• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأنبياء (ع) والأخلاق

الأنبياء (ع) والأخلاق

◄من المعروف انّ الأنبياء – البالغ عددهم (124) ألف نبيّ، كما ورد في أخبار أهل البيت – عليهم السلام – وذكر منهم (25) نبيّاً ومرسلاً في القرآن الكريم – ودورهم الرسالي في تبليغ أُممهم وإرشادهم إلى أُصول الفطرة من حبّ الكمال والجمال ودعوتهم إلى مكارم الأخلاق ومحامدها وابتعادهم عن مساوئها وقبائحها من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وذلك بالإنذار والتبشير: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (الرعد/ 7).

(رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء/ 165). (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) (الأنعام/ 48).

(وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ) (غافر/ 78).

(وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة/ 32).

(أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) (البقرة/ 87).

راجع: (يس/ 13-29)، (غافر/ 81)، (الأحقاف/ 32-34) (الحاقة/ 9-12).

إنّهم القدوة والأسوة (فبهداهم اقتده)...

والمقصود من مطالعة حياة الأنبياء وسيرتهم تثبيت الفؤاد والموعظة والذكرى والتقوى والإصلاح والعبادة لله سبحانه، واجتناب الطاغوت والجبابرة والتضرّع لله سبحانه، وليقوم الناس بالقسط والعدالة الاجتماعيّة والفردية، والبلاغ الواضح والمبين، والعمل الصالح والسباق إلى الخيرات، ونشر المعارف والعلوم والأخلاق الحميدة، وغير ذلك من الحقّ وأنواره (وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود/ 120).

(يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأعراف/ 35).

(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/ 25).

(وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) (الأعراف/ 94).

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف/ 96).

(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (النحل/ 36).

(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد/ 25).

(فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (النحل/ 35).

(يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) (المؤمنون/ 51).

(تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ) (النحل/ 63).

أجل:

لقد أخبرنا الله في محكم كتابه الكريم عن جملة من أخلاق أنبيائه الكرام – عليهم السلام – فإنّ القرآن المجيد أخذ مساحة كبيرة جدّاً في قصص الأنبياء وبيان بعض أحوالهم الخاصّة والعامّة، ولا سيّما في إبانة أخلاقهم الطيّبة، وذلك في آيات كريمة في سور من القرآن سمّيت بأسمائهم لسرد الحوادث والوقائع التي كانت في حياتهم مع أممهم لتكون عبرة للآخرين، ففي قصصهم لآيات لأولي الألباب.

ومن السور: آل عمران ويونس وهود ويوسف وإبراهيم ومريم وطه والأنبياء ويس ومحمّد ونوح والمزّمّل والمدّثّر.

وكان للأخلاق مدخليّة أساسيّة وواسعة في انتشار الرسالات التي قاموا بتبليغها، فلولا صدقهم وحنانهم وخلقهم الرفيع وصبرهم وحلمهم الوسيع، لما مال الناس إليهم (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159).

ولو طالعنا آيات القرآن الكريم لوجدنا فيها شهادة واضحة وبالغة بحقِّ أخلاق خاتم النبيين محمّد (ص) بقوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4)، كما مدح خليله بقوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) (هود/ 75)، وعند ملاحظة الآيات التي تتعلّق بأخلاق الأنبياء، نجد هناك فروقات وإمتيازات في العرض القرآني بين الأنبياء – عليهم السلام –، ومن وراء ذلك لا محالة أغراض ومقاصد، منها ما تتعلّق بأُممهم ومجتمعاتهم، فالمجتمع الذي أُبتلي بالمفاسد الاقتصاديّة كان نبيّهم يتعامل معهم بأخلاق على ضوء ذلك، كما بعض المجتمعات أُبتلت بالمفاسد السياسيّة، ومنهم بالمفاسد الاجتماعية أو الثقافية وهكذا، فأعطى الله لكلّ نبيّ دوره الخاص ليعالج تلك المفاسد بالحكمة والموعظة الحسنة وبالأخلاق الطيّبة. ومن هذا المنطق وغيره اختلف الأنبياء – عليهم السلام – في تطبيق الأخلاق الإلهيّة، التي هي من أهمّ فلسفة وأركان بعثتهم ورسالتهم، ولكن اشترك الجميع في جملة من الأخلاق، فكان بمنزلة القاسم المشترك في دعوة السماء من آدم إلى الخاتم – عليهم السلام –.

فمن أبرز المشتركات بين الأنبياء قاطبة:

أوّلاً: وهو أساس الأخلاق الفاضلة، كما هو أساس العقيدة الصحيحة، وأساس الفقه النبوي هو التوحيد والإيمان بالله سبحانه وبوحدانيّته وأحديّته، فهذه أوّل دعوة الأنبياء على الإطلاق، ولكن أكثر الناس للحقّ كارهون فكفروا بالله وأشركوا به.

(قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (إبراهيم/ 10-11).

(إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) (فصلت/ 14).

ثانياً: إمتازوا بالصبر والحلم الفائقينِ على تحمل الأذى والمتاعب والمصائب، حتى منهم من نشر بالمناشير، وقال خاتمهم الرسول الأعظم محمّد (ص): "ما أُوذي نبيّ بمثل ما أُوذيتُ".

(وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (إبراهيم/ 12).

(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (الأنعام/ 34). ►

 

المصدر: كتاب أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم

ارسال التعليق

Top