• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المرأة في الأُمم المتمدنة

حسن السعيد

المرأة في الأُمم المتمدنة

كان وضع المرأة قبل الإسلام لا يعدو كونها سلعة، وتتفق في هذه الحال الأُمم المتمدنة وغير المتمدنة، مع فارق نسبي لا يغير من جوهر الأمر شيئاً. فقد كانت حياة النساء في الأُمم والقبائل الوحشية بالنسبة إلى حياة الرجال، كحياة الحيوانات الأهلية من الأنعام وغيرها بالنسبة إلى حياة الإنسان... فليس للمرأة من حقوق الحياة إلّا ما رآه الرجل المالك لها.. كذلك كانت حياة الإنسان عند الرجال في هذه الأُمم والقبائل حياة تبعية، وكانت النساء عندهم مخلوقات (لأجل الرجل). وكان الرجل يبتاع المرأة ممن يشاء وله أن يهبها لغيره، وكان له أن يقرضها لمن يستقرضها وكان له أن يقتلها، ويرتزق بلحمها كالبهيمة، وخاصّة أيام المجاعة أو في المآدب.

أما بالنسبة للأُم المتمدنة، فقد كانت المرأة عندهم تفتقد الاستقلال والحرّية، سواء في أرادتها أو في أعمالها، وكانت تحت الولاية والقيمومة، ولا تنجز شيئاً بنفسها، ولم يكن لها الحقّ في الشؤون الاجتماعية، من حكومة، أو قضاء، أو غيرهما.

وهذه الحضارة الإغريقية تعتبر المرأة أكبر منشأ للأزمة والانهيار، وتشبهها بالشجرة المسمومة.. أما الحضارة الصينية، فتصف المرأة بالمياه المؤلمة التي تغسل السعادة والمال، وكان بإمكان الرجل دائماً، ومتى شاء، أن يسلب شخصية زوجته ويبيعها كالجارية، وعندما تترمل المرأة تصبح جزءً من الثروة المتعلقة بعائلة زوجها، ولم يكن لها أي حقّ في التزوج مرة ثانية، ومع هذا كلّه كانت كالرقيق ليس لها حقّ التصرّف بنفسها. وكان للزوج حقّ بدفنها وهي حية! وحتى سنة 1937م كان يوجد في الصين حوالي ثلاثة ملايين جارية!

أما الحضارة الهندية، فتذهب إلى أنّ المرأة ليست إلّا تجسيد للأرواح الخبيثة الشريرة، التي وُلدت على هيئة امرأة. وفي نظر البوذيين، أنّ جميع النساء كالمصيدة، وضعن لإغواء الرجال وفتنتهم، وأنّ هذه القوة تجسدت بأخطر الأشكال في أصل المرأة، بحيث يغوين الرجال، وهذا الإغواء هو الذي يعمي أفكار العالم.

-         وفي نصوص الديانات الكبرى:

والغريب أنّ هذه النظرة الدونية للمرأة، لم تكن مقتصرة على الحضارات الجاهلية فحسب، وإنما انسحبت إلى النصوص الدينية المحرفة، كما حصل للتوراة والإنجيل، فطبقاً للنصوص العبرية، في الكتب الدينية اليهودية، نلاحظ أنّ المرأة أصبحت ملعونة لعناً أبدياً من قبل الآلهة، لأنعم يقولون: "لقد بدأ الذنب من طرف المرأة، وأنّ المرأة هي التي توجب موتنا"، (كما لو تمثلت شخصية عزرائيل في جسد المرأة). واعتماداً على هذه العقيدة؛ نرى أنّ اليهود يعتبرون المرأة مسؤولة عما يفعله الرجل من أعمال لا أخلاقية! ومن هنا نرى أنّ مقام المرأة في المجتمع اليهودي، قد تنزل تنزلاً بحيث لا يعتبرون لها أي اعتبار وشأن، كما يعتقدون أيضاً أنّ المرأة كالحيوان في البيت، وكذلك عندما تبتلى المرأة بمرض من الأمراض النسائية، يجب عليها أن تقعد في البيت كالمسجونة لا يسمح لها بلمس أي صحن، أو أي وعاء لكي لا يتنجس!

النصارى يعتمدون – بدورهم – اعتماداً كاملاً على أصل الذنب، ويعتبرون المرأة هي المسؤولة عن الذنب والجريمة. وقد جاء في الكتاب المقدس: "فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت".

وتذهب النظرة المسيحية، إلى أنّ التي ارتكبت الجريمة في بادئ الأمر هي حواء وسببت سقوط آدم وانهياره، وعلى هذا فإنّها – بزعمهم – هي المسؤولة عن ذنوب البشر، واضطر الإله إلى أن يبعث (ولده) الفريد باسم عيسى المسيح حتى يُصلب ويغسل ذنوب البشرية بدمه.

ويتضح لكلّ متتبع مدى المهانة التي كانت تلحق بالمرأة. إنّها مذنوبة، بل وليست من الجنس البشري. وهذا ترتولين المقدس بوجه خطابه للنساء قائلاً: "هل تعلمن بأنّ كلّ واحدة منكن حواء بالذات!؟.. يستمر لحدّ اليوم توبيخ الله لكن ولجنسكن عامّة، وعلى هذا يجب أن يبقى في نسلكن الشرر والحقد، أنتن أيتها النساء مدخل للشيطان، أنتن اللواتي قطفتن من ثمار تلك الشجرة الممنوعة، أنتن اللواتي حطمتن القانون الرباني، أنتن اللواتي خدعتن آدم قبل أن يبدأ الشيطان حملاته! أنتن اللواتي أضعتن سيماء الله بسهولة كاملة من طبيعة البشر! إنّ شقاء الموت يرجع لعملكن القبيح، وحتى موت ابن الله يرجع لعملكن الشنيع".

وفيما كان سدنة الكنيسة المسيحية يحترزون على المرأة احترازاً كاملاً، وينعتونها بأنّها الشيطان.. كانت الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية تنكر وجود أي روح في جسد المرأة. وقد صرّح أحد القساوسة الكبار ذات مرة، في مجلس ماكون (Macon) بأنّ: "المرأة لا تتعلق ولا ترتبط بالنوع البشري".

المرأة كانت تعتبر عنصراً قذراً، وهذا العمل أدى بالكنيسة إلى إصدار قرار ممنوعية الزواج الذي هو من القوانين الاجتماعية المهمة.

 

المصدر: كتاب المرأة المسلمة.. هموم وتحديات 

ارسال التعليق

Top