• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

«تجاربك في الحياة» أرشيف نجاحك

عبدالله أحمد اليوسف

«تجاربك في الحياة» أرشيف نجاحك

◄تكتسب التجارب الإنسانية في مختلف مجالات الحياة أهمية كبيرة، وذلك لما تشكله التجارب من دروس في الحياة وللحياة.

فالحياة تجارب، والتجارب تخضع للنجاح أو الفشل، ومن هنا تكتسب التجارب أهميتها، بيد أنها – أي التجارب- تشكل رصيداً ضخماً من الإنتاج الفكري والحضاري للإنسان (الفرد) والمجموعة (الأُمّة).

وقد قيل قديماً: "مَنْ جرّب المجرّب حلّت به الندامة" ولذا فمن العبث أن تجرّب تجارب غيرك الفاشلة، أو أن تبدأ من حيث بدأ الآخرون، بل عليك أن تبدأ من حيث انتهى إليه الآخرون، لأنّ هذا هو الطريق الأفضل لاختزال المسافة.

ومما يزيد التجارب أهمية، أننا نعيش اليوم في عالم السرعة، فلم يعد هناك أي مجال للتأخّر والتباطؤ والتسويف، فمن سمات هذا العصر السرعة الفائقة، حتى أنّه لم يعد بإمكاننا متابعة المتغيرات المتلاحقة، وعلى جميع الأصعدة الفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والعملية.. إلخ، فكل شيء يعدو بأسرع ما يمكن...

إنّ الاستفادة من التجارب هي أفضل وسيلة لاستباق الزمن، واختصار المسافة، وتحقيق الإنجازات المتتابعة.

 

أرشيف النجاح:

كلّ واحد منّا يمرّ في حياته بعدة تجارب، بعضها تجارب ناجحة، والأخرى فاشلة.. وهذه طبيعة الحياة، نجاح وفشل، وفشل ونجاح.

تجاربك في الحياة هي أرشيفك للنجاح..

وهذا الأرشيف لا يقدر بثمن.. لأنّه يمثل حياتك كلها..!

ومن هنا.. فمن الضروري أن تهتم بترتيب أرشيفك وتنظيمه، كي يسهل عليك أن تستفيد منه بطريقة فضلى.

إنّ تقويم التجارب، وكتابتها، وفهرستها، لهي من عناصر صناعة أرشيف منظم.

وأرشيف النجاح.. هو عبارة عن تجاربك في الحياة..

فاحرص على تكوينه وترتيبه وتنظيمه، فالعاقل من وعظته التجارب، فليس عيباً أن يخطئ الإنسان، ولكي العيب أن يكرر الخطأ، وأن يصرّ عليه وتذكر قول الرسول (ص): "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين".

 

التجارب.. ثروة حضارية:

تجارب الناجحين، وتجارب الشعوب والأمم من أهم الثروات الحضارية التي ينبغي أن نستفيد منها، فالتجارب الإنسانية المتعاقبة على مرّ القرون هي التي أنتجت كلّ هذا التقدم الرائع وفي كلّ المجالات.

والقرآن الكريم يتحدث في كثير من سوره وآياته عن تجارب الأُمم والحضارات الماضية وذلك لما تمثله تلك التجارب التاريخية من أهمية للإنسانية جمعاء لأخذ العبرة والعظة من تجارب الماضين، يقول تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (يوسف/ 111)، ولذلك من المهم دراسة التاريخ للعبرة والاتعاظ.. لما يمثله التاريخ من:

أ‌)       تجارب إنسانية على المستوى الفردي.

ب‌) تجارب علمية على مستوى المعرفة.

ت‌) تجارب حضاية على مستوى الأُمم والشعوب.

إنّ التجربة البشرية الماضية، تعطي التجارب التالية: كثيراً من الوضوح والبلورة، بالرغم من أنّها لا تتكرر بالضبط، يقول "و. هـ وولش": إنّ من وظائف التاريخ الكبرى هو أنّه يعرّف الناس بزمانهم، عن طريق رؤيتهم، مقارناً بزمان آخر، ويقول: "سترايد": إنّ دراسة التاريخ تعين الإنسان على مواجهة المواقف الجديدة، لا.. لأنّها تقدّم له أساساً للتنبؤ بما سيكون، ولكن لأنّ الفهم الكامل للسلوك الإنساني في الماضي، يتيح الفرصة للعثور على عناصر مشتركة، بين مشاكل الحاضر والمستقبل، مما يجعل حلّها حلّاً ذكيّاً أمراً ممكناً، ويقول "هيجل": إنّ تاريخ البشر كله، يمكن أن يوصف بأنّه عملية طويلة، استطاعت البشرية خلالها أن تحرز تقدماً روحياً وأخلاقياً، وهذا التقدم هو ما استطاع العقل البشري أن يحرزه في طريق معرفته لنفسه.

ومن هنا تأتي ضرورة دراسة التاريخ، لأنّها حاجة بشرية ملحة، ولأنّها خلاصة تجارب إنسانية (... فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الأعراف/ 176)، فهذه الآية الكريمة تدعو الإنسان للتفكر في قصص الماضين وذلك لأخذ العظة والعبرة منها.

إنّ الاستفادة من تجارب الأُمم السابقة لهي من ضروريات نجاح أيّة أُمّة تسعى لبناء حضارتها، وتشييد مجدها، وتقوية وجودها.

والأسماء اللامعة في تاريخ البشرية من زعماء وقادة وعباقرة ومفكرين ونابغين، كلّ واحد منهم يمثل أرشيفاً من التجارب، ينبغي التعرّف عليها ودراستها دراسة دقيقة وموضوعية.

إنّ قراءة ومطالعة حياة العظماء سواء عن طريق الكتب المترجمة لحياتهم أو عن طريق قراءة مذكراتهم، لهي من اللوازم الضرورية لكل من يسعى نحو القمة.

وسواء كانت التجارب فردية، أو جماعية، فهي عبارة عن ثروة إنسانية وحضارية، ينبغي استثمارها، من أجل بناء الإنسان (الفرد) والمجموع (الأُمّة) والكيان (الحضارة). ►

 

المصدر: كتاب الشخصية الناجحة

ارسال التعليق

Top