• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حسن الظن من خصال الخير

أسرة البلاغ

حسن الظن من خصال الخير

من المبادئ الأخلاقية المهمة في التعامل بين المسلمين عامة والإسلاميين خاصة: إحسان الظن بالآخرين، وخلع المنظار الأسود، عند النظر إلى أعمالهم ومواقفهم فلا ينبغي أن يكون سلوك المؤمن واتجاهه قائماً على تزكية نفسه، واتهام غيره..

والله تعالى ينهانا عن أن نزكي أنفسنا، فيقول: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (النجم/ 32).

يذم اليهود الذين زكوا أنفسهم وقالوا: إنّهم أبناء الله وأحباؤه فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ) (النساء/ 49).

والمؤمن هو أبداً متهم لنفسه لا يتسامح معها، ولا يسوغ لها خطأ ما، ويغلب عليه شعور التفريط في جنب الله، والتقصير في حقوق عباد الله.

وهو يعمل الخير، ويجتهد في الطاعة، ويقول: أخشى ألا يُقبل مني. فإنما يتقبل الله من المتقين، وما يدريني أني منهم؟!

وهو في الجانب المقابل يلتمس المعاذير لخلق الله، وخصوصاً لإخوانه والعاملين معه لنصرة دين الله، فهو يقول: ألتمس لأخي من عذر إلى سبعين، ثمّ أقول: لعل له عذراً آخر لا أعرفه!

وإنّ من أعظم شعب الإيمان حسن الظن بالله، وحسن الظن بالناس، وفي مقابلهما: سوء الظن بالله، وسوء الظن بعباد الله.

إنّ سوء الظن من خصال الشر التي حذر منها القرآن والسنة، فالأصل حمل المسلم على الصلاح، وألا تظن به إلا خيراً، وأن تحمل ما يصدر منه على أحسن الوجوه، وإن بدا ضعفها، تغليباً لجانب الخير على جانب الشر.

والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات/ 12)، والمراد به: ظن السوء الذي لم يقم عليه دليل حاسم.

ويقول الرسول (ص): "إياكم والظن فإنّ الظن أكذب الحديث..".

والمفروض في المسلم – إذا سمع شراً عن أخيه – أن يطرد عن نفسه تصور أي سوء عنه، وألا يظن به إلا خيراً، كما قال تعالى في سياق حديث الإفك: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) (النور/ 12).

صحيح أن ساء الظن من الأشياء التي لا يكاد يسلم منها أحد، ومع هذا ينبغي للمؤمن ألا يستسلم لوسوسة الشيطان في إساءة الظن بالمسلمين، بل عليه أن يلتمس لهم المعاذير والمخارج فيما يراهم أخطأوا فيه، بدل أن يتطلب لهم العثرات والعيوب.

فإنّ من أبغض الناس إلى رسول الله (ص)، وأبعدهم منه مجالس يوم القيامة الباغين للبراء العثرات.

فإذا كان العمل الصادر عن المسلم يحتمل وجهاً يكون فيه خيراً، وعشرين وجهاً لا يكون فيها إلا شراً، فينبغي حمل هذا العمل على وجه الخير الممكن والمحتمل.

وإذا لم يجد وجهاً واحداً للخير يحمله عليه فيجمل به أن يتريث، ولا يستعجل في الاتهام، فقد يبدو له شيء عن قريب، وما أصدق ما قاله الشاعر هنا:

تأنّ ولا تعجل بلومك صاحباً *** لعل له عذراً وأنت تلوم!

ومما يجب التحذير منه: ما يتصل باتهام النيات، والحكم على السرائر، وإنما علمها عند الله، الذي لا تخفى عليه خافية، ولا يغيب عنه سر ولا علانية.

وينبغي أن نقدم دائماً حسن الظن ولا نتبع ظنون السوء فإنّها لا تغني من الحق شيئاً.

ويشتد الخطر حينما يجتمع اتباع الظن، واتباع الهوى، كالذي ذم الله به المشركين في قوله: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) (النجم/ 28).

(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ) (القصص/ 50).

ومن أجل ذلك حذر الله الرسل – مع مالهم من مقام عنده – من اتباع الأهواء فقال تعالى لداود: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه) (ص/ 26).

وقال لخاتم رسله محمّد (ص) في القرآن المكي: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الجاثية/ 18).

وفي القرآن المدني: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) (المائدة/ 49).

إنّ الإخلاص لله يجمع ويوحد، أما اتباع الهوى فيفرق ويمزق، لأنّ الحق واحد، والأهواء بعدد لا يحصى. وإن أكثر ما فرق الأُمّة الإسلامية إلى فرق وطوائف شتى في القديم والحديث هو اتباع هوى النفس أو أهواء الغير.

ارسال التعليق

Top