• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التفكير في الوقت المبكر

التفكير في الوقت المبكر
◄إنّ التفكير مهارة فُطر عليها الإنسان، فالله سبحانه وتعالى عندما خلقه وسواه أعطاه من الإمكانيات والقدرات ما يجعله قادراً على التفكير والتفكر، ولكن كعادة أي فطرة خلقها الله تعالى في الإنسان إذا لم تمارس ولم تراعَ جيداً وتستخدم فإنّها تموت، إذن فالتفكير عمل ونشاط ذهني لابدّ أن يمارسه الفرد منا في حياته اليومية، وفي كلّ شؤون حياته.

فالله سبحانه وتعالى يمدح المتفكرين في الكون، الذين ينظرون للأشياء حولهم نظرة تأمل، فالتفكير يجعلك قادراً على رؤية بديع صنعه، وجمال خلقه، وإبداع ملكوته، فقال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ) (آل عمران/ 190)، ثمّ وصف أولئك الألباب "الذين يتفكرون في خلق السماوات".

فأخذ الإنسان نفسه وحملها على التفكير أمر ضروري لكي يصبح من عاداته، فقصة الحسن والحسين خير شاهد على صبيان تربيا على التفكير، قصتهما مع الرجل الذي لا يحسن الوضوء، كيف استطاعا أن يفكرا في طريقة يخبرا بها الرجل عن الوضوء الصحيح دون أن يغيرا قلب الرجل عليهما لفارق السن بينه وبينهما، فقرر الاثنان في سرعة عجيبة ومعالجة متناهية في الدقة لهذه المشكلة الدعوية في لحظة وقوعها، إنّما يدل على عقول تربت على التفكير بمهاراته المختلفة.

فكانت رسالة رقيقة نتعلّم منها ونعلمها لصغارنا... كيف يفكرون في مشكلاتهم.. حتى ينتج جيل مفكر. ونلاحظ أيضاً أنّ التفكير كان ولا زال من سمات الناجحين والمبدعين والمخترعين...

·      فإسحق نيوتن وقعت أمامه التفاحة من أعلى الشجرة كما تقع أمام غيره ولكنه.. فكر أينشتين انكسرت زاوية أشعة الشمس فوق عينيه النصف مفتوحة مثل غيره.. فالمشهد يتكرر مع الكثيرين، ولكنه... فكر.

·      والصحابي الشاب "سلمان الفارسي" الملقب بالباحث عن الحقيقة وصل إلى النبيّ (ص) واعتنق الإسلام لأنّه ... فكر.

·      وسيدنا إبراهيم ظل يفكر حتى هداه الله.

ونجد الإنسان الذي يفكّر، طاقته موفورة.. وعمله مثمر... والذي لا يفكّر خامل النشاط...

بطيء الإنتاج.

فالحياة حولنا مليئة بالأسرار، والكون يدعونا للتفكّر، والعقل قادر على البحث فيها والعبور من خلالها.

لذا كن ذا خيال واسع.. فالله تعالى يقول: (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) (الأنعام/ 50)، حثٌ ونداء إلى التفكير والإبداع والابتكار والتأمل والتذكر والاتعاظ.

وكما يقال: "انشغلنا بعيوب غيرنا وتركنا عيوبنا".

"إذا كنت تصدر الأحكام على الناس فلن يكون لديك الوقت لكي تحبهم".

وكم من أب فقد الحوار مع أبناءه لأنّه يرى عيوبهم ولا يحدثهم إلّا ناقداً لهم، ويطيل النظر في سلبياتهم دون أن يلتفت لشخصياتهم ووجهة نظرهم، ورؤيتهم، وبيئتهم، والجواب الإيجابية فيهم وكم.. وكم...

لو كلّ إنسان منا خلع عن عينيه نظارة العيوب، واستبدلها بنظارة لا يرى بها إلّا ميزات الآخرين ونقاط قوتهم؛ لتغير حالنا إلى أفضل الأحوال.

فالنبيّ (ص) يخبرنا عن التماس الأعذار وتقبل الأخطاء، والنظرة الإيجابية نحو المرأة "لعلك إن كرهت منها خلقاً رضيت منها آخر".

لا تنظر إلى أخطائها ولا على ضعفها ولكن تصيّد لها مواقف الحياة الناجحة، واشكرها واثن عليها وكن هكذا مع ابنك وابنتك وصديقك وجارك وأخيك وأبيك وأُمّك...

كلّ مخلوق في هذا الدنيا.. ميّزه الله عن غيره بشيء لربما نجهله لحكمة يعلمها الله عزّ وجلّ...

فلا تك ناقداً لاذعاً..

إن انتقدت ابنك في تصرف سيِّئ، فانتقد تصرفه بحكمة، وأخبره أنّك تقبله هو ولكن لا تقبل تصرفه.. وهكذا إن انتقدت أخاً لك فانتقد نقداً إيجابياً، الهدف منه التوجيه والنصح بكلمات رقيقة عذبة حانية؛ تقصد بها وجه الله.

"امتدح جهراً... وانتقد سراً".

"ليس اللوم على مَن لا يقبل النصيحة.. وإنّما على من يقدمها بأسلوب غير مناسب".

إذا انتقدت أحداً فاجعل كلماتك تعزيزاً لهمته، ورفعاً لإحساسه بقدراته، ولا تكن حجر عثرة بينه وبين النجاح فكما قيل "المرء لا جلده يلبس، ولا لحمه يؤكل.. فماذا فيه غير حلاوة اللسان".

فلنجعل لساننا دائماً يُخرج الطيب لإخواننا، لنكن محفزين لهم، مشعلين لفتيل طاقاتهم الكامنة.

فالله تعالى يقول: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) (إبراهيم/ 24-25).

لا تك من أعداء النجاح.. الذين ينزعجون لنجاح الآخرين.. ولا تك من الذين يفترضون المثالية في جميع الناس.

·      يريد من زوجته أن يكون بيتها نظيفاً 24 ساعة 100%.

·      يريدها أيضاً أن تبقى أطفالها نظيفين متزينين على مدى اليوم... وإن زاره ضيوف افترض أن تطبخ أحسن الطعام.

·      إن جالسها أفترض أن تحدثه بأجمل الأحاديث، وكذلك هو مع أولاده.. ومع زملائه.. ومع كلّ مَن يخالطه في الشارع وفي السوق و.. و...

·      وإن قصر أحد من هؤلاء أكله بلسانه، وأكثر عليه الانتقاد، وكرر الملاحظات.. حتى يمل الناس منه. لأنّه لا يرى في الصفحة البيضاء إلّا الأسود..

"قدم النصيحة.. بشكل اقتراح".

مَن كان هذا حاله عذّب نفسه في الحقيقة.. وكرّهه أقرب الناس إليه واستثقلوا مجالسته...

مَن راقب الناس مات هماً.

ويقول الشاعر:

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذا *** ظمئت، وأي الناس تصفوا مشاربه

إذا كنت في كلّ الأمور معاتباً *** رفيقك لن تلق الذي ستعاتبه

سبحانه الله!! والله يقول: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) (الأنعام/ 152).

انظر إلى حال النبي (ص) فالله تعالى يقول: "لقد كان لكم في رسول الله قدوة حسنة".

تقول عائشة وهي تصف حال تعامل النبيّ (ص) معهم: "ما عاب رسول الله (ص) طعاماً قط... إن اشتهاه أكله وإلّا تركه".

"كن كالنحلة تقع على الطيب وتتجاوز الخبيث ولا تك كالذباب يتتبع الجروح".

وإليكم هذه القصة..

قُدِّر لنسر من النسور أن يعيش بين الدجاج يأكل كما يأكلون ويشرب كما يشربون ويحيا كما يحيون، وبينما يتقلب فيما هو فيه نظر إلى السماء فشاهد نسراً يحلق في السماء فحوّل نظره إلى نفسه، وأخذ يكرر النظر مرة أخرى وبدأ يقارن بينه وبين النسر الذي يحلق في السماء فوجد أنّ الشكل واحد فطرح سؤالاً على الدجاج قائلاً: "إنّه يشبهني إنّه مثلي أليس كذلك"؟

لكن الدجاج من حوله أقنعه بأنّه لا يوجد أي شبه، بل هو واحد منهم.. فقنع بما قيل له فعاش نسراً ومات دجاجة...

"إنّ الألفاظ هي الثياب التي ترتديها أفكارنا... فيجب ألا تظهر أفكارنا في ثياب بالية". (لورد تستر فيلد)

"قبل أن تنتقد أحداً، امش بحذائه مسافة ميل". (سارة جاكسون) ►

 

المصدر: كتاب الكفاح بريد النجاح

ارسال التعليق

Top