• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

يا أمة المسلمين.. عيدكم مبارك

يا أمة المسلمين.. عيدكم مبارك
◄يقبل الناس في العيد على المصليات يرجون رحمة الله تعالى وغفران ذنوبهم، إذ يوفَّى العامل أجره عند تمام عمله، وقد كان السلف يعملون العمل ثمّ يسألون الله تعالى قبوله ويخافون أن يرد عليهم، وقال علي (ع): كونوا لقبول العمل أشد إهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله عزّ وجلّ يقول: "إنما يتقبل الله من المتقين". وخرج عمر بن عبدالعزيز يرحمه الله تعالى في يوم عيد الفطر فقال في خطبته: أيها الناس: إنكم صمتم لله ثلاثين يوماً وقمتم ثلاثين ليلة، وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم. وكان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم العيد فيقال له: إنّه يوم فرح وسرور، فيقول: "صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً فلا أدري أيقبله مني أم لا؟".. وهذا منه يرحمه الله تعالى جاري مجرى الشعور المرهف، وإلا فالمشروع في العيد إظهار الفرح والسرور. وقال ابن مسعود (رض): مَن هذا المقبول منا فنهنّيه؟ ومَن هذا المحروم منا فنعزّيه؟ وصعد النبي (ص) المنبر فقال: "آمين، آمين، آمين"، قيل: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين، آمين، آمين؟ فقال: "إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يُغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين. ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، فقلت: آمين. ومن ذُكِرتَ عنده فلم يصلِّ عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل، آمين، فقلت: آمين". وقال النبي (ص): "... شهر رمضان أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار"، وقال أحد السلف: إنما كان يوم الفطر من رمضان عيداً لجميع الأُمّة؛ لأنّه تعتق فيه رقاب أهل الكبائر من الصائمين من النار فيلتحق فيه المذنبون بالأبرار. ليس عيد المحب قصد المصلى **** وانتظار الأمير والسلطان إنما العيد أن تكون لدى الله **** كريماً مقرباً في أمان وقال ابن رجب: لما كانت المغفرة والعتق كل منهما مرتباً على صيام رمضان وقيامه؛ أمر الله سبحانه وتعالى عند إكمال العدة بتكبيره وشكره فقال: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة/ 185)، فشُكْر من أنعم على عباده بتوفيقهم للصيام وإعانتهم عليه ومغفرته لهم به وعتقهم من النار أن يذكروه ويشكروه ويتقوه حق تقاته. وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر، فإن صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، والاستغفار يرقّع ما تخرق من الصيام باللغو والرفث، ولهذا قال بعض العلماء المتقدمين: إن صدقة الفطر للصائم كسجدتي السهو للصلاة. إنتهى كلامه يرحمه الله تعالى. والمرء يحزن لفراق رمضان والصيام والقيام والقرآن. تذكرت أياماً مضت وليالي **** خلت فجرت من ذكرهن دموع ألا هل لها يوماً من الدهر عودة **** وهل لي إلى يوم الوصال رجوع؟ والإسلام دين عظيم شامل لكن شؤون الحياة، وما ترك الشارع الحكيم شاردة ولا واردة إلا تناولها تناولاً يليق بها، وهذا لأن هذا الدين العظيم هو خاتمة الأديان وهو الباقي إلى نهاية الزمان، فكان لابدّ أن يكون ديناً شاملاً صالحاً لكل زمان ومكان، ومن الشؤون المهمة التي إعتنى بها الشرع الترويح عن النفوس، واستجمامها، والتنفيس عنها الشيء بعد الشيء، وهذا جلي واضح في مناشط ترويحية أباحها الشارع الحكيم، بل سنّ بعضها وأكّد عليها تأكيداً، ونحن نعيش الأيام الأخيرة من رمضان فرحين بما منَّ الله تعالى علينا به من تيسير الصيام والقيام، وأن بلغنا رمضان ومتعنا به، وهذه العبادة الجادة ختمها الله تعالى بعيد تحتفل به الأُمّة كلها، فكان أشبه ما يكون بالجائزة والمكافأة على صيام وقيام طويلين، وشرع لنا فيه الفرح وإظهار السرور والتوسعة على الأهل والأولاد. والعيد من الأمور التي تدل على أن ديننا فيه سعة ولله الحمد، فليس هو بدين جامد، ولا بدين فيه تفلُّت، بل هو دين وسط ليس له نظير والحمد لله. وما ينبغي على كل مسلم من حضره العيد أن يفعل ما يلي: يشكر الله على هذه النعمة الجليلة، نعمة إتمام رمضان والتزود من الصيام والقيام. يشارك المسلمين. في هذه الفرحة بأن يصلي معهم العيد، ويخرج بأبنائه وبناته ونسائه إلى المصلى ليشهدوا جميعاً مظاهر الفرح ودعوة الخير، وليحرص على الاستماع للخطبة والمكث حتى يفرغ الإمام، ولا يعجل بالذهاب بعد الصلاة، يسنّ للمرء أن يأكل شيئاً قبل ذهابه للمصلى، وأن يذهب من طريق ويعود من أخرى. وينبغي لكل من حضر العيد أن يتذكر إخوانه ممن لا عيد لهم من الفقراء المعدومين، أو ممن هم في خنادق الجهاد مشغولون، فيحسن إليهم بالدعاء أو بما يستطيع من مال، حتى لا يكون العيد في حلوقهم غصة، وليتذكر أنّ الله منَّ عليه فعافاه وابتلى إخوانه فكان يمكن للعكس أن يكون. وينبغي أيضاً أن يخص المرء العيد بمزيد من التواصل بين الأرحام والأهل والأصحاب، حيث إن بعض الناس لا يتيسر له طول السنة هذا الصنيع بسبب الإنشغال بشؤون الدنيا وتعلقاتها، وصلة الأرحام من الأمور المهمة التي أكّد عليها الشارع أيما تأكيد، فزيارتهم في العيد قربة مشروعة مؤكدة، إضافة إلى ما تؤديه من إدخال السرور عليهم في أيام الفرح والسرور، وإدخال السرور على المؤمنين بنية صالحة عبادة وقربة لا شك فيها ولا ريب. وينبغي ألا يقرب المرء شيئاً من المعاصي بدعوى الفرح والسرور، فإن كمال السرور بطاعة الله تعالى، وكل سرور مدنس بالمعاصي ليس بسرور على الحقيقة، بل هو من كيد الشيطان وتلعبه، وسينقلب ترحاً وحزناً في الدنيا والآخرة ما لم يتدارك الله تعالى صاحبه بالتوبة والمغفرة. بارك الله لنا في أعيادنا، وأعادها على الأُمّة الإسلامية بالفرح والسرور والرحمة إنّه على كل شيء قدير.. والله الموفق.► * أكاديمي وداعية سعودي – المشرف على موقع التاريخ (www.altareekh.com) المصدر: (مجلة المجتمع/ العدد 1918 لسنة 2010م)

ارسال التعليق

Top