• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الفاكهة أجمل من كل الورود

الفاكهة أجمل من كل الورود
◄هذا الليل الصيفي، أستسلم له كثمار الأشجار. أضع على الطاولة صحن فاكهة، كلوحة ألوان من دراق مخملي وكرز زهري وبطيخ أحمر، مع جبنة بيضاء، وأتفرج على مسلسل تلفزيوني قديم، وخلفي مروحة هواء تدوروتدور لتنعشني، فأنتعش بالذكريات. هي العودة إلى طفولة تدور وتدور، ويدور بي الزمن، من عمري الخمسيني إلى عمر العاشرة، حيث كنا نجلس للعشاء، وتظلنا شجرة توت وشجرة تين، وعلى الطاولة بطيخة حمراء وجبنة بيضاء، وحولها خمسة رؤوس من أطفال هم إخوتي حيث يُشرشر البطيخ الاحمر على ثيابنا. بعد العشاء الفقير والغني بفاكهتنا، كانت أمي تلملم البذور السوداء للبطيخ. لـ"تقزقزها"، وما تبقى من قشور البطيخ تطعمه لحمار الجوار المُنتظِر حصته من الأحمر والأخضر من بطيخة الصيف.. نحن الكرماء كما الطبيعة التي تكرمنا بكرمها وكرومها. يا بهجة العنب فوقنا وعناقيده.. العنب الذهبي الفضي الخجول، المنطوي على نفسه، الذي ينعقد لأجلنا، فنحرره من عقده ونقطفه ليتدحرج حبة حبة. إنّها الحياة بالفاكهة ومواسمها. هي الحياة التي أنتظرها مع وصول كل فصل. فأنا لا أستقبل الفصول إلا من بوابة أشجار الفاكهة. وكم أنحاز إلى الشجرة المثمرة أكثر من الوردة المعطرة.. وأنحاز إلى عالم الفاكهة أكثر من مجتمع الزهور وكل عشائر الورد. الفاكهة عائلتي الأولى. الكستناء، مثلاً، هي فاكهة الشتاء التي بكل فرقعاتها بين الجمر، تجعلنا أكثر دفئاً من النار. التوت الربيعي، بكل حباته السوداء والحمراء والبيضاء، أتلذذ به أكثر من كل قصائد الشعراء عن الحرية والحب. مع عصير التوت ينتابني شعور الحرية في البرية. لا شيء أشهى من التفاح الأحمر، وقضمته الصباحية كدواء لداء كالحب، والذي يجعل الندم يعض على أصابعه ندماً على عمر مضى بلا تفاح الصباح. هو اللوز الضاحك بلا شفاه، يدعونا لنشاركه القهقهة في الربيع تارة، والثرثرة معه تارة أخرى في سهرة شتوية. أيها الجوز، لك الخلود في ذاكرة الأعراس والمواليد والأعياد. الخروب اليابس المطحون، الذي يصير دبساً سكرياً، يتألق على المائدة، مزهواً بسواده، كأنّه ليل عاشق لا يرغب في قمر سوى الطحينة البيضاء فيزداد الدبس أناقة وحلاوة. ليس صيفي يغمرني بعباءته السوداء كالخوخ، لأتذكر حياة بيضاء كقلب الصنوبر. ليل صيفي كنخلة من الفاكهة الأرض تظللني، فأصبح تمراً وثمراً.►

ارسال التعليق

Top