• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إمتلك قرار سعادتك

إمتلك قرار سعادتك

◄"إنّ أكثر ما يتسبَّب بالظلمة للإنسان هو وقوفه حائلاً دون وصول النور إليه" رالف والدو إيمرسن/ كتاب وفيلسوف

 تقنيات البناء ليست في رأس قائمة خبراتي، إلا إنّني أعلم أنّ الخطوة الأُولى في كلّ بناءٍ صلب هي عملية إرساء القاعدة.

يبدأ بناء بيت سعادتك بهذه الخطوة الأُولى المهمّة: إنّك تُرسي القاعدة عن طريق إمتلاك قرار سعادتك بنفسك. وهذا يعني أن تؤمن أوّلاً بإمكان أن تحصل على السعادة، ثمّ أن تتنبَّه إلى العادات التي تقف في طريقك دونها، وأخيراً الإنتقال بمرونة، ولكن بثبات، إلى عاداتٍ جديدة في التفكير والشعور والتصرُّف أكثر فائدة لك.

أكثر ما أثار إهتمامي لدى السُّعداء المئة كونهم لا يشكِّكون ألبتة في قدرتهم على الشعور بالسعادة. كلّهم أيقنوا أنّ قرار السعادة يعود إليهم شخصياً. لم يؤجلوا السعادة إلى المستقبل، بإنتظار أن تصبح شروط حياتهم مؤاتية جدّاً، وأن يحالفهم الحظ للوصول إلى كلّ ما يبتغون. لم يقفوا مكبِّلي الأيدي بسبب مآسٍ تعرّضوا لها في الماضي، أو بسبب أوضاعهم الحياتية والإجتماعية. لقد أخذوا زمام أُمور مستقبلهم في أيديهم وخطّطوا له بطريقةٍ واعية. انظروا إلى ما يمكنهم فعله وتحقيقه، بدل ذرف دموع الأسى على الماضي والحاضر معاً.

لقد أوضحت دراسةٌ مهمّة نشرت سنة 2005 في مجلة الطب السلوكي العلاقة بين الموقف النشيط والمسؤول حيال الأُمور والإحساس بالسعادة. أظهرت هذه الدراسة التي أشرفت عليها د. غايل آيرونسون أنّ مرضى الأيدز الذين تحلّوا بالأمل والتفاؤل أخذوا مسؤولية مساعدة أنفسهم فكانوا أكثر تحملاً في مراحل المرض ونجحوا في تأخير تقدّمه. وكان إستنتاج د. آيرونسون أنّ التحلِّي بروح المسؤولية والقدرة على إستباق الأُمور متصلان جداً بمستوى التفاؤل الذي يتطوّر مع ارتفاع درجات السعادة لدى الفرد.

أمّا الخبر السعيد، فهو أنّه لا يهمّ من أين تبدأ. إن كنت مقداماً ومستعداً لأخذ زمام أُمور سعادتك في يديك، فإنّك للتوّ في مقعد القيادة في حياتك ويمكنك القفز بمستوى سعادتك إلى درجاتٍ عالية.

في داخل كلٍّ منّا سعادةٌ متجذِّرة. قد تحجب الغيوم شمس السلام والسعادة المشعة في أرواحنا، لكننا سوف نحاول في هذا الموضوع كشحها عن طريق تذليل عادة الشعور بأنّنا ضحايا، تلك العادة القديمة التي تحول دون شعورنا الدائم بالسعادة المتأصِّلة فينا.

 

 

 

-         إمتلاك القرار

لاحظتُ، من خلال عملي، إزديادَ وعي الناس بقدرتهم على بناء المستقبل الذي يريدون عن طريق أفكارهم، ومشاعرهم، وأقوالهم، وأفعالهم. لقد تحققوا أنّه يمكنهم تحديد مسار حياتهم بأيديهم ووفق الخيارات التي يأخذونها. عندما نفهم حقيقة قانون الجذب، نعلم أنّنا نحن المسؤولن عن وجود السعادة في حياتنا أو غيابها عنها.

إمتلاك قرار سعادتك يقوم على دعامتين:

1-    القبول بأنّ السعادة هي رهن خيارك، وبأنّك، وعبر تغيير عاداتك، تمتلك الفرصة والقوّة لتكون أكثر سعادةً.

2-    التعامل مع كلّ أمرٍ في حياتك بالطريقة التي تدعم سعادتك.

أتوقّع أنّك بدأت تشعر بسعادةٍ أكبر، جرّاء قراءتك لهذه السطور.. لا أقصد، عزيزي القارئ، بقولي هذا أن أمارس عليك أيّ تأثيرات، ولكن تمّ التأكُّد من خلال البراهين أنّ مجرّد إهتمامك بزيادة سعادتك له مفعول قوي ومباشر. نَشَر العالِم النفسي د. مايكل فورديس، مؤلِّف كتاب (السعادة في علم النفس) سنة 1977، نتيجةَ أبحاثه المبكرة في موضوع السعادة، والتي حازت كثيراً من التقدير: لقد برهن أنّ مستوى سعادة الطلاب، الذين طُلِب إليهم دراسة عادات الناس السعداء، ارتفع وازداد شعورهم بالرّضى في حياتهم لمجرّد اطلاعهم على الموضوع.

لكن، وبالعودة إلى ما قالته د. سونيا ليوبمرسكي الأستاذة في جامعة ريفرسايد الأمريكية، فإنّ تركيز الإهتمام وصرف بعض الوقت من أجل الشعور بسعادةٍ أكبر لا يكفي القيام بهما خلال يومٍ أو يومين، بل يجب الإلتزام بهما دائماً، مثلما يتوجَّب على مَن يمارس الحمية والرياضة الإلتزام بذلك من أجل التوصّل إلى النتيجة المنشودة. يؤسفني أن أرى الكثير من الناس يكرِّسون المزيد من الوقت للبحث في موضوع شراء سيارةٍ جديدة، بينما لا يفعلون ذلك من أجل رفع مستوى سعادتهم.

 

-         المهارة في التعامل مع أُمور الحياة

لا نبالغ في القول إنّ مهارتنا في التعامل مع ما يصادفنا من أحداثٍ في حياتنا له أثرٌ مهمّ في سعادتنا. يتعامل السعداء المئة مع الأحداث في حياتهم بما يساهم في دعم سلامهم الداخلي وهناء عيشهم.

علّمني مرشدي جاك كانفيلد هذه المعادلة منذ سنوات:

الأحداث + الرد = النتيجة

يحاول السعداء من دون عناء تنظيم أُمور حياتهم وفقاً لرغباتهم. ولكن عندما لا يستطيعون تغيير الأحداث، يغيِّرون ردّهم عليها.

في المرّة التالية، عندما تكون في سيارتك وسط زحمة سيرٍ خانقة، انظرْ حولك فإنّك بالتأكيد سوف تجد سائقاً يسخط بأسباب الزحمة ويشتم. ثمّ تابع الإستطلاع، فقد ترى سائقاً آخر يستمع بحماس إلى محطة الراديو المفضّلة لديه ويهزّ رأسه على أنغام الموسيقى. اختلاف في ردّة الفعل، بينما الحَدَث واحد.

في كلّ مرّةٍ تختار أن تردّ على الأحداث التي تصادفك بما من شأنه أن يشعرك بالإتِّساع والراحة النفسية، تقوِّي قدرتك على الرّد في المرّات المقبلة بالطريقة الإيجابية عينها. إنّها تقوية حقيقية قادرة على الإنتقال بك من مقصلة الضحية إلى منصّة المنتصر.

 

 

 

-         المنتصر الأكبر

كنت في الصفوف الثانوية عندما طلب معلِّم اللغة الإنكليزية من الصف قراءة كتاب (البحث عن معنى الحياة) للكاتب فيكتور فرانكل، وهو أحد الناجين من معسكرات التعذيب. يروي فرانكل في هذا الكتاب وببلاغة عالية كيف استطاع مع بعض رفاقه التغلُّب على اليأس بينما كانوا يلاقون التعذيب بألوانه يومياً. تردَّدت بدايةً في قراءة هذا الكتاب، خوفاً من مشاعر الرُّعب التي قد ينقلها إليَّ. ولكن بعد أن شرعت بالقراءة، أخذت أحسّ بالأمل يُنعش قلبي، وأكثر ما لامسَ كياني وأيقظ تفكيري كانت الكلمات التالية:

"لا يمكنك أن تنسى، وأنت في معسكر التعذيب، رفاقاً في المصيبة قدّموا لك المؤاساة وآخر لقمة خبزٍ كانت لديهم. إنّ أناساً مثل هؤلاء قد يكونون قلّة، لكنهم استطاعوا وبالبرهان الكافي، التأكيد أنّه مهما مورِسَ من قمعٍ وسلب على الإنسان، إلا أنّ أحداً لن يستطيع سلبه حرِّيّة إختيار موقفه واختيار طريقة ردّه على الأُمور في كل الظروف. إنّ هذه الحرِّيّة تبقى مع الإنسان ولا تذهب إلا بذهابه".

استطاع فيكتور فرانكل أن يستخلص العبر، بل أن يشعر بالحبّ في أحلك الظروف الممكنة، فلِمَ لا نستطيع نحن أن نجد الشجاعة لتغيير كيفية ردّنا على مختلف الأُمور التي تواجهنا في حياتنا؟►

 

المصدر: كتاب (السعادة من دون عناء/ 7 خطوات نحو سعادة حقيقية)

ارسال التعليق

Top