• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإسلام.. حُسن الخُلق

عمار كاظم

الإسلام.. حُسن الخُلق

اختصر النبيّ (ص) المسافة في مقام بيانه لأهمية الخُلق الحَسن ومكانته في الدين بثلاث كلمات هي: "الإسلام حُسن الخُلق" كاشفاً في هذا التعريف عن المعنى الكبير والدور المحوري لبناء الشخصية الإسلامية عبلا الأخلاق الفاضلة، وأنّه بالابتعاد عنها وإتباع الرذائل لا يمكن أن نجد الإسلام الذي جاءنا به حياً نابضاً في النفوس، بل على العكس، إنّ التخلي عن مكارم الأخلاق وإتباع سبيل الهوى، وهجران العمل بالواجبات والسنن تعتبر حرباً على الإسلام، وإن كان دون دون التفات إلى هذا الواقع الخطير.

مما يؤكد على أهمية حُسن الخُلق أّنّه إذا أردنا أن نتعرف على المؤمن فليس المطلوب هو الاطلاع على هويته الشخصية ومعرفة انتمائه إلى أيّ بلد أو عائلة وتفصيل نسبه، وإنّما المطلوب أن نجد حُسن الخُلق عنوان صحيفته فإنّه كاف ووافٍ في التعريف عنه. يقول أمير المؤمنين (ع): "عنوان صحيفة المؤمن حُسن خُلقه" وعن الإمام الحسن (ع): "أنّ أحسن الحسن الخُلق الحَسن"، وفي الحديث: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً".

 إنّ الأخلاق إنما هي مجموعة ما يفرضه الفرد على نفسه من داخله، وإن كان أصل مصدر هذه الأخلاق خارجياً جاء به الوحي من مصدر علوي، ولكنك إذا آمنت بذلك واقتنعت به أصبح ذاتياً في نفسك به إلى الخير وترتدع عن الشر، ولا يكون هذا السلوك مراعاة لمجرد سعادتك أو منافعك فقط؛ لأنّ ذلك لون من ألوان الأنانية، ولكن بمراعاة لحقوق الآخرين ومصالحهم أيضاً، لتبقى أميناً على معاني الإنسانية.

أنّ الأعمال الأخلاقية من جوهر العبادة، حيث يرى الإنسان بفطرته أنّ الأعمال الأخلاقية شريفة وكريمة. ومع ما فيها من إيثار وتجاوز للمنطق الطبيعي وحتى المنطق العقلي والعملي، أي لا ينسجم مع العقل الذي يأمر الإنسان بالحفاظ على ذاته وعلى مصالحه. ومع هذا تجده يؤدي هذه الأعمال ويرى فيها نوعاً من العزّة والكرامة والرفعة ويشعر أنّه يشرف ذاته عبر أداء هذه الأعمال كالإيثار والإنصاف والتفاني. فهذا العمق في روح الإنسان، وفطرته، وسعة قلبه، لها نفحة خاصّة لاشعورية مثلما يعرف الله ويعرف أحكامه، ورضاه، ويؤدّي عمله فطرياً لوجه الله.

الحقيقة هي أنّ الأخلاق من جوهر العبادة، وبنفس القدر الذي يعبد فيه الإنسان ربّه لاشعورياً، تراه ينقاد أيضاً لاشعورياً لسلسلة من الأحكام الإلهية. وحينما يتحوّل شعوره اللّاواعي إلى شعور واعٍ، وهذا هو السبب الذي من أجله بعث الأنبياء (بعث الأنبياء للسير بنا إلى فطرتنا، لتحويل ذلك الشعور اللّاواعي وذلك الأمر الفطري إلى شعور واعٍ) وعند ذاك تغدو جميع أعمال الإنسان أخلاقية لا مجرّد مجموعة معيّنة من أفعاله، وحتى نومه يتحوّل إلى عمل أخلاقي، وطعامه يصبح عملاً أخلاقياً. أي حينما يسير منهج حياتنا على أساس التكليف ونيل رضا الله، يصبح عندها تناولنا للطعام، ومشينا، كلامنا، بل وكلّ حياتنا ومماتنا عملاً أخلاقياً واحداً، يقول تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام/ 163).

ارسال التعليق

Top