• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإحسان إلى (الرَّحِم)

أسرة

الإحسان إلى (الرَّحِم)
 1- الإحسان إلى (الرَّحِم)[1] في القرآن الكريم: أ- الأقربون أولى بالمعروف، وألو الأرحام بعضهم أولى ببعض، أي أنّ يد العون والمساعدة والنصرة والحماية يجب أن تمتدّ إليهم أوّلاً: قال تعالى: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) (الأنفال/ 75). ب- صلة الرحم من أولويات الإنسان المسلم، وهي من أجمل صور الإحسان والبرّ والتعاون: قال عزّ وجلّ: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى) (البقرة/ 83). ت- الإحسان المعنويّ مطلوب ونافع وجميل، لكنّ الصِّلة المادية والدعم المادي والمعنويات الخيريّة تفعل فعلها النفسي في الأرحام والأقرباء، أي أنّ مردوداتها معنوية أيضاً: قال سبحانه: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى) (البقرة/ 177). ث- وإذا جمع القريب الجيرة إلى القُرب أصبح له حقّان: حقّ الرحم والقُربى، وحقّ الجوار: قال جلّ جلاله: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى) (النساء/ 36). وحتى لو أُريد بالجار هنا القريب من دارك، فإنّ ما ذهبنا إليه من ضرورة الإحسان إلى القريب الجار لا يتنافى معه. ج- الإحسان إلى الأقرباء حقّ مترتِّبٌ في ذمّتك إذا كنت مستطيعاً على رفدهم وقضاء حاجاتهم، وسدّ احتياجاتهم، أو التخفيف من معاناتهم، أي أنّه ليس متروكاً للمزاجيّة الشخصية: أُحسنُ أو لا أُحسن، ولأهمِّيّته الكبيرة أوجبه الله تعالى على ذوي الأرحام: قال سبحانه: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى) (الإسراء/ 26). ح- وكما قلنا فإنّ الإحسان إحسانين: مادي وقد أشرنا إليه، ومعنوي وهو المودّة والمصافاة والتواصل والتزاور وتقوية الأواصر في المشاركة في المناسبات العائلية السعيدة والحزينة، وما إلى ذلك: قال عزّ وجلّ: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى/ 23). والآية واردة في الإحسان لذرِّيّة النبي (ص)، ولكن ذلك لا يمنع من أن نستفيد منها في الإحسان المعنوي لذوي أرحامنا وأقربائنا أيضاً.   2- الإحسان إلى (الرَّحِم) في الأحاديث والروايات: أ. أدنى درجات الإحسان إلى الرحم، هو التحية والتسليم كإشعار أنّك لا تحمل لهم ضغناً أو بغضاً أو شرّاً: قال رسول الله (ص) "صِلُوا أرحامكُم ولو بالسلام". وقال الإمام علي (ع): "صِلُوا أرحامكُم ولو بالتسليم، إنّ الله يقول: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء/ 1)". ولا يخفى أنّ للسّلام ملحقاته من الزِّيارة والتفقّد والتردّد، فكل ذلك يُطيِّب الخاطر ويُرقِّق القلب والمشاعر. ب- يُستحبّ الإنفاق على الرحم، بحسب القدرة والإستطاعة، فإذا كان إعالة أو كفالة اليتيم بصفة عامّة مُستحبّة، فإنّ إعالة القريب أكثر استحباباً وأقوى أثراً: يقول الإمام الصادق (ع): "مَن عالَ ابنتين أو أختين أو عمّتين أو خالتين، حجبتاه من النار بإذن الله". ولا يعني ذلك أنّ الإحسان إلى البنت أو الأخت أو العمّة أو الخالة الواحدة غير مجدٍ، أو لا ثواب له، فذكر التّثنية إشارة إلى زيادة الخير خير، وبالعموم فإنّ الإحسان إلى ذي الرحم الفقير، أي إلى الأقرباء المساكين والمُحتاجين أفضل عند الله من الإحسان إلى الفقراء البعيدين، ولكلٍّ فضل. ت- وأفضل صلة الرحم والإحسان إليه، إذا كان قاطعاً ووصلته، فإنّك تكون الأقرب إلى الله تعالى بخلوص نيّتك وصدق إرادتك لوجه الله: جاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله! إنّ أهل بيتي أبوا إلا توثّباً عليَّ وقطعيةً لي، فأرفضهم؟! فقال (ص): "إذاً يرفضكم الله جميعاً"! قال: فكيف أصنع؟! قال: "تَصِل مَن قطعكَ، وتُعطي مَن حرمَك، وتعفو عمّن ظَلَمَك، فإنّك إذا فعلتَ ذلك كان لك من الله عزّ وجلّ ظهير". وقال (ص): "لا تقطع رَحِمَك وإن قَطَعَتْكَ". وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) (الرعد/ 21). ث- أفضل صلات الإحسان إلى صلة الرحم هي كفُّ الأذى عنهم: قال الإمام الصادق (ع): "صِلْ رَحِمَك ولو بشُربةٍ من ماء، وأفضلُ ما توصل به الرّحِم، كفُّ الأذى عنها"!   3- الإحسان إلى (الرّحِم) في الأدب: يقول الشاعر مصوِّراً أطيب صور الإحسان لقُرباه، وأنبلها وأهزّها للمشاعر: وإنّ الذي بيني وبينَ بني أبي **** وبينَ بني عمِّي لمختلِفٌ جدّاً فإن أكلوا لحمي وفرتُ لحومهُم **** وإن هدمُوا مجدي بنيتُ لهُم مجدا وإن ضيّعوا غَيبي حفظتُ غيوبَهُم **** وإن هُم غووا عني هَويتُ لهم رُشدا لهُم جلُّ مالي إن تتابعَ لي غِنىً **** وإن قلَّ مالي لم أُكلِّفهم رفدا وإني لا أحمل الحقدَ القديمَ عليهم **** فإن رئيسَ القومِ لا يحمِلُ الحِقْدا!!   4- برنامج الإحسان إلى (الرّحِم): 1- ليس عذراً أن تحتجّ ببُعد قريبك عنك، فهو قريب على بُعده، والتواصل معه بالتحيّة والسؤال عنه، والدعاء له، وتهنئته في الأعياد والمناسبات السعيدة، وتعزيته في المآتم والمناسبات الحزينة، وهو بعض برّك به: يقول رسول الله (ص): "سِرْ سنة، صِلْ رَحِمَك"، فليس وقتاً ظائعاً هو الوقت الذي يرضى الله فيه عنِّي. 2- إنّ لصلة الرّحِم مردودات إيجابيّة كثيرة، فأيّما إحسانٍ تُقدِّمه لقريبٍ لك سيكون مردوده عليكَ طيِّباً، ولعلّ خير مَن صوّر الإكرام إلى العشيرة وذوي الرّحِم، وبيّن أبعاد وأهمِّية تقوية الروابط الأسريّة، هو الإمام علي (ع): يقول (ع): "وأكْرِمْ عشيرتكَ، فإنّهم جناحُكَ الذي به تطير، وأصلُكَ الذي إليه تصير، ويدكَ التي بها تصول". ويقول (ع): "أيّها الناس! لا يستغني الرجل – وإن كان ذا مال – عن عترته (عشيرته)، ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم، وهم أعظم حيطة من ورائه، وألمّهم لشعثه وأعطفهم عليه عند نازلةٍ إذا نزلت به، ولسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس خيرٌ له من المال يرثه غيره. ألا لا يعدلنّ أحدكُم عن القرابة، يرى بها الخصاصة (الفقر والحاجة) أن يسدّها بالذي لا يزيده إن أمسكه، ولا ينقصه إن أهلكه، ومَن يقبض يده عن عشيرته، فإنّما تُقبض منه عنهم يد واحدة، وتقبض منهم عنه أيدٍ كثيرة، ومَن تلن حاشيته يستدم من قومه المودّة (المحبّة)". في هذا البرنامج الإحساني للأقرباء والعشيرة ثلاثة وصايا أساسية: 1- تقديم الإعانات المالية للمحتاجين منهم حتى لا يضطرّوا للسؤال من البعيد. 2- نصرتهم والإنتصار لهم والدفاع عنهم فيما هو حقّ، ألم ترَ موسى (ع) حين استغاثه واستنصره الذي من شيعته، كيف هبّ لنصرته. 3- التودّد لأبناء العشيرة والأقرباء، يستميل قلوبهم ويعطف مشاعرهم نحوك، فإذا أعجزكَ المال، فلن تُعجزكَ الكلمات الطيِّبة، والعشرة بالمعروف، والإحسان المعنوي. يقول (ع): "إنّ أهل بيتٍ ليجتمعون ويتواسون (وهم فَجَرَة) فيرزقهم الله، وإنّ أهل بيتٍ ليتفرّقون ويقطع بعضهم بعضاً فيحرمهم الله (وهم أتقياء)"!!
[1]- الرَّحِم أو القريب هو كلّ مَن تربطكَ به علاقة نسبيّة من غير عائلتك المباشرة، أي أبناء العمومة والخؤولة والعشيرة.

ارسال التعليق

Top