• ٣٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

رمضان في البرازيل.. تواصل اجتماعي وتمازج ثقافي

الشيخ خالد رزق تقي الدين

رمضان في البرازيل.. تواصل اجتماعي وتمازج ثقافي


يشهد رمضان في البرازيل الكثير من الشوق والحنين لبلاد الإسلام، فكل من هاجر إلى هذا البلد يحمل بين جنباته ذكريات وصور هذا الشهر الكريم في بلاده الأصلية؛ لذلك نجد أن رمضان يتلون بكل الثقافات التي توضح التمازج بين شعوب مختلفة استقرت في البرازيل وحافظت على ثقافتها خلال سنوات مرت عليها في هذه البلاد البعيدة عن بلاد المسلمين.
وتوضح الروايات التاريخية أن أوّل صلاة جماعية أقامها الشيخ عبدالرحمن البغدادي في البرازيل كانت عام 1867 في مدينة "سلفادور" بولاية "باهيا" حينما زارها، وأخبر في مخطوطته "مسلية الغريب بكل أمر عجيب" أنّه أقامها عشر ركعات تخفيفاً على المسلمين في ذلك الوقت.
يبلغ عدد من المسلمين في البرازيل مليوناً ونصف المليون نسمة، وهم خليط من أعراق مختلفة "أفارقة وعرب وبرازيليين"، ويمثلون نسبة تقل عن 1% من مجموع عدد سكان دولة البرازيل البالغ 180 مليون نسمة، ويتوزعون في كل الولايات البرازيلية، ويوجد حوالي 100 مسجد ومصلّى موزعة على كل مناطق البرازيل، إضافة إلى حوالي 47 شيخاً وداعية، حسب إحصاء المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل.
وبعد وصول الهجرات المتتالية من العالم الإسلامي، بدأ المسلمون يشيِّدون المساجد ويستقبلون الأئمة والمشايخ؛ احتفاءً بشهر رمضان الكريم؛ حيث يعدُّ موسماً خاصاً لكثير من المسلمين، وفرصة للتزوُّد من الإيمانيات والعودة إلى الله وشحن النفوس بالكثير من الهمم التي تؤدي إلى متابعة السير إلى الله خلال عام بأكمله.
ورمضان في البرازيل له عبق خاص ورائحة مميزة تتمثل في المظاهر الإسلامية المختلفة، والتي نستطيع أن نرصد الكثير منها:

- الإفطارات الجماعية:
تحرص الكثير من المؤسسات والمساجد على إقامة موائد الإفطار يومياً خلال شهر رمضان المبارك، ويكتفي بعضها بإقامتها مرة واحدة نهاية كل أسبوع، وهذه الإفطارات تجمع كل أبناء الجالية غنيهم وفقيرهم، وهي فرصة لكي يتبرع الميسورون من مالهم الخاص لإدخال الفرحة على نفوس المسلمين، والإفطار لقاء اجتماعي يضم كل طبقات الجالية المسلمة وفرصة للتعارف وأداء الصلوات داخل المسجد، وقد التفتت بعض المؤسسات الخيرية في العالم الإسلامي لأهمية هذه الإفطارات فبادرت بالمشاركة فيها عن طريق إرسال الدعم المالي لهذه المؤسسات.

- العناية بالقرآن الكريم:
يَُعدُّ هذا الشهر فرصة لاجتماع الناس في المساجد لصلاة التراويح، وتحرص بعض المساجد على ختم القرآن الكريم كاملاً، وبعضها يختمه خلال العشر الأ,اخر من رمضان، وقد منّ الله تعالى على المسلمين بأن وزارة الأوقاف المصرية تتعهد سنوياً بإرسال عدد كبير من قراء القرآن الكريم لتغطية هذه المساجد وتزيينها بالأصوات الندية وإقامة صلاة التراويح وقيام الليل.

- إحياء "ليلة القدر":
تتنافس المساجد في البرازيل لوضع برنامج لهذه الليلة المباركة، وتكتظ المساجد بأبناء المسلمين؛ حيث تحرص الكثير من العائلات على قضاء الليلة بكاملها داخل المسجد، ويصطحبون النساء والأطفال الشيوخ والشباب للمشاركة في هذا الأجر؛ حيث يكون قيام الليل وقراءة القرآن والدعاء والسحور الذي يضم جميع أبناء الجالية، ويمتد هذا النشاط إلى صلاة الفجر ويكون فرصة للكثيرين للتوبة والعودة إلى الله.

- الأنشطة الاجتماعية:
انتبهت المؤسسات الإسلامية في البرازيل إلى أهمية التواصل الاجتماعي مع المجتمع، وأهمية تعريف شعب البرازيل بأخلاق الإسلام وصفاته النبيلة، فقررت منذ عامين عمل أنشطة اجتماعية لخدمة الفقراء والمحتاجين من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، ويقوم على هذا النشاط "الاتحاد الوطني الإسلامي"، الذي يضم أغلب المؤسسات الإسلامية في مدينة "ساو باولو"، ويُقام النشاط في الأحياء الفقيرة ولمدة يوم كامل نهاية كل أسبوع خلال شهر رمضان؛ حيث تُقدَّم الرعاية الصحية التي تشمل الفحوص المجانية للنظر والدم والضغط والأسنان، وكذلك أنشطة ترفيهية للأطفال.. وتقدم مصلحة الأحوال المدنية خدمات لأبناء هذه المناطق، كاستخراج شهادات الميلاد والهوية، ويلبي هذا النشاط الآلاف من أبناء المنطقة الواحدة، إضافة إلى الأنشطة التعريفية بالإسلام، من خلال توزيع الكتب والمطويات والرد على الاستفسارات المختلفة حول الدين الإسلامي.
ويُعَدُّ هذا المشروع من أفضل الطرق للدعوة إلى سماحة الإسلام، وقد قامت بعض المؤسسات الإسلامية بتطويره واستمراره خلال العام بأكمله، مثل الجمعية الإسلامية البرازيلية في مدينة "غواروليوس" التي تبنت مشروع "أصدقاء الإسلام"، وهو فكرة "د. علي مظلوم" أحد أبناء المدينة، وتقوم على دوام التواصل مع المجتمع من خلال برنامج تأهيلي داخل المركز الإسلامي للبرازيلين، يتعلمون خلاله اللغات المختلفة، إضافة إلى تعلم المشغولات اليدوية، والتي من خلالها يستطيعون اكتساب حرفة تساعدهم على العيش الشريف.

- المسابقات الثقافية:
تحرص الكثير من المؤسسات على إقامة المسابقات الثقافية والدينية بين أبناء الجالية وترصد لها جوائز قيمة، مثل العمرة أو تذاكر سفر للبلاد الإسلامية، وهي فرصة للتنافس وزيادة المعرفة بين أبناء الجالية المسلمة.

- تكريم العلماء:
تقوم بعض المؤسسات بتكريم المشايخ والعلماء خلال هذا الشهر الكريم، وخصوصاً القراء الذين يفدون من البلدان الإسلامية، ويقوم المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية – بالتعاون مع اتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل والاتحاد الوطني الإسلامي وكذلك مسؤول بعثة وزارة الأوقات المصرية في البرازيل – بترتيب هذه الاحتفالات؛ حيث تكون فرصة طيبة للتواصل وتبادل الخبرات بين الدعاة والمشايخ، وكذلك زيادة التآلف والمحبة فيما بينهم.
تتلون الموائد بالأطباق المختلفة التي تجمع بين الشرقي والغربي وتعطي دليلاً على تمازج الثقافات، فتوجد الأكلات الشامية نظراً لأن أكبر عدد ممن هاجروا كانوا من هذه البلاد، والأكلات البرازيلية حاضرة أيضاً على موائد الطعام، هي الأكلات المفضلة لمن وُلد من أبناء المسلمين في هذه البلاد، ويُعَدُّ طبق الفول المصري مكوناً أساسياً في بعض الموائد، ويحرص الكثير من المسلمين على أن يفطروا على التمر تحقيقاً لسنة رسول الله (ص)، وتنتشر الحلوى الشامية بكل أشكالها وألوانها، والحرص على هذه التقاليد والعادات من الأمور الأساسية التي تربط المسلم بذكرياته وحنينه لبلاد المسلمين.
والمسلمون هنا أيضاً يسألون إخوانهم في العالم الإسلامي الدعاء المستمر لهم بأن يثبتهم الله على دينه وسنة نبيه، فهنا بلاد تنتشر فيها الإباحية وتكثر الوسائل المادية التي تستهوي قلوب شبابنا فيقعون في المعاصي والمخالفات الشرعية؛ لذلك فنحن بحاجة لكل دعاء وكل دعم لكي نبقى مخافظين على هذا الدين، رافعين لواءه حتى يتوفانا الله وهو عنا راضٍ، تقبّل الله منا ومنكم الصيام والقيام، وكل عام وأنتم بخير.

ارسال التعليق

Top