• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تقوى الله.. أساس وحدة المسلمين

عمار كاظم

تقوى الله.. أساس وحدة المسلمين

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 102-104).

يدعو الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات الكريمة المسلمين جميعاً إلى أن يفكّروا بالتقوى بكلّ درجاتها ومواقعها، وذلك بأن يجعل المؤمن الله نصب عينيه فيكون الله تعالى عقلاً في عقله فلا يحرّك عقله إلّا بما يُرضي الله، لأنّ الله يُراقب الإنسان في حركة عقله كيف يحرّكه في نفع الناس أو في الإضرار بهم، لأنّ بعض الناس.

على الإنسان أن يتقي الله في نبضات قلبه، أن يحبّ مَن يحبّه الله ويبغض مَن يبغضه الله، أن لا تكون محبته لمن يبغضه الله، وأن لا تكون بغضاؤه لمَن يحبّه الله، وقد ورد في الحديث: «إذا أردت أن تعرف نفسك فانظر قلبك، فإن كان قلبك يوالي أولياء الله ويعادي أعداء الله ففيك خير والله يحبّك، وإن كان قلبك يوالي أعداء الله ويعادي أولياء الله فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع مَن أحب». وقد ورد في حديث الإمام الصادق (عليه السلام): «وهل الدِّين إلّا الحبّ»، يُعرف دينك من خلال مَن تحبّ وما تحبّ.

ولابدّ أن تتقي الله وتراقبه في كلّ قول وفعل ومعاملة وعلاقة وموقف، وهذا هو معنى (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)، كما يجب وينبغي أن يُتقى، وقد ورد في الحديث: «خف الله كأنّك تراه ـ بحيث تستشعر إنّ الله أمامك وأنت تعصيه، ألا تخاف منه؟ ـ فإن لم تكن تراه فإنّه يراك»، وهو يُراقبك ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فلا يكن الله أهون الناظرين إليك. المطلوب أن تستمر هذه التقوى، ولتكن كلّ حياتك إسلاماً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، فعليك أن تحافظ على إسلامك أكثر مما تحافظ على مالك لأنّ الإسلام يمثّل المصير.

ثمّ يؤكّد الله تعالى على الوحدة بين المسلمين، في قوله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً)، وحبل الله هو القرآن والإسلام، والاعتصام بكتاب الله أن نتمسك بكلّ مفاهيمه العقيدية والشرعية والحياتية، بحيث لا يتحرّك الإنسان في أيّ فكر أو خطّ إلّا إذا وجد ذلك في كتاب الله، فاجتمعوا جميعاً على حبل الله (وَلا تَفَرَّقُوا) بأن يتخذ كلّ واحد منكم مذهباً غير ما يتخذه الآخر من مذهب، وتتفرقوا على كتاب الله وسنّة رسول الله، بل عليكم أن تتوحدوا بهما. وقد أكّد الله هذه الوحدة الإيمانية على الرُّسل لأنّ الرسالات واحدة وإن اختلفت في بعض التفاصيل، وقد خاطب الله تعالى الرُّسل كلّهم منذ عهد آدم (عليه السلام) إلى عهد النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ـ ولكن أتباعهم لم يلتزموا بذلك ـ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (المؤمنون/ 52-53). (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً) وهذا كان في عهد الدعوة الأولى عندما كان أهل المدينة متفرّقين بين عشيرتي الأوس والخزرج (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) ـ عندما دخل الإسلام إلى قلوبكم تآلفتم ـ (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) لأنّ الله تعالى عقد الأخوة بين المسلمين وحمّلهم مسؤولية إصلاح ذات البين إذا اختلفوا فيما بينهم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم) (الحجرات/ 10)، (وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ ـ من خلال الكفر الذي يؤدي بكم إلى السقوط والنزاع والاختلاف ـ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران/ 103).

ارسال التعليق

Top