• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العلاقات العميقة

العلاقات العميقة

◄قال الإمام عليّ (ع): "عنوان العقل مداراة الناس"، وعن رسول الله (ص): "المؤمن ألف مألوف ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف"، فالقدرة على الحبِّ والقرب من الآخرين والتعاطف والمساعدة والانسجام والتناغم في العلاقة، وبالمقابل يحصل على التقدير والاعتبار الإيجابي غير المشروط من معظم الناس إذا لم يكن جميعهم، فإن هذا الشخص يتميّز بعلاقات عميقة ومميزة بالمقارنة مع الآخرين.

فعند احتكاك أيّ فرد بمثل هذه الشخصية فإنّه يشْعر بهذه العلاقة الحميمة وبالقرب النفسي، فربّما سائل يسأل: هل ذلك الشخص هو بالفعل يحبني هذا الحبّ القويّ العميق أم أنّ طبيعته هكذا (بين وبين)؟ فيصبح السائل لديه تعجُّب من رقيِّ ذلك الشخص واهتمامه وتفاعله مع الأشخاص المحيطين به، فقد ورد عن رسول الله (ص) في مثل هذه الصفة أنها تدل على رجاحة العقل، وأنها في المرتبة الثانية بعد الإيمان بالله: "رأس العقل بعد الإيمان بالله عزّ وجلّ التحبب إلى الناس".

فهذه السمة من سمات الأفراد المتميزين الذين يتمتعون بثقة، وذلك يكون واضحاً على شخصياتهم، ويشعر به الشخص الذي يتعامل معهم، وبما أنّ التقرب من الآخرين يتطلب وقتاً حتى يكون بمثل هذه الحميمية والقرب النفسي والتعاطف والمساندة، لذلك مثل هؤلاء الأشخاص تكون دائرة صداقاتهم صغيرة، وهذه سمات بعض من يريد أن يكوِّن أصدقاء حقيقيين.

وهناك من يفتقد تلك السمة، وهو ذلك الشخص الذي يفتقد الثقة ويشعُر بالنقص وبعدم القبول للذات، فليس لديه القدرة على استخراج القدرات الكامنة به، فيصبح شخصاً غير متوازن، ولا يقدِّر نفسه التقدير الإيجابي السليم، وعدم تقديره لذاته يجعله ناقماً على ذاته.

فيسأل: لماذا لا أكون كفلان؟ ولِمَ لا أكون وأكون؟، مع العلم أن لديه هذه الملكات، بل ربما يكون أفضل من غيره، ولكن الفرق بينه وبين الآخر أنّه استطاع أن يجيِّر ويسخِّر ويكتشف هذه الطاقات الكامنة، سواءً  كان على المستوى العقلي أو الروحي والوجداني، أو على مستوى المهارات المهنية.

وهناك بعض الأشخاص يصاحبهم التوفيق والسَّداد من الله سبحانه وتعالى بأن يكتشف الآخرين نقاط قوتهم وكفاءتهم، فبعض الأحيان نجد شخصاً يسطِّر لنا مشاعره من خلال خاطره أو شعر، يكتبه بأسلوب سلس وجميل وبعبارات منتقاة، فنكتشف أن ذلك الشخص لديه موهبة أدبية إلا أنّه غير مدرك لهذه الموهبة، وهنا يحاول الآخر أن يكسبه بعض المهارات العلمية إلى أن يستطيع استثمارها بشكل صحيح ويستخرجها من داخله، وذلك بمحاولة التحاقه ببعض الدورات التي تطوِّره في هذا المجال، واقتناء الكتب الشعرية أو النثرية وبعد ذلك سيصبح علماً من أعلام المجتمع.

فهؤلاء الأشخاص القادرين على اكتشاف مواهب وقدرات الآخرين هم أشخاص قادرون على اكتشاف ذواتهم، كما لديهم القدرة على الحبِّ والعطاء للآخرين والتكامل النفسي والترابط الفكري وإجادة فنِّ التواصل مع الآخرين والقرب منهم والتعاطف والمساعدة، حتى مع الشخص المسيء أو السلبي ليحاولوا الارتقاء به.

فدائماً ينظر للشخص المسيء بأنّه شخص مريض، وذلك لأنّه لا يوجد إنسان سويٌّ نفسيّاً تصدر منه بعض التصرفات غير اللائقة تجاه الآخرين، فلابدَّ أن يكون لديه خلل نفسي، وذلك قد يرجع إلى أنّه تربى على نوع من الحقارة أو القسوة أو التهميش والإهمال من الأسرة، وقد يكون لديه خلل هرموني بسبب جينات وراثية، فلذلك تَعدُّه مريضاً.

الشخص الذي لديه تكامل نفسي وثقة بذاته يستطيع أن يقدّر هذه الشخصية المريضة ويتعاطف معها ويساندها، ويضع في اعتباره أنّه بمساندته لتلك الشخصية والتصبّر عليها، سينال الأجر والعوض من الله سبحانه وتعالى بشخص آخر يعوضه ما لقيه من إساءة وأذى، ويجعله على بساط من ذهب، وهذا نوع من التسخير الإلهي والمنح الإلهي جزاءً لرقيه وأخلاقه، حيث إنّه تخلّق بأخلاق الله عزّ وجلّ ورسوله (ص).

فهذا الخلق الراقي يؤجر عليه الإنسان دنيا وآخرة بصُور وأشكال متعددة، فقد يعوض في الدنيا بشخصٍ يحظى منه بالقبول والارتياح، وكذلك قد يكون على مستوى المجتمع، وذلك بالتقدير الإيجابي والقبول غير المشروط من الناس، حتى لو كانت لديه بعض الهفوات البسيطة، فالمجتمع يتجاوز عنها؛ لأنّ الغالب على شخصيته الجانب الإيجابي، كما يقول الإمام عليّ (ع): "من كثر جميله أجمع الناس على تفضيله"، وكما قال (ع) أيضاً: "من أكثر من شيء عرف به".►

 

المصدر: كتاب تعلم فنون التواصل وإدارة الضغوط

ارسال التعليق

Top