• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

دوافع تراجع مهارة الطفل اللغوية

دوافع تراجع مهارة الطفل اللغوية

ماذا يعني أن ينطق الطفل كالرضّع؟

يلجأ بعض الأطفال في عمر الأربع سنوات، إلى التكلُّم كالرضع، أي التحدُّث بطريقة أقلّ من قدراتهم اللغوية، بما في ذلك استخدام جُمَل غير كاملة أو كلمات مفردة غير مفهومة أو أصوات وألفاظ خاصة بالرضع، أو نطق الكلمات بأُسلوب طفولي. إلى ماذا يؤشر هذا السلوك؟ وما الطريقة الأفضل للتعاطي مع هذه الحالة.

"ماما أريد توتة"، "ماما أريد مبوا"، فجأة راح عامر، يتحدث بلغة الرضع، على الرغم من أنّه اكتسب مهاراته اللغوية باكراً، وأنّه في سن الأربع سنوات، ويرتاد المدرسة. سألته والدته مستفهمة عمّا يريده، فكرر عباراته غير المفهومة. عندها طلبت منه التحدُّث بطريقة واضحة لتتمكّن من تلبية رغباته، لكنه كرّر جملته، وإنما هذه المرة أشار إلى علبة البسكويت وماء، فأعطته إيّاهما. استمر عامر في التصرُّف والتحدُّث كالرضّع لأيام عدّة، ما أثار قلق والدته. في البداية اعتقدت أنها عملية دلع ولعب، لكن استمراره في هذا التصرف، لابدّ أن يدل على أمر ما. كيف يمكن أن تُحدِّد أسباب تصرفه، وأن تتعرف إلى الأسلوب المناسب لمساعدته في التخلص من هذه الحالة؟

 

مراقبة حثيثة:

قبل كلّ شيء، على الأُم أن تراقب طفلها جيِّداً، من أجل تحديد ردود الفعل، التي تلي أو تسبق هذا السلوك. بعد نجاحها في تكوين فكرة عن الظروف أو المواقف، التي من شأنها أن تحفز طفلها إلى اعتماد لغة الرضع، عليها التفتيش عن الحلول المناسبة لحالته.

وفي الإجمال، يحاول الطفل الذي يتعمّد التكلم كالرضع أن يوجه اهتمام الآخرين نحوه. من المحتمل أن يكون لاحظ، أثناء نموه، أن اعتماد الخطاب المناسب لا يجذب انتباه الآخرين إليه، وقد يكتشف بالصدفة أن لغة الرضع من شأنها أن توفر له هذا الاهتمام. ربما نطق يوماً بإحدى الجمل التي لا تتناسب مع مستواه اللغوي أو كانت أقل من قدراته اللغوية، فوجد أنّ الكبار يصغون إليه ويضحكون ويعلقون على كلامه. أحياناً يستخدم الطفل هذه اللغة الخاصة بالرضع، في حال تغيّر وضعه في العائلة، من طفل وحيد إلى شقيق أكبر. فيقوم بتقليد شقيقه الرضيع، على أمل أن يحظى باهتمام أبويه،  وبمعاملة مماثلة كالمولود الجديد. هذا الاهتمام الذي يلقاه عند استخدامه لغة الرضع يدفعه إلى الاستمرار فيه، إلا أن تأنيب الطفل أو مجاراته في سلوكه لا يساعدان في التخلُّص من هذا السلوك. لابدّ أوّلاً من تحديد السبب وراء تصرف الطفل بهذا الشكل، من أجل إيجاد الحل المناسب.

 

الأسباب:

-         عيب خِلقي: أحياناً يؤدي ضعف السمع أو التأخر في النمو أو أي خلل في وظيفة اللسان إلى تراجع مهارته اللغوية أو عدم تطورها. فإذا كان الطفل يستعمل هذه اللغة باستمرار، وكانت هناك مؤشرات أخرى إلى عدم النضج أو ضعف السمع، وجب عرض الطفل على الطبيب.

-         ولادة طفل جديد في الأُسرة: يستخدم الطفل لغة الرضع لفترة قصيرة، بعد ولادة شقيق له. ردُّ الفعل هذا يُعتبر شائعاً بين الأطفال الذين يشعرون بضياع أو قلق حيال وضعهم وموقعهم، بالنسبة إلى أهاليهم مع وصول هذا الكائن الجديد. من المهم هنا أن تسارع الأُم إلى منع تحوُّل سلوكه هذا إلى مشكلة، من خلال التحدُّث معه وطمأنته لناحية موقعه وأهميته بالنسبة إليها.

-         تقمُّص الأدوار: يستمتع الأطفال عادة بتقليد أدوار الغير، صحيح أنّ أغلبية الأطفال يفضلون تقليد الكبار، إلّا أنّ هناك مَن يحب تأدية دور الطفل الرضيع، إمّا رغبةً في ذلك أو بناء على طلب الأصدقاء، للمضي قُدُماً في اللعبة التمثيلية التي يقومون بها. من هنا يجب عدم الخلط بين التحدث كالرضع في إطار اللعب التمثيلي والسلوك الناتج عن مشكلة ما. في الإجمال لا يشكل تقليد الرضع أي مشكلة إلّا في حال كان يُستخدم كثيراً وفي أوقات غير مناسبة.

-         مهارة لغوية: قد يكون الطفل الذي يستخدم لغة الرضع، لم يكتسب بَعدُ المهارة اللغوية المطلوبة منه في سنه. تختلف قُدرات الأطفال على اكتساب المهارات بالسرعة ذاتها. إذ يمكن رؤية طفل في عُمر السنتين يتحدث بطلاقة، في حين يعاني طفل في سن الثلاث سنوات من مشكلة في التعبير عن أفكاره لغوياً. قد يكون قاموس مفرداته ضعيفاً جدّاً، وفي حاجة إلى تعزيز وتقوية.

 

حلول إضافية:

في حال لم تنجح الحلول السابقة في نهي الطفل عن استخدام لغة الرضع، وجب عندها اعتماد أسلوب آخر لحثّه على الكف نهائياً عن هذا السلوك:

-         تجاهُل الطفل: عندما يتحدث الطفل، كالرضع وجب على الأهل ألا ينظروا إليه وألّا يحدثوه أو يبدوا أي اهتمام بما يقوله.

-         الطلب منه التحدُّث بلغة مفهومة: عندما يُكلم أحدهم بلغة الرضع، وجب على هذا الشخص، أن يقول له: "لا أستطيع أن أتكلّم معك عندما تستخدم هذه اللغة". ثمّ الانتظار لبضع ثوانٍ، فإذا تكلم بشكل عادي يمكن عندها متابعة الحديث معه. أما إذا استمر في استعمال لغته السابقة، وجب الابتعاد عنه وتركه. من المهم جدّاً أن يبدي الكبار اهتماماً بالطفل عندما يتحدث بشكل سليم.

-         إظهار العاطفة: أحياناً يكون الطفل في حاجة فعلية إلى اهتمام وحنان، فيستخد لغة الرضع، لعلّه يحظى بالاهتمام ذاته الذي يُعطَى لطفل رضيع من عناق وقُبلات واحتضان. يجب أن يعي الطفل أنّ الحنان الذي يتوق إليه ليس مخصصاً للرضع. لهذا على والدته أن تخبره أنها ستسعد جدّاً بحمله واحتضانه، إذا طلب منها ذلك بكلام واضح.

من المهم جدّاً تعزيز الاستخدام الملائم للغة، إضافة إلى النطق السليم، من خلال إبداء الاهتمام بالطفل عندما يتكلم بشكل صحيح. يجب أن يعي الطفل أن كلامه السليم أو الصحيح يجذب اهتمام الآخرين أيضاً، وأنّه غير مرغم على استخدام لغة الرضع للفت الانتباه إليه.

ارسال التعليق

Top