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الماء.. نعمة وهبة جزيلة من واهب النعم

د. عائض القرني

الماء.. نعمة وهبة جزيلة من واهب النعم
 ◄الماء أغلى مفقود، وأرخص موجود، الحياة لا تقبل إلا بماء، والعيش لا يصح إلا بماء (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) (الأنبياء/ 30)، مع الماء الخضرة والندى، والطل والرواء، والظل والحياة، ومع فقدانه الجفاف واليبس والخمود والموت، مع الماء تشدو الأطيار، وتميل الأفنان، ويبرد النسيم، ويعبق الشذى، وتخضر الأوراق، وتطيب الثمار، ومع الماء تروى الأكباد، وتترطب الشفاه وتندى الألسن، وتنتعش الأنفس، الماء مادة الحياة، وإكسير الوجود، وسر البقاء، إذا عدم الماء زحفت جيوش المجاعة، ودلفت كتائب القحط، وأسراب البؤس، يوم يقع الظمأ في العالم تذوي الأشجار، وتذوب الأكباد، وتحترق السنابل، ويموت العشب. فإذا تدفق الماء، وتدافقت أمواجه، وأقبلت صفوفه، أقبل معه البشر والنماء والعطاء ووصل معه الرغد والهناء، بربك هل وقع على نفسك آنس من الماء على الظمأ وأهنأ منه في الهواجر، وأحلى منه في شدة الحر. بالماء تقوم الحقول، وتتكاثر الحبوب، وتميس الحدائق، وتهمهم الجدوال، وتتراقص الخمائل، وتشدوا البلابل، السنابل، الماء شريان نابض في قلب الأرض، إذا تعطل ماتت المعمورة، يوم ينتهي الماء من الدنيا، لا يطاق العيش ولا يستطاع البقاء، ويوم ينتهي الماء من الوجود يفتتح الهلاك قلاع الأنفس والثمرات، ويعصف الدمار بالمحاصيل والفواكه، وتأتي الإبادة على الإنسان والحيوان والنبت والجمال. الماء نعمة من الله جليلة، وهبة من الخالق جميلة، (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) (الواقعة/ 68-69)، خلق الماء عجيب، ونبؤه غريب، صوره ربه بلا لون، وأوجده بلا طعم، وأنزله رائحة، خفيف الروح بهي الطلعة، إن رضي أسعد وأرغد، وإن غضب أزبد وأرعد، (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (هود/ 43). سبحان من خلق الماء، إذا باشر البرد الماء جمده فأصبح كالصخر صلابة، وإذا مازجه الحر صيره كالنار توقداً، إذا عذب رق ولطف حتى صار أشهى من الشهد، وإذا أسن مُج ومُل، حتى أصبح كالسم الزعاف، إن جرى طاب، وتجدد شبابه، وحسنت ثيابه، وجملت طلعته، وإن وقف تغيرت رائحته، وذهبت لذته، وشاه منظره، فسفره أحسن من مقامه، وإرتحاله خير من حله، يتباشر به أهل البادية، ويتساءل عنه أهل الحاضرة. وغضب على قوم فأتاهم في وفد الطوفان، إذا سكن مشى رويداً، يتمتم بحروف الهناء والتبريك، وإذا غضب تفجر بصيحات الويل وصواعق الدمار، يأتي إلى أحبابه فيميس بين الزهر كيد الطبيب على جفن المريض، ويقبل إلى أعدائه فلا تمنعه السدود ولا ترده الحدود، فيكسر الجسور، ويقتلع الصخور، ويجعل عاليها سافلها حتى يأذن الله بسكونه، ويأمر بهدوئه (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ) (هود/ 44)، نزول الماء عيد على الأقطار؛ وفرح عامر لسكان الأمصار، كأن نزوله على الناس ولادة مولود، أو عود مفقود، الماء طوع أمرك، ورهن إشارتك، يصغر جسمه حتى يسعه الكوب، ويكبر حتى يملأ المحيط، تشربه فإذا هو السائغ الممتع، وتغتسل به فإذا هو المنظف النزيه، يسخن ويبرد، ويعتدل ويجمد. الماء يحب الحرية والانطلاق، ويكره السجن والقيد، فإن حبسته في قفص الاتهام وحجزته في مكان الانتظار، تغيرت أخلاقه، واختلف مزاجه، لأنّه ظريف لطيف شريف، دعه يمر ويعبر، واتركه يسافر ويرتحل ليمر على الحدائق والحقول والمزارع، ويسلم على الخمائل والبساتين، ويزور الناس والدواب والطيور والزواحف، بل ويمر على الأرض كل الأرض (فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج/ 5)، (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا) (ق/ 9-11)، (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا) (الرعد/ 17)، (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) (الشورى/ 28)، (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ) (الأنفال/ 11)، (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ) (الزمر/ 21)، (فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى) (طه/ 53)، (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) (الواقعة/ 68-70)، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) (الملك/ 30)، (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) (النحل/ 9-10)، (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ) (السجدة/ 27). المصدر: كتاب العظمة

ارسال التعليق

Top