• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الفطرة الإنسانية في النصوص القرآنية

الفطرة الإنسانية في النصوص القرآنية

عندما نعيش في ظلال القرآن العظيم نجده يؤكد أنّ الفطرة حقيقة قائمة في النفس الإنسانية، وأنها مستودع الدوافع الإنسانية نحو الكمال، نجد أن كل آية تستدل على عقيدة إنما تتوجه للفطرة الإنسانية، تستثير كوامنها وتجلو الغبش عنها لتدرك بوضوح الحقيقة المغروزة فيها، كما أننا نلاحظ أنّ القرآن حتى في مجال عرضه لبعض نواحي الأنظمة الإسلامية الحياتية يؤكد على أن يدرك الإنسان – بفطرته – الطيبات التي ترضاها الفطرة ويحلها الشارع (الإسلام) والخبائث التي يأباها الإنسان بفطرته ويرفضها الشارع وكأنّ الشارع يوكل أمر المحلّلات إجمالاً إلى الطبع الفطري حين يقول في سورة المائدة الآية الرابعة (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)، أو حين يقول في الآية الخامسة من نفس السورة (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)، وتبدو الروح الفطرية في التشريعات عندما نجد القرآن يعترض على التحريم المتزمت لبعض الأمور التي تدرك الفطرة طيبها حين يقول: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف/ 31-33).

هذا في الجانب التشرعي وفطريته. والأهم من هذا؛ هو التركيز القرآني المباشر على الفطرة حين يقول: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم/ 30)، ومن الواضح تأكيد القرآن في هذه الآية الكريمة على أنّ الدِّين أمر فطري، وأنّ الفطرة عُبئت بما يقودها نحو أصوله الكبرى، وأنّ الفطرة أمر ثابت لا يمكن تغييره.

والجميل الرائع أن نجد هذه الآية تأتي بعد آيتين أُخريين يستدل بهما القرآن على عقيدة المعاد يوم القيامة، وعلى استحالة ان يكون المخلوق شريكاً لخالقه سواء في الخلق أو التدبير، يستدل بهذا ولكن استدلالاً فطرياً يقبله المنطق غير الملوث، المنطق السليم الفطري الساذج، والمنطق الفكري السليم المتعمَّق أيضاً مع اختلاف في مستوى التلقّي فيقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الروم/ 27-28)، والتأكيد هنا على العقل إرجاع للواقع الفطري الأصيل. وهناك آيات أُخر تركز على أنّ الفطرة تتنبَّه عند الشدائد من مثل الآية: (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) (الروم/ 33).

 

المصدر: كتاب في الطريق إلى التوحيد الإلهي

ارسال التعليق

Top