• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الكل متحفز وجاهز للغضب.. لماذا؟

الكل متحفز وجاهز للغضب.. لماذا؟
◄مجرد عبارة بسيطة وبلا قصد يُطلقها المرء فتثير من كان أمامه وتغضبه، مُحدثة سلسلة كبيرة من الإنفعالات.. هكذا أصبحت السمة الغالبة على معظم الناس في حياتنا المعاصرة، فالكل متحفز.. جاهز للغضب والثورة، وأكثر إستجابة للإنفعال والتوتر. حول التوتر.. سماته.. أسبابه.. وطرق التخفيف من حدته تحدثت الدكتورة هيفاء السنعوسي خبيرة الإستشارات الأسرية. في البداية تقول: لا نستطيع أن نتخلص نهائياً من التوتر، فالتوتر المحاط بإطار من الحرص على النجاح في أمر ما مثلاً شيء مهم ومطلوب، إنما نقصد بالتوتر هنا الدرجة المرضية الخطيرة التي تظهر معها أعراض عضوية ملازمة لتلك الحالة النفسية كالصداع، وضربات القلب السريعة أو غير المنتظمة، وآلام أعصاب الوجه أو الفك أو الأسنان، وآلام الظهر والصدر والرقبة، وآلام المعدة والقولون العصبي.. إلخ، من أعراض ليس لها أسباب عضوية.   فالتوتر ليس أمراً سهلاً أو حالة نفسية بسيطة، فقد إكتشف الأطباء مؤخراً وحسب أحدث الإحصائيات في بريطانيا أن 95% من الحالات المرضية في الطوارئ الليلية أسبابها نفسية، وثبت أيضاً أن أمراض القلب المفاجئة يكون التوتر سببها الوحيد أو أحد أهم أسبابها، إذ تتأثر عضلة القلب مع توالي أزمات التوتر فتضعف العضلة، ويبدأ الفرد يعاني من ضربات قلب سريعة أو غير منتظمة، ويدخل القلب في الوهم والضعف ويستسلم للمرض. وترى الدكتورة هيفاء أنّ المتوتر لابدّ أن يطرق باباً آخر غير باب الطبيب، ولا ينتظر حتى تتفاقم آلامه النفسية منعكسة على جسده. وتقول: عندما يتألم الإنسان من واقع يسبب له التوتر سواء تمثل ذلك في ضيق من شخصٍ ما، أو مكانٍ ما، أو وضعٍ ما، أو حتى موقفٍ ما، فإنّه ليس أمامه سوى أحد هذه القرارات وهي: المقاومة، أو التكيف، أو الانسحاب مما يسبب له الضيق والتوتر.   -        الاعتراف.. والتسامي: وعن خطوات تخفيف التوتر تقول الدكتورة هيفاء: لابدّ أوّلاً من الإعتراف بوجود التوتر وتمثل مخاطره النفسية والعضوية مع خلق مجموعة من الحوافز لتنفيذ خطة عمل للتخفيف من التوتر، منها قول الرسول (ص): "إن لبدنك عليك حقاً"، فالإنسان لا يهلك نفسه بالتوتر، بل يراعي أمانة الله في النفس والبدن. كذلك الخشوع في الصلاة، فقلة الخشوع أو انعدامه دليل التوتر، وخلق الرغبة في التركيز والخشوع أثناء الصلاة يقلل من التوتر، ويجعل الصلاة نقية. ولابدّ أيضاً من إستثمار الوقت فيما ينفع، كالأذكار والأدعية وقراءة القرآن بما يمثل راحة وإستجماماً من اللهاث والركض الدائم وراء متطلبات الحياة، وينفع كذلك في هذا الإطار الإبتعاد عن الشبهات كالغيبة والنميمة، وذلك عندما يدخل الإنسان في إطار إجتماعي يسبب له الضيق والتوتر ولا يحقق له الهدوء أو الإتزان النفسي.   ثانياً، وبعد الإعتراف بأنك متوتر يأتي تشخيص أسباب التوتر وتحديدها، وما عليك إلا إحضار ورقة تُسجل عليها أسباب توترك سواء كان رئيسك أو زميلك أو حتى الخادمة، أو الأبناء، أو حتى الأقارب.. إلخ، وقد يكون سبب توترك مكان ما، أو موقف، وعليك تسجيل كل ما يكدر حياتك، هذه أهم نقطة في التشخيص. أما المرحلة الثالثة – والكلام للدكتورة هيفاء – فهي وضع الحلول لما يثير توترك وضيقك، فعلى سبيل المثال هناك طرق كثيرة لتخفيف حدة التوتر في إطار وضع الحلول، فلو كان إنخفاض المستوى العلمي لإبنك مع بذلك الجهد لمساعدته للإرتفاع بمستواه هو سبب توترك فالحل هو "التسامي" على الموقف، إعترف بقدراته الحقيقية، ولا تطلب منه المستحيل، وواصل إهتمامك به، ولكن باعتدال، وبما لا يسبب لك وله التوتر والضيق. وأحياناً يتطلب الأمر من الإنسان – لكي يخفف من حدة توتره – أن يكون إيجابياً، وأن يسعى لتغيير وضع يسبب له الضيق ويُنكر عليه أن يستكين بحجة التحمل أو التكيف لأن ذلك لن يحل مشكلته، ولن يخفف توتره، بل على العكس يحرق نفسه ويهلكها، ثمّ يندم، فالصبر على التكدير ليس سياسة دائمة أو ناجحة. وعن طرق ووسائل تخفيف حدة التوتر.. تقول: لابدّ مما نسميه المعالجة الذاتية، وتشمل التقرب إلى الله بشتى أنواع العبادة، وبدون هذه القاعدة الإيمانية لا تكون هناك معالجة ذاتية. هناك أيضاً التنفيس عن المشاعر وعدم كبتها، وكما يقول المحللون في علم النفس: كن ضاحكاً أو باكياً! فالإبتسامة تخفف التوتر، وكذلك البكاء، فدموع التوتر تحوي مادة سامة لا تكتمها، ولكن نفس.. إبتسم أو إبكي، ولا تستحق مشاعرك أبداً، وأهم قاعدة في الإستشفاء أو تتكلم من قلبك ولا تزيف مشاعرك.. من تحبنه أظهر له الحب، ومن لا تقبله أظهر له ذلك بلطف وكياسة وبطريقة غير مباشرة حتى لا يصبح النفاق طبعاً وجزءاً من خلقك ومسبباً دائماً للتوتر. وتنصح الدكتورة هيفاء بـ"مخاطبة الذات".. تقول: قل في نفسك "لي الحق في أن أعبر عن رأيي" واعلم أن "إرضاء الناس لا يُنال".. قل في نفسك أيضاً: "إن أخطائي ليست نهاية العالم، وعليه فلا تحاسب نفسك بشكل مدمر عند التقصير". كذلك إستخدمي العلاج بـ"التغييب" أو "الحجب" مع شخص ما يسبب لك التوتر، وكذلك المواقف والأماكن التي تزعجك حتى يبرمج عقلك على نسيانه ويستجيب، والناس في ذلك يختلفون حسب درجة الحساسية، ومع هذا التغيب حرر نفسك من أي قيود أو إلتزامات، ومثال ذلك لو أنك ابتليت بقريب لا ترتاح لرؤيته ولا تعجبك طباعه ولابدّ من زيارته، فلا تتردد في الإعتذار تليفونياً لظروف قاهرة مثلاً. وما كذبت فالحقيقة أن ظروفك النفسية قاهرة وغير مواتيةَ، أرسل باقة ورد أو هدية واعتذر بلطف، وبذلك لا تكون قد نافقت ولا كذبت ولا توترت.   -        الاستمتاع بالحياة: وتدعو الدكتورة هيفاء إلى تجديد الحياة لتخفيف التوتر.. تقول: لا شك في أنّ الحياة الجافة المكدرة باعث قوي على التوتر، فنحن نعيش وكأننا في رحلة برية أو خيمة في صحراء، نطرد المتعة من حياتنا ونملؤها بما يثير الأسى والضيق والاكتئاب، فالمفروشات الزاهية الجميلة، والديكورات الأنيقة والتحف الثمينة، والأواني الغالية لغرفة الاستقبال، والألوان القاتمة الكئيبة، والمفروشات غير المنمقة، والأثاث القديم لغرفة المعيشة بذريعة أنّ الأطفال يزرعون الفوضى وقلة النظام والنظافة في المكان.. فأين إلقاء الضوء على النفس وتغيير الأنماط الرتيبة؟ ولماذا دائماً نلقي الضوء على الآخرين ونهمل أنفسنا وبيوتنا؟! وتواصل دكتورة هيفاء حديثها فتقول: إنني لا أبالغ حينما أقول إنك عندما تأكلين في طبق مشروخ رديء قليل القيمة فإن نفسك تتأثر وتنشرخ هي الأخرى بعكس الطبق الجميل الزاهي الجديد، فكل يبعث في النفس مشاعر مغايرة للآخرة. هي دقائق في حياتنا لا نوليها إهتماماً، ولكنها مؤثرة شئنا أم أبينا، فالحياة ليست رحلة مؤقتة بل هي حياتك إلى أن تموت، وينبغي أن تستمتع بها وتعيشها كما ينبغي. وتشير دكتورة هيفاء هنا إلى أهمية إيجاد الشريك والمستمع الجيِّد، وحاول الهموم لتخفيف التوتر والمسؤوليات، وأولى خطوات النجاح في ذلك التوفيق في اختيار هذا الشريك، ومحاولة التخفف من الإلتزامات الأسرية والخارجية بإشراك أفراد الأسرة بطريقة ذكية وغير مباشرة عن طريق تزكية الآخرين وبراعتهم في إنجاز المهام، وبث الثقة فيهم.   -        الرياضة.. والغذاء: وتُعد التمارين الرياضية المنتظمة أحد أهم طرق تخفيف حدة التوتر، ومنها – كما ترشد الدكتورة هيفاء السنعوسي – تمرين "العشرين تنفساً"، ويعتبر هذا التمرين إختياراً للتنفس، ويؤخذ فيه نفس عميق بطيء يتبعه 4 أنفاس قصيرة سريعة مع تكرار التمرين 4 مرات، أما التمرين كاملاً فيكرر 3 مرات يومياً. وتقول الدكتورة هيفاء: يمكنك ممارسة هذا التمرين كلما أحسست بتوتر أو ضيق، وإحساسك بالدوخة بعده دليل على التوتر لكن بالاستمرار والمتابعة سيصبر تنفسك طبيعياً وعادياً. ومن التمارين الأخرى تمرين "الشد والاسترخاء"، وتمرين "تحريك الدورة الدموية" وتمرين "تدليك الأقدام"، وفي الأوّل يشد الجسم لأعلى بالوقوف على أطراف الأصابع مع رفع اليدين لأعلى مع شهيق كأنك تطاول سقف الغرفة، ويكرر من 4-5 مرات يومياً، وفي حالة التوتر يبطؤ سير الدورة الدموية، لذا يمارس التمرين الثاني لتحريكها عن طريق الربت بخفة على الساقين والساعدين وأجزاء الجسم الأخرى. وأخيراً يُعد تمرين تدليك القدمين من أهم التمارين التي تساعد على التخفيف من التوتر، فالقدم تحمل الجسم بأثقاله وهمومه وخريطته وفيها راحته، ويعتمد هذا التمرين على وضع قدميك في ماء دافئ لمدة ربع ساعة، جفف قدميك.. ابدأ عملية عصر لقدميك ثمّ الضغط بالإبهام في كلتا يديك على باطن القدم، ويمكن الاستغناء عن نقع الأقدام في الماء، وبعدها سيزول الصداع وما شابهه من آلام توترية بإذن الله. وتنصح الدكتورة هيفاء هنا بالتزام نظام غذائي يعتمد على الماء، والتمر، والعسل، فهذه الأغذية تخفف التوتر وتغذي الجسم مع الإبتعاد عن الأكلات ثقيلة الدسم، وتناول الخضراوات والفواكه بكثرة والتقليل من شرب الشاي والقهوة والمنبهات، وكذلك تناول شراب النعناع فهو مهدئ جيِّد للأعصاب. وأخيراً – والكلام للدكتورة هيفاء – لا تعتمد على الذاكرة وحدها، بل دون مواعيدك ومسؤولياتك، وخططك في مفكرة أو مذكرة خاصة بك، فذلك مما يعينك على التنظيم، ويخفف توترك.►

ارسال التعليق

Top