• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التحرر من آلام الماضي

جيرالدج جامبولكسي/ ترجمة: د. هشام سلامة

التحرر من آلام الماضي

◄حينما نتصور أننا قد أوذينا على يد شخص ما فيما مضى فإننا نشرع في بناء دفاعات لحماية أنفسنا من التأذي مستقبلاً. لذا فإنّ الماضي الرهيب يولد مستقبلاً خائفاً ويصير الماضي والمستقبل شيئاً واحداً.

من هنا فإننا عبثاً نحاول أن نحب بقلوب خائفة، أو أن نحب في الوقت الذي تشوينا فيه جمرات الشعور بالذنب. لكننا حينما يعتقنا الماضي المخيف ونقوم بدورنا بإعتاق كل شخص نعرفه بالعفو والتسامح فسوف نتجرع ينابيع الحب وننصهر في معين واحد معاً.

ويبدو أننا نعتبر أن من الطبيعي أن نستخدم خبراتنا السابقة كنقاط مرجعية للحكم على الحاضر. غير أنّ هذا يحملنا على رؤية الحاضر بنظارة معتمة شائهة. وقد لا تربي الألفة الاستهانة أو الاستهتار على الدوام، لكنها من الممكن أن تشوه إدراكنا لمن ربطتنا بهم علاقات وثقى.

أما إذا أردنا أن نرى شركاءنا رؤساء كانوا أم مرءوسين كما هم فينبغي أن نراهم الآن. ويعد استحضار ماضيهم وماضينا لا أهلية له أو مصداقية في الحاضر. وإن جعل كل لحظة خبرة جديدة تولد يتأتى من خلال النظر إلى الحاضر بلا إدانة. وهو ما يؤدي إلى إسقاط كل أخطاء الماضي من على جبين الآخرين وجبيننا نحن.

ولا ريب أنّ هذا يجعلنا نتنفس بحرية وننتشي بمعجزة الحب عبر التشارك في هذا العتق المتبادل، ويهئ لحظة تعافي يستحيل فيها الحاضر كؤوساً مترعة حباً هنا والآن.

إننا نستثمر في الرغبة في التحكم والتنبؤ، ما يجعلنا مرتبطين دوماً بالخبرات الأليمة الملأى بمشاعر الإحساس بالذنب المستمدة من الماضي. وإنّ الإحساس بالذنب والخوف حليفان تربيا في كنف عقولنا يدفعاننا للإحساس بثبات ونمطية الزمن.

من جهة أخرى فإننا إذا شعرنا أن شخصاً ما رفضنا أو انتقدنا أو كان ظالماً لنا في الماضي فسوف نرى ذلك الشخص معادياً لنا. ويغذي ذلك خوفنا، ونروم رد العداء بعداء. أما محو الماضي فإنّه يعني عدم لوم أي شخص بما في ذلك أنفسنا. وهو يعني عدم الشكوى والتقبل التام لكل شخص دون استثناءات. ويعني أيضاً استعداداً لرؤية الوجه المشرق فقط في الآخرين وليس بصيص ضيائهم.

 

لا يمكن للحب والشعور بالذنب أو الحب والخوف أن يتعايشا معاً.. ولن أمسي أسيراً وعبداً للزمن إلا إذا تمسكت باستنساخ الماضي في الحاضر. وإنني بإعتاقي للماضي أحرر نفسي من أحمال قاسية حملتها معي إلى الحاضر.

والآن فإنني يمكنني أن أتلمس فرص الحرية في الحاضر دون تشوهات الماضي.

 

مثال:

لقد عقدت في وقت سابق سميناراً حول "سكة الإرادة" وذلك بعد مضى بضعة أشهر من تحولي إلى تلميذ لهذه الكتابات. وبعد فترة استراحة جاء نحوي زوجان في الستينيات من عمرهما وقالا أنهما سيذهبان لزيارة ابنهما الذي كان عمره حينئذٍ خمس وثلاثون سنة وكان يعاني من الانفصام المزمن في مستشفى الولاية. وقد طلبا نصيحتي بشأن كيفية تطبيق مبادئ "السكة" على زيارتهما.

ولم أشأ معرفة ما سأقول بالفعل.. لذا فقد قررت التماس المساعدة من ذاتي الحدسية. وقد أدهشني ما قلته. ولم يبيد أنّ الكلمات كلماتي رغم أنها ستكون مألوفة بالنسبة إليك بعدما أضحت جزءاً مني وجزءاً من هذا الموضوع.

وقد رددت بقولي:

"اقضيا ما تشاءان من وقت قبل أن تتخلصا غداً من كلّ الأفكار والخبرات الماضية المؤلمة والمخيفة ومشاعر الإحساس بالذنب حيال ابنكما. وحرارا نفسيكما من أي شعور بالذنب بشأن حالته. واستخدما التخيل البناء، وضعا كل مخاوفكما وآلامكما ومشاعر الإحساس بالذنب في سلة مهملات. وأوثقا السلة إلى بالون أصفر ممتلئ بالهيليوم، واكتبا على البالون "إنني أنسى إدراكاتي الخطأ". ثمّ شاهدا البالون والسلة يتلاشيان وسط تضاعيف السماء. وركزا انتباهكما على كيف تشعران بتعاظم خفتكما وحريتكما.

وحينما تذهبان إلى المستشفى ويتحدث إليكما الطبيب حول سلوك ابنكما فلا تجمدان عند ما يقول. وانظرا فيما مضى لما قررته عيونكما وآذانكما. واختارا رؤية ابنكما فقط كنور – نور الحب.

وشاهدا نور الحب في ابنكما ونور حبكما كنور واحد. واستشعرا نعيم السلام واعلما أن وظيفة الحب إنما هي توحيد كلّ الأشياء مع ذاتها".

وقد تلقيت بعد مرور أسبوع هدية جميلة تمثلت في خطاب من الوالدين يقولان فيه أنّهما عاشا أجمل زيارة لابنهما.►

 

لقد اخترت اليوم التحرر من كل آلام الماضي ومعاناته بأن أعيش في الحاضر المباشر.

 

المصدر: كتاب هندسة الجودة النفسية (سكة الإرادة.. الحب يعني التحرر من الخوف)

ارسال التعليق

Top