• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الخوف.. دافعك إلى النجاح أحياناً

الخوف.. دافعك إلى النجاح أحياناً

 

◄لكلّ واحد مخاوفه.. وبعضها يولد معه والبعض الآخر يتكون في الطفولة المبكرة. وهذه المخاوف تؤثر في الحياة إما تأثيراً طيباً وإما تأثيراً سيئاً.

إنّ الخوف قوة نافعة إذا ما جعلنا نتعرف الأخطار الطبيعية ونتجنبها. وها نحن نُعلم أطفالنا أن يبتعدوا عن النيران والمرتفعات والمنخفضات الخطرة. لا لنجعل منهم خوافين جبناء. بل لنعينهم على التمييز بين المخاوف الحقيقية والمخاوف الوهمية.

يلعب الخوف دوراً كبيراً في نجاح أعمالنا وعلاقاتنا الاجتماعية والشخصية أو فشلها فهو حليفنا إذا دفع الواحد منا لأن يبذل مجهوداً طيباً في سبيل أن يكون زوجاً أو أباً أو مواطناً صالحاً! وكم كان خوفنا من عدم تحقيق آمال من نحبهم أو نحترمهم حافزاً لجهودنا لنكون عند حسن ظنهم!

على أن هنالك مخاوف وهمية. لا حقيقة لها على الإطلاق، فهي من اختراع خيالنا ولا تقوم إلا في عقولنا. فإن نحن غذيناها بالقلق اشتدت وأثرت في حياتنا تأثيراً ضاراً مشئوماً قد يودي بالحياة. فهذه سيدة تتبادل وزوجها الحب والإخلاص ابتدأت تتوهم أن زوجها يهمل أمرها، ... فهو لا يأتي إلى بيته في المواعيد المعتادة من قبل ولا يذكر أين يقضي وقت فراغه.. فلم يكن لهذا التغيير عندها من معنى إلا أن أنصرف عنها إلى غيرها. وكان لها أن تتجسس عليه أو تصارحه برأيها ولكن كبريائها أبت عليها ذلك... وأخيراً أشتد خوفها من أن تفقد حب زوجها لدرجة أن دفعها اضطرابها العقلي إلى الانتحار... ولم يكن لخوفها من أساس، فإن زوجها لم يكن يصرف وقته إلا في دراسة تعده لمركز أفضل... وكان يريد أن يفاجئ به زوجته عند إحرازه...

الخوف يلد خوفاً – قد يساورك القلق، فإن أفسحت له المجال وتحول إلى خوف حقيقي، وجدت نفسك قلقاً من جهة أمور أخرى وهكذا، وإذا بك تجد نفسك أخيراً وقد غمرك شعور شامل بالخوف والتشاؤم.. وكلما تزايد الخوف أحسست بأن هنالك خطراً يهددك، ولا تدري ما هو، لأنك لا تستطيع أن تدركه أو تحققه.

على أن انتصارك على أحد المخاوف يشجعك على أن تتغلب على غيره، وبذا تصبح أقل قابلية للخوف على وجه العموم.

أنت وحدك بطل المعركة قلق عابر ساورك، غذيته فترعرع وأصبح خوفاً وهمياً، يسيطر على حياتك.. فأنت وحدك الذي بنيته وأنت وحدك الذي تهدمه.. وسبيلك إلى ذلك أن تتعرف أوّلاً ما هي علة خوفك فتتبعه من أوّل قلق ساورك إلى سلسلة الحوادث التالية التي أقامت بنيانه. وهنا يمكنك أن تقرر ما إذا كان خوفك حقيقياً أو وهمياً ثم واجهه بشجاعة حقة بأن تعمل الشيء الذي تخاف أن تعمله، لا مرة واحدة فقط، بل عدة مرات...

وقد يحدث الخوف أعراضاً مرضية كالصداع أو اضطراب المعدة للتخلص من المواقف التي تخافها، وهنا يجب أن تواجه هذه المواقف بالرغم من الأعراض التي تعانيها.. فإن أوّل عمل إيجابي تقوم به سينقص من أعراض الخوف.. وكلما تغلبت على نوع من المخاوف تهيأت لمواجهة غيره وأنت تستشعر في نفسك ثقة بالانتصار، وروحاً جريئة تدفعك إلى اتيان أعمال الشجاعة.

حاجتك إلى المعونة – قد تكون هنالك مخاوف تأصلت في نفسك من الطفولة وقد تعجز عن التعرف إليها وبالتالي عن مواجهتها والتغلب عليها، فلابدّ لك من الاستعانة بخبير نفسي.

وأخيراً هل تريد الحياة كاملة سعيدة؟ استأصل منها الخوف.. فالعالم بحاجة إلى شجاعتك لأنها تجعل منك عاملاً لخيره وسعادته!

 

المخاوف وعلاجها:

لا تستطيع أن تتجاهل الخوف أو تهرب منه، بل يجب أن تواجهه وتحاربه وإلا صرت عبداً له، فيجعل منك جباناً كاذباً ضعيفاً خجولاً وبالتالي كائناً بشرياً تعساً غير موفق في الحياة. أما إذا تغلبت عليه، فإنك تحرز الشجاعة والثقة بالذات اللذين لا غنى لك عنهما للنجاح في عملك والتوفيق في صداقتك وزواجك.

ونورد هنا بعض المخاوف الشائعة وكيفية علاجها:

أولاً- الخوف الجنسي:

يسبب كثيراً من التعاسة الزوجية وينشأ عن:

1- عن تربية الطفل على النظر إلى الغريزة الجنسية باعتبارها أمراً شاذاً – مع أنها عنصر طبيعي هام في كيانه الجسمي والعاطفي – وإشعاره بأنه آثم إذا ما أبدى حب استطلاع طبيعي.

2- عدم تلقين الأولاد والبنات وهم يكبرون الثقافة الجنسية الكافية لإعدادهم للحياة البالغة والزواج.

3- الاختبارات المكدرة والمفزعة في الطفولة.

العلاج: لما كان الجهل أكبر علة للخوف الجنسي، كانت المعرفة خير علاج فينبغي الإجابة على أسئلة الأطفال عن الحياة الجنسية بكل بساطة وحالاً، كما يجب أن يتلقوا ثقافة مستمرة عن الشؤون الجنسية والزوجية تتوافق مع أعمارهم ولا تخدش أخلاقهم. ويحسن بالشخص البالغ إذا ما رأى إلمامه بالحياة الجنسية ناقصاً أو أنّه غير موفق في حياته الزوجية أن يلجأ إلى معونة طبيب نفسي أو باطني.

ثانياً- عدم الأمان:

تخاف فقدان وظيفتك، لئلا تعجز عن القيام بمطالبك ومطالب عائلتك. على أن خوفك من فقدان وظيفتك يمس تقديرك لنفسك ويدل على قلة كفاءتك وعدم رضاء رؤسائك عندك وعدم توافقك مع زملائك. وقد يتبع ذلك أن تصبح كثير الشكك، فيتأثر عملك تأثراً سيئاً، فتزداد مخاوفك شدة.

العلاج: تحقق أوّلاً من إذا كنت حقيقة مهدداً بفقدان وظيفتك. فقد يكون جفاء رئيسك وقلق زملائك أمراً عارضاً. واجه خوفك وأطلب من رئيسك تقديراً لعملك ومستقبلك. فإذا كان لخوفك ما يبرره. فلا تضيع وقتك في الرثاء لحالك أو إلقاء اللوم على غيرك. بل حاول أن تتعرف على فشلك في هذه الوظيفة حتى لا تتكرر نفس الأخطاء في وظيفة جديدة وتكون عائقاً لنجاحك فيها.

ثالثاً- خوف الموت:

تخاف الموت لأنك لا تفهمه فنحن لا نستطيع أن نرى هذا العدو أو نقاومه. وإذا ما اختطف الموت أحد أقاربك مزق أنموذج الحياة المألوفة، وأتلف الخطط التي رسمتها للمستقبل وأفقدك الباعث على العمل والحياة أيضاً.

العلاج: إنّ الخوف من الموت لن يكون له وجود، إذا كنت صاحب إيمان روحي قوي بأنّ الموت ليس النهاية، بل هو بدء اختبارات جديدة تفوق فهمنا الحالي. ولن نستطيع إزالة خوفك من الموت إلا إذا فهمت وقبلت المعنى الروحي للموت. ولن تتمكن من التغلب على الحزن إلا بالتحوُّل إلى خدمة أولئك الباقين على قيد الحياة.

رابعاً- خوف الشيخوخة:

قد يكون الخوف من الشيخوخة خوفاً من عدم الأمان، لأنّ الشيخوخة لدى الكثيرين مرادف للفقر والاتكال على الغير وفقدان التسليات والراحة، وهجر الأصدقاء والأقارب. على أن خوفك من الشيخوخة قد ينشأ عن شعورك بأنك لم تحي الحياة كاملة. فإذا كانت خيبتك وفشلك وفرصك الضائعة وانهزاماتك تزيد على انتصاراتك، فإنك ترى في الشيخوخة عدواً يسلبك الفرصة السانحة لإصلاح أخطائك وتعويض نفسك عما فاتك.

العلاج: يمكن التغلب على الخوف من الشيخوخة بتأسيس مواردك وأنت شاب نشيط. فعليك وأنت شاب أن تتهيأ مالياً للسنوات المتأخرة من الحياة ومتى صرت شيخاً ينبغي أن تكون قد أحرزت من الاختبار والدراية بالحياة، ما يجعلك مصدر حكمة وعزاء للشباب. وطالما كنت ذا نفع للآخرين، فإنك لن تشعر بأي هجران. وإذا أنت عشت كلّ يوم من أيام حياتك حياة كاملة فإنّك تستطيع أن تواجه الشخوخة بلا حزن ولا خوف ولا حسرات.►

 

المصدر: كتاب فن التعامل مع الناس

ارسال التعليق

Top