• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المجتمع الإسلامي.. الكمال المطلوب والحياة الطيِّبة

حسين نصر، تعريب: داخل الحمداني

المجتمع الإسلامي.. الكمال المطلوب والحياة الطيِّبة

◄لابدّ لنا من أن نفرّق بين مفهوم المجتمع المنشود الذي ورد وصفُه في القرآن والسنّة، وبين المجتمع الإسلامي التاريخي، ولو إتَّحد هذان المفهومان لما وُجد شقٌّ في هذا العالم، ولم تصبح الدنيا كما هي مملوءة بالمنغّصات والآلام، في الحقيقة إنّ المسلمين يعدون المجتمع المدني (مدينة النبي) مجتمعاً مثالياً، يحاولون محاكاته دائماً، وتمثل هذه المرحلة (العصر الذهبي) من وجهة نظر دينية.

وقد سمعتُ منذ صباي عن أُمّي وأبي القصص التي تُحكى عن مساعدة النبي (ص)، والصحابة للفقراء والمساكين، والصدق في العمل، وبسط العدل، وأمثال ذلك.

وعادة ما نشهد في المجتمعات المعاصرة تضاداً على مستوى كل الأعمال مع ما كان موجوداً من قيم ومثل عليا.

وبالطبع لا يمكن القول: إنّ المجتمعات الإسلامية كانت مجتمعات مطلوبة، ولذلك لابدّ أن نرى إلى أيّ حد إستوفت تلك المجتمعات المثل الدينية العليا، وأن نفهم أنه مع وجود النقص الطبيعي في الإنسان فقد عالجت التعاليم الإسلامية أي نوع من أنواع تلك النقائص في المجتمعات.

وصحيح أنّ المسلمين، جيلاً بعد جيل، تأخّروا عن تعاليم الرسول (ص)، التي أسسها في المدينة، وعلى الرغم من وجود الضعف التكويني في الإنسان، فقد تابعت الأجيال في المرحلة المعاصرة الكثير من القيم الإسلامية، وقامت بحفظها.

إنّ الموازين أو القيم الاجتماعية الوارد تصويرها في القرآن والسنّة، هي عبارة عن العدالة والإنصياع للشريعة الإسلامية والعدل والإنصاف الإقتصادي والتقسيم العادل للثروات، مع إقرار قانون الملكية الفردية، وتشجيع الفعاليات الإقتصادية، والمساواة في التعامل بين جميع الناس.

يعيش الكلّ – من المسلمين أو غير المسلمين – في داخل المجتمع الإسلامي، ويسعَون إلى إيجاد مناخ ديني وإجتماعي يتجسد فيه حضور الله عزّ وجلّ، ويجب أن تكون العلاقات الأُسرية في هذا المجتمع أرقى وأسمى وأكثر قيمة من العلاقات القبلية، بل والأسرية.

يقول المسيح (ع): "اترك كلَّ شيء وتعالَ معنا".

وحتى أقرب الناس وهم الوالدان – الأب والأُم – يجب الإبتعاد عنهما، إذا أنكرا الحقيقة، وأعلنا الحرب على عزّ وجلّ ولكن من دون الإساءة إليهما: (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (العنكبوت/ 8).

وحيث إنّ هدف المجتمع الإسلامي هو تحقيق إرادة الله على الأرض، كما تحققت في السماء، فلابدّ لكل مسلم من أداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يعني ذلك التدخل في شؤون الآخرين، بل إنّ الجميع مسؤولون عن الحفاظ على القيم الأخلاقية وتفعيلها في المجتمع، ويتعيّن في مثل هكذا مجتمع حفظ السلام والتعادل الإجتماعي، فإذا إندثرت تلك المعايير الإجتماعية وأهملها رجال الدولة، فمن حق أفراد المجتمع أن ينتفضوا ويثوروا لإسقاط النظام الحاكم، ويشكلوا حكومة جديدة قائمة على النظم والقيم الأخلاقية.

وهكذا، فإنّ معيار الفضيلة والإحسان والعلم يجب أن يكون هو المقياس في تفضيل أفراد المجتمع الإسلامي المنشود، وسلسلة المراتب الإجتماعية يجب أن تستند إلى العلم والتقوى كما أشير إلى ذلك في القرآن الكريم، وأن تستند الإمتيازات والإفتخارات الأخرى إلى حقيقة الفناء المنطبعة على مستويات هذه الدنيا.

وهذا الهدف، وإن لم يتحقق بتمامه، لكنّ المسلمين العقائديين يتطلعون إلى ذلك، كما يلحظ هذا الأمر في طريقة تعامل كثيرين من الحاكمين مع العلماء والعارفين كما شهدتُ ذلك بنفسي من إحترام عامة الناس، بل الأغنياء ورجال الدولة للعلماء والمتّقين.

وفي النظام السياسي الإسلامي، توجَد تعاليمُ توصي بإنتشال المظلومين والمحرومين من واقعهم ومساعدتهم، ومن الإصلاحات التي قام بها الإسلام في المجتمع العربي الوقوف إلى جانب المحتاجين والفقراء، وكما قال المسيح (ع): "طوبى للفقراء"، فإنّ الرسول (ص) قال: "الفقرُ فخري".

والفقر الوارد في النصين المباركين يعني بالدرجة الأولى الفقر المعنوي. أما على المستوى المادي، فكان نبي الإسلام (ص) كما كان المسيح (ع) أيضاً يعيش حياة بسيطة، وهو أقرب إلى الفقراء منهم إلى الأغنياء والمتموِّلين.

والرسول (ص) وإنْ أكّد على أنّ الثروة تشكِّل سلّماً إلى الجنّة أو النار، إلّا أنّه يؤكد دائماً على مساعدة الفقراء، بقطع النظر عن محروميتهم وإمتيازاتهم الدنيوية، وعلى هذا المستوى جاء التأكيد في بقية الأهداف الإجتماعية الإسلامية السامية، كالعطف على العبيد، وحسن معاملة النساء، ومدّ يد العون إلى المحتاجين والمديونين، أو كما يعبر علم الإجتماع الحديث (الطبقات المحرومة).

وعلاوةً على ذلك، نكرر ونقول: إنّ الأهداف والقيم العليا لم تتحقق بشكل كامل في المجتمعات الإسلامية اللاحقة، لكنها بقيت أملاً منشوداً وكمالاً مطلوباً لكل جيل، فبقيت تشكّل دَوراً مهماً لمن أراد أن يفهم ويدرك القيم والمثل التي تحكم المجتمع الإسلامي.

إنّ مقولة (ديني أفضل الأديان) مناخٌ موجود في جميع الأديان، وإتجاه وعقيدة لم يُستثنَ منها حتى الدين الإسلامي، فالقرآن يخاطب المسلمين بأنهم أفضل أُمّة: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ...) (آل عمران/ 110).

لكنّ المسلمين يعتقدون أنّ قسماً من الفضائل التي يجب أن يتحلى بها المسلمون مفقودة في الأُمة الإسلامية وموجودة وشاخصة في أمم أخرى، فعلى سبيل المثال، إنّ الذين يؤدّون فريضة الحجّ ويُسَموِّن حُجّاجاً يكونون مورداً للإحترام لدى الجميع، لكن يُستثنى من هذه القاعدة الحُجّاج الذين يخدعون الناس تحت هذا العنوان.►

 

المصدر: كتاب (قلب الإسلام.. قيم خالدة من أجل الإنسانية)

ارسال التعليق

Top