• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أسباب أخرى للاكتئاب

أسباب أخرى للاكتئاب

عزيزي.. هل تعاني حالياً من شعور بالإحباط والاكتئاب؟ وإذا كان هذه هو حالك الآن.. فما السبب في ذلك؟

للإجابة على هذه التساؤلات نقدم عرضاً لبعض الجوانب وراء الإصابة بالإحباط والاكتئاب نتيجة للتعرض لظروف خارجية تتسبب في اضطرابات الإتزان النفسي، وتؤدي في النهاية إلى حدوث الاكتئاب.

 

الاحتراق والملل والإجهاد:

ظهر في التصنيفات الحديثة للطب النفسي (التصنيف العاشر للأمراض والاضطرابات النفسية الصادر عن منظمة الصحة العالمية) تحت عنوان "المشكلات المصاحبة للتعامل مع صعوبات الحياة" حالة مرضية أطلق عليها مرض الاحتراق Burnout Syndrome وتعرف أيضاً على أنّها حالة الاكتئاب الناتج عن الملل والإجهاد Exhaustion، وتتميز هذه الحالة بشعور بالملل والإجهاد والتعب، وعدم القدرة على الاستمتاع أو الاستفادة من الترويح، وعدم القابلية للقيام بالعمل، أو الإقبال على الحياة، وكان أوّل من وصف هذه الحالة هو عالم النفس "كيل" سنة 1991 وذكر أنّ حالة الاحتراق أو مرض الاحتراق يتميز بما يلي:

-         أعراض نفسية مثل فقدان الحماس وعدم القابلية للعمل أو القيام بالمسؤوليات والنفور من أنشطة الحياة المعتادة وعدم الانسجام على المستوى الشخصي أو مع زملاء العمل والشعور بالقلق والضيق والعدوانية وعدم الصبر والعصبية وسرعة الاستثارة كما تبدو على الشخص في هذه الحالة مظاهر التعب البدني والإجهاد الذي يمنعه من القيام بأي عمل.

-         أعراض بدنية ومنها اضطراب النوع وفقدان الشهية ونقص المناعة لمقاومة الأمراض وشكاوى بدنية من القيام بأي عمل.

ومن أمثلة هذه الحالات الأشخاص الذين يصابون بالملل نتيجة لرتابة الأعمال التي يقومون بها أو نتيجة للركود في محيط العمل وعدم وجود أي حوافز أو ما يدفع على التجديد والإبداع والنشاط في العمل الذي يقومون به ومثال على ذلك الموظفون الذين يقومون بأعمال روتينية مكررة ومدرسون الذين يأدون عملهم دون حماس لأنّهم لا يحبون مهنتهم والعمال الذين يتواجدون في مواقع منعزلة ويعملون تحت ضغوط وظروف عمل قاسية وقد يدفع الملل هؤلاء إلى ترك أعمالهم أو التقاعد في موعد مبكر.

 

الانفعالات المكبوتة.. هل تسبب الاكتئاب؟

يكون مصدر القلق والتوتر والاكتئاب لكثير من الناس عدم قدرتهم على التعبير عن انفعالاتهم في وقتها، ويتم كبت هذه المشاعر فتؤدي عندما تتراكم في النهاية إلى آثار سلبية على الصحة النفسية لذلك فإنّنا دائماً نشجع التعبير عن المشاعر والانفعالات بحرية وعدم كبتها حتى لا تتسبب في الاضطرابات النفسية وهذه النصيحة يوجهها الأطباء النفسيين للمرضى بالعيادة النفسية وللأصحاء أيضاً ولمعرفة كيفية التعبير الصحيح عن المشاعر والانفعالات في مواقف الحياة المختلفة فإنّني أقدم لك – عزيزي القارئ – هنا هذا المقياس البسيط للتعبير عن الانفعالات وهو يتعلق بتأكيد الذات والثقة بالنفس من خلال بعض المواقف التي تمرّ بكلّ منا في كثير من مناسبات الحياة أسلوبنا في التعامل مع هذه المواقف.

والآن – عزيزي القارئ – يمكن أن تبدأ بقراءة هذه الأسئلة التي تدل على قدرتك على التعبير عن انفعالاتك ومشاعرك وتتعلق بثقتك بنفسك والمطلوب منك أن تجيب على كلّ منها (نعم)، (لا)، وأهمية هذا المقياس هي أنّه يكشف لك عن الأسلوب الذي يجب أن تعبر به عن مشاعرك وانفعالاتك دون كبت لهذه الانفعالات في المواقف المختلفة والآن لنقرأ معاً هذه الأسئلة:

1-  هل أنت من النوع الذي يعتذر بكثرة للآخرين؟

2-  هل تحتج بصوت عالٍ إذا حال شخص أن يتقدمك ليأخذ دورك في صف أو طابور؟

3-  هل تجد صعوبة في لوم وتأنيب شخص آخر يعمل معك حين يخطئ؟

4-  هل تعبر عن الضيق وعدم الرضا لمن يوجه إليك النقد دون وجه حقّ؟

5-  إذا قمت بشراء ثوب أو قميص أو حذاء واكتشفت به عيباً هل تتردد في إعادته للمحل؟

6-  إذا كان هناك شخص معروف عنه التسلط فهل يمكن أن تعارضه في شيء؟

7-  إذا عرفت أنّ شخصاً يميل إلى التسلط والسيطرة هل تتجنب التعامل معه؟

8-  هل يمكنك أن تعبر عما تشعر به في جمع من الناس؟

9-  وصلت متأخراً في اجتماع أو ندوة، هل تذهب لتجلس في مقعد خال بالصفوف الأمامية أم تبقى واقفاً في آخر القاعة؟

10-                 قدم لك العامل في أحد المطاعم الأكل بطريقة لم تعجبك هل تحتج وتشكو لمدير المطعم؟

11-                 تعتاد وضع سيارتك في مكان ما، ذهبت يوماً فوجدت سيارة أخرى مكانها، هل تسأل وتحتج قبل أن تبحث عن مكان آخر؟

12-                 حضرت إحدى المحاضرات العامة، ولاحظت أنّ المحاضر يقوم كلاماً متناقضاً، هل تقف لترد عليه؟

13-                 هل تحتفظ دائماً بآرائك لنفسك دون أن تعبر عنها؟

14-                 إذا طلب منك أحد أصدقائك طلباً غير معقول "قرض مالي كبير مثلاً" هل ترفض ذلك ببساطة؟

15-                 هل تجد صعوبة في بدء مناقشة أو فتح حديث مع شخص غريب عنك؟

16-                 ذهبت إلى مكان ترتاده باستمرار فوجدت من يمنعك من ذلك فهل تحتج على ذلك؟

17-                 هل تحرص دائماً على ألا تؤذي مشاعر الناس؟

18-                 هل تعجب بالذين يستطيعون مقاومة الآخرين مهما تعرضوا للضغط عليهم؟

19-                 هل تجد صعوبة إذا أردت أن تمتدح أحداً أو تبدي إعجابك به؟

20-                 هل لديك بعض الناس "أقارب أو أصدقاء" تثق بهم وتخبرهم عن كلّ ما يدور بنفسك؟

والآن – عزيزي القارئ – بعد أن أجبت على هذه الأسئلة فإنّك تريد أن تعرف ما هي الإجابة السليمة من وجهة النظر النفسية، إنّ المفروض أن تكون إجابتك (نعم) عن الأسئلة ذات الأرقام الزوجية (2-4-6...) وتكون الإجابة (لا) عن الأسئلة ذات الأرقام الفردية (1-3-5...) وهذا يدل على الثقة بالنفس وتأكيد الذات والتعبير عن المشاعر والانفعالات دون كبتها حتى لا تتسبب في اضطرابات نفسية مثل التوتر والقلق والاكتئاب.

هناك ملاحظة أخيرة بالنسبة لضغوط ومواقف الحياة هي إنّنا لا يمكن أن نشاهد هذه الضغوط أو نلمسها ولكن الذي يبدو أمامنا هي الآثار التي تترتب على هذه الضغوط في الأشخاص الذين يتعرضون لها حيث تؤدي إلى الاضطرابات النفسية وعدم التوافق وغياب الانسجام وعدم الاستمتاع بالحياة وتكون مقدمة لحدوث حالة مرضية من الاكتئاب النفسي، ويجب أن نذكر هنا أنّ وقائع وأحداث الحياة مهما كانت اليمة ليست هي السبب الوحيد وراء الاضطرابات النفسية، ولكن الطريقة التي نفسر بها هذه المواقف ومدى شعورنا بما تتضمنه لنا من التهديد وكذلك إمكانياتنا في السيطرة عليها هي التعامل الرئيسي وراء ما تحدثه هذه الضغوط والمواقف من آثار ولتوضيح ذلك نضرب مثلاً شخصين تعرضاً لموقف متشابه، حيث فقد كلّ منهما حافظة نقوده على سبيل المثال، فنجد أنّ أحدهما قد تأثر لفترة قصيرة ثمّ انتهى الموضوع عند هذا الحدّ حيث أنّه فكر واقنع نفسه أنّه يستطيع تعويض خسارة هذه الأموال فيما بعد، ونجد الآخر قد تأثر بشدة وظهرت عليه علامات الأسى الشديد وراح ينعى حظه ويتهم نفسه حيث يصل به الأمر إلى حالة من الإحباط وقد يصاب بالاكتئاب..

ويعنى ذلك أنّ واقعة أو موقف بنفس الحجم والشكل قد تسببت في تأثير متفاوت ومختلف من شخص إلى آخر، ويعود السبب في ذلك إلى التكوين النفسي للفرد، وصفات شخصيته، واستعداده للإصابة بالاضطرابات النفسية ومنها الاكتئاب.

 

الكاتب: د. لطفي الشربيني

المصدر: كتاب وداعاً أيها الاكتئاب

ارسال التعليق

Top