• ٣٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

من فوق جبل عرفات تحددت حقوق الإنسان

محمد الطيب العربي

من فوق جبل عرفات تحددت حقوق الإنسان

◄في السنة العاشرة للهجرة (632م) حج النبيّ (ص) حجته الوحيدة وفيها خطب الناس خطبته تلك اشاملة الجامعة التي ظل صداها يتردد في سمع الزمان ووعتها ذاكرة التاريخ لما تضمنته من حقوق مدنية واجتماعية اعتبرها الفقهاء وثيقة إسلامية لحقوق الإنسان سبقت كلّ المواثيق اللاحقة والإعلانات التي بحثت في هذه الحقوق بل هي الأوثق من كلِّ القوانين الوضعية الأرضية لأنّ الذي أعلنها (ص) (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم/ 3-4)، فبنودها مستمدة من شرع الله القائم بالقسط والعدل. إنّ ما اشتملت عليه خطبة حجة الوداع يمثل كمال البنيان الإسلامي الذي أعلنت عنه الآية الكريمة (المائدة: 3) التي نزلت على رسول الله (ص) في حجة الوداع وهي قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا).

فما أعجب أمرنا نحن المسلمين الذين أغفلنا كمال هذا الدين فرحنا نبحث هنا وهناك عن نظام دولي جديد أو قديم ولدينا تمام نعمة ربنا علينا الذي ارتضى لنا سبحانه هذا الإسلام القويم دينا.. عالمنا العربي والإسلامي يتمزق وتتقطع أوصاله وحقوق الإنسان تنتهك وتنتهب ممن يدعون حماية حقوق الإنسان ونحن على الرغم من كلِّ ما يجري وتشاهده أعيننا ننساق وراء الخداع الذي يمارس فينا يومياً ونصدقه. ما أصدقك يا رسول الله يوم أن أعلنتها في خطبتك الجامعة "إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به – وفي رواية ما إن تمسكتم به – لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه" لقد حدث الضلال والضياع والنكوص على الأعقاب يوم أن فرطنا فيما تركته فينا – كتاب الله وسنتك – ورحنا نتلمس الحقوق عند من يسلبون هذه الحقوق.

إنّ دماءنا وأموالنا وأعراضنا لم تعد يا رسول الله لها حرمة علينا فيما بيننا ومن هانت عليه نفسه هانت هذه النفس على الآخرين. نحن نبحث لاهثين اليوم عن الأمن النفسي والاقتصادي، هذا الذي أعلنته من فوق جبل عرفات في خطبتك التي اصطلح على تسميتها بحجة الوداع أو حجة البلاغ إذ أعلنتها: "... إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض".

الأمن النفسي والأمن الاقتصادي هما ضالة عالمنا المعاصر كلّ يبحث عنهما ففي إطارهما تتحقق أشياء كثيرة الأمن الغذائي والأمن الصحي وما إلى ذلك. ويتحقق ذلك بحماية الكليات الخمس في الشريعة الإسلامية: العقل والنفس والدين والعرض والمال ويدخل في نطاق الأمن الاقتصادي ما أعلنه رسول الله (ص) من "أنّ ربا الجاهلية موضوع...".

ليس هذا فحسب، بل كلّ أمر من أمور الجاهلية موضوع من استعلاء واستبداد وتطاحن وتشاحن وتباغض ونهب وسلب وحروب بين الأخوة.. كلّ ذلك موضوع فما بالنا نعود إلى ما وضع من أمر الجاهلية؟ "... واعلموا أنّ الصدور تغل على ثلاث: إخلاص العمل لله، ومناصحة أهل الأمر، ولزوم جماعة المسلمين" و"مجموعة القضايا التي عرض لها الرسول (ص) في خطبته في حجة الوداع، تشكل المرتكزات الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي والتي لابدّ من حراستها وعدم السماح بخرقها والخروج عليها من الحاكم والمحكوم".

لقد أعلن رسول الله (ص) في خطبته حجة الواع من فوق جبل عرفات وحدد حقوق الإنسان التي يجب أن نجعلها بنودنا الأساسية ومرتكزاتنا في عالمنا الإسلامي فبها تتوفر الحقوق الناصعة الواضحة لا ما يدعيه القوم هنا وهناك ففيها كما يقول الدكتور محمد عمارة تحدث عن الإخاء والمساواة.. هذه المساواة التي أكدت على أممية الإسلام وعالميته، وفيها أعلن الثورة التي نسخت كلّ ما هو جاهلي من أعراف الجاهلية وجميع ما هو ظالم من النظم والأعراف التي سبقت الإسلام.

والذين يتحدثون اليوم عن حقوق المرأة ويبحثون في أمر مساواتها نقول لهم إنّ المعصوم (ص) في خطبة حجة الوداع من فوق جبل عرفات التي حدد فيها حقوق الإنسان لم يغفل هذا الأمر فالنساء عنده "شقائق الرجال" لهنّ من الحقوق مثل الذي عليهنّ من الواجبات فأوصى بهنّ خيراً "اتقوا الله في النساء فإنكم اخذتموهن بأمانة الله".

وأخيراً انّ كلَّ الدساتير والقيم والقوانين الوضعية أشبه بزخارف ودمى. ووحدهما كتاب ربنا وسنة نبينا الصرح المتين الذين لن نضل أبداً ما إن تمسكنا بهما.

 

المصدر: مجلة الضياء/ العدد 31 لسنة 1993م

ارسال التعليق

Top