• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العمل.. شرف وكرامة

عمار كاظم

العمل.. شرف وكرامة

إنّ العمل وإن هان فإنّه شرف للإنسان وكرامة، وخير له من أن يسأل الناس ويعيش كلاً عليهم وإلى ذلك يشير الحديث الشريف: «لئن يأخذ أحدكم حبله، فيذهب به إلى الجبل فيحتطب ثم يأتي به فيحمله على ظهره خير له من أن يسأل الناس»، ويقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه».

إنّ الإسلام لا يرضى للمسلم أن يعيش عالة على الغير، ولا يسمح له أن يترك الكسب ويتكل على الدعاء ليرزقه الله من غير عمل، فقد جاء في الحديث الشريف: «إنّ الله يكره العبد فاغراً فاه يقول: يا ربّ ارزقني». إنّ الله تعالى خلق الأشياء وربطها بأسبابها الطبيعية، وليس للإنسان أن يترك ذلك لأنّه يلزم منه الإخلال بالنظام وعدم استقامة الحياة. قال سبحانه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة/ 9-10). نرى من خلال هاتين الآيتين الكريمتين أنّ الله سبحانه وتعالى أمر المسلمين بالعبادة كذلك حرّضهم وحثّهم على الجسد والكسب والعمل، وأن لا يكونوا متكاسلين عن طلب الرزق والعلم والتقدم. إذ أنّ دين الإسلام ليس دين العبادة فحسب، بل هو دين الحياة، ودين العمل، ودين الجهاد والسعي، ودين العزة والكرامة. من الواجب أن يكون الإنسان جاهداً عاملاً في وسعه لارتقاء حياته من حسن إلى أحسن، وهذا ما نراه من (دستور) الإسلام العظيم وهو القرآن الكريم، إذ أمر بعد أداء فريضة الصلاة، الانتشار في الأرض، والسعي في طلب الرزق، ولا يرضى الإسلام بإهمال الحياة ويكتفي المسلم بالتقشف والزهد، ويقول: «ربّي ارزقني من فضلك، وانزل عليَّ مائدة من السماء».

إنّ الإسلام يعتبر العمل جهاداً في سبيل الله، ويعتبر الجهد الذي يبذله المسلم في سبيل إعالة عائلته من أفضل الطاعات والقربات فقد روى زكريا بن آدم عن الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنّه قال: «الذي يطلب من فضل الله ما يكفّ به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل الله». واجتاز النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه جماعة من أصحابه برجل، فرأى الصحابة من جده ونشاطه ما أعجبهم فالتفتوا إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا له: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ فأجابهم (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن كان خرج يسعى على ولده فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه فهو في سبيل الله».

إنّ السعي للإنفاق على النفس، وعلى الأبوين وعلى الأولاد من العمل في سبيل الله، بل من أفضل أنواع العبادات والطاعات. إنّ الإسلام يعتبر العمال أعظم أجراً من المجاهدين، وقد قدمهم القرآن الكريم في الذكر على المجاهدين قال الله تعالى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) (المزمل/ 20). وكم في هذا التقديم من معاني التكريم والتبجيل والتقدير، لقد اعتنى الإسلام بالعمل عناية بالغة فاعتبره جهاداً في سبيل الله، لأنّه أراد للمسلمين أن يعيشوا عيشة هانئة يسودها الخير والرفاهية، ولن يظفروا بذلك إلّا إذا عملوا في حقل هذه الحياة.

ارسال التعليق

Top