• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

نهضة الحسين (عليه السلام).. ينبوع الثورات

عمار كاظم

نهضة الحسين (عليه السلام).. ينبوع الثورات

كان الحسين (عليه السلام) رمزاً للتضحية والفداء، لقد ضحّى بكلّ شيء في وقت واحد، فهو قد جسّد المفهوم الحقيقي للتوحيد. كانت حركته (عليه السلام) كحركة الأنبياء (عليهم السلام)، فقد كان يريد (عليه السلام) أن يغيّر الكيان الجاهلي، ليبني مكانه القيادة الإسلامية الرشيدة، وهذه هي الحالة الجذرية.

إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لم ينتهِ ولا يمكن أن ينتهي، وثورته ممتدة، حيث جسّدت ثورته (عليه السلام) في نهضتها قيّم ومبادئ حقوق الأُمّة ومنها الإصلاح، حيث أكّد فيها على ضرورة الاهتمام بإصلاح شؤون الأُمّة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية من خلال توعية الأُمّة بمواصفات الحاكم العادل القائم بالعدل الذي يسوس الناس بالقرآن والسُّنة ويحترم آرائهم ومعتقداتهم ويؤمن بالشورى في الحكم. فالإصلاح الكامل هي صفة من صفات الأنبياء (عليهم السلام)، فهم يسيرون على خطّ واضح وعلى بصيرة واضحة.

 إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) يعتبر ثورة كبرى، انتصر فيها بدمه الطاهر على سيف أعدائه وذلك من خلال ما جرى في أرض كربلاء وواقعة الطف. الحسين (عليه السلام) ثار مِن أجل مرضاة الله، وما دام الله خالق الجميع، فكذلك ثورة الحسين (عليه السلام) لا تختصّ بأحدٍ معيّن، بل هي لكلّ خَلْق الله... المظلومون والمضطهدون والمقهورون والمروَّعون من كلّ المذاهب والبقاع.. يتوجّهون في كلّ رغباتهم إلى جوهر ثورة الحسين (عليه السلام)، ففي اتّجاههم الفطريّ ورودٌ إلى منبع الكرامة والإنصاف والعدل والأمان. وما دامت قد تعيّنت ماهيّة ثورة الحسين (عليه السلام) بهذه (المعاني).. أفَلا يَجدر اعتبار الحسين شهيداً: للإسلام والمسيحية واليهودية، ولكلّ الأديان والعقائد الإنسانية الأخرى؟! قال قسّيس مسيحي: لو كان الحسين لنا، لَرفعنا له في كلّ بلدٍ بَيْرقاً، ولنصَبنا له في كلّ قريةٍ مِنبراً، ولَدَعونا الناس إلى المسيحية باسم «الحسين».

إنّ الحسين (عليه السلام) عندما انطلق، درس كلَّ واقع الأُمّة، ودرس شخصية الحاكم، وذلك عندما تحدّث مع أمير المدينة، ليقول له: «إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، بنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله»، وقوله «مثلي»، لا ينطلق من خلال خصوصية الحسين (عليه السلام)، بل إنّه يريد أن يقول: مثلي، أنا الذي التزم خطَّ الله ورسوله، أنا الذي التزم الإسلام، وأحمل مسؤولية الأُمّة في استقامتها، وفي تحقيق كلّ أهدافها على أساس الرسالة. وكأنّ الحسين (عليه السلام) يقول للمسلمين: مثلكم في كلّ تاريخ، وفي كلّ حاضر، وفي كلّ مستقبل، لا يبايع حاكماً مثل يزيد، بل لابدّ من أن يبايع حاكماً يحمل رسالة الإسلام، كالحسين (عليه السلام). لم يكن الحسين (عليه السلام) يتحدّث شخصياً، بل كان يتحدّث على أساس الصورة الرسالية للحاكم.

ثم نقرأ في كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) عن بني أميَّة آنذاك: «واتّخذوا مال الله دولاً»؛ إنّه يتحدّث عن الحاكم أو الحكّام الذين يتداولون بأيديهم أموال الأُمّة، التي هي أموال الله تعالى، التي جعل لها مصرفاً لكلِّ حاجات الأُمّة، ولم يرخّص لأحد أن يستغلّها، كما قال الإمام عليّ (عليه السلام): «لو كان المال لي لساويت بينهم، فكيف والمال مال الله؟!». ثم قال الحسين (عليه السلام): «وعباده خولاً»، أي أنّهم استعبدوا الناس في واقعة (الحرّة)، إذ كانت التعليمات لوالي المدينة أن يسترقَّ أهلها، وأن يستعبدهم.

تلك كانت العقلية والذهنية التي يعيشها أولئك الطُّغاة والظالمون. ولذلك، فإنّ الواقع السياسي، والواقع الاجتماعي، والواقع الاقتصادي، وما إلى ذلك، مما كان في زمن الإمام الحسين (عليه السلام)، هو الذي دعاه (عليه السلام) إلى الثورة لأجل إصلاحه، ولابدّ لنا من أن ندرس كلّ ذلك، وأن نقارن بين ظروفنا في ما يشبه تلك الأوضاع وظروف تلك المرحلة.

ارسال التعليق

Top