• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الغسل الكلوي.. محاسن ومساوئ

الغسل الكلوي.. محاسن ومساوئ

 في حالة عجز الكليتين، ثمّة حلان لا ثالث لهما: إما زرع كلية، أو غسل الدم (المسمّى خطأ "غسل كلوي"). ونظراً إلى ندرة الأعضاء القابلة للزرع، فإنّ هذا الحل الأخير شائع في أنحاء العالم.

    نقول إن تسمية "غسل كلوي" خاطئة لسبب بسيط: هو أنّ الغسل يخص الدم، سواء مباشرة أم عبر غشاء الصفاق (مثلما سنرى)، إنّما ليس الكليتين في حد ذاتها. فعندما تعجز هاتان الأخيرتان عن أداء وظيفتهما كـ"مصفاة"، تبقَى السموم والفضلات السامة والمركبات غير المرغوب فيها محلولة بالدم، أو عالقة به، فضلاً عن الماء الزائد، ما يُحتّم التخلص منها بوسيلة أخرى، تحت طائلة الوفاة تسمماً، خلال أيام. فالقلب، في تلك الحالة، يعجز بدوره عن أداء وظيفته.

    الـ"غسل الكلوي" (Kidney Dialysis) بالإنجليزية، و(dialyse renale) بالفرنسية عملية تهدف إلى تخليص الدم من فضلات الجسد، والسموم المنتجة جراء الفاعليات الحيوية، وأيضاً الماء الزائد، بما أنّه لا يُلفَظ مع التبول، مثلما هي الحال مع كليتين سليمتين. وعلى العموم، ثمّة نوعان اثنان من الغسل الكلوي، وهما: غسل الدم (أو "التنقية الخارجية")، و"الغسل الصفاقي" (أو"التنقية البريتونية").

 

    - غسل الدم (التنقية الخارجية):

    في حال اختيار هذه الطريقة، على المُراجع الذهاب إلى المستشفى ثلاث مرات في الأسبوع، وربما أربعاً، وإجراء التنقية في وحدة خاصة بالغسل الكلوي. وفي بعض البلدان المتطوّرة صحياً، تخصص بعض المستشفيات وحدات خاصة، تتيح "الغسل الذاتي"، أي الذي يؤدي معظم مراحله المريضُ بنفسه، بعد أن يُجرى تدريبه تدريجياً على "الغسل الذاتي". لكن تلك التقنية تتطلب ما يُدعى "منفذاً دموياً دائماً"، يتمثل على العموم في ثقب خاص في إحدى الذراعين، يتيح ربط أجهزة شفط الدم، وإعادة ضخه. ويجرى ثقب ذلك المنفذ بعملية جراحية مسبقة، تنصب على ربط أحد شرايين الذراع وأحد أوردتها، بعضهما بعضاً، وغرز إبرتين مختلفتين، واحدة للدم الخارج، والأخرى للدم الداخل. إلى ذلك، ينبغي حضور ممرضة، على الأقل، خلال كلّ جلسة تستخدم فيها تقنية "الغسيل الذاتي".

 

    وتستمر الجلسة الواحدة 4 إلى 6 ساعات، تتمُّ خلالها تنقية كمية كبيرة من الدم: 50 إلى 60 لتراً. فالدم الخارج يمرّ في جهاز خاص، يُدعى أحياناً "الكلية الصناعية"، باعتباره يعمل عملها نوعاً ما: يصفّي الدم من الفضلات والشوائب والسموم والماء الزائد. لكن غسل الدم عموماً، سواء أكان ذاتياً أم من جانب فريق طبي وتمريضي، يظل عملية منهكة ومُرهقة ومملّة. إذ يجرى، خلال ساعات، أداء ما كان يفترض أن تؤديه الكليتان خلال يومين، أو ربما أكثر بقليل. هكذا، فإن أعراض التعب والإعياء هي الأكثر شيوعاً بين المرضى الخاضعين للغسل الكلوي. وأحياناً، يمكن أن يتعرض بعضهم لتشنّجات عضلية جرّاء فقدان كميات كبيرة من الماء والبوتاسيوم خلال فترة قصيرة.

 

    - الغسل الصفاقي:

    بخلاف غسل الدم، الذي يتم على الأغلب في المستشفى وبمساعدة فريق طبي أو تمريضي، يجرى الغسل الصفاقي على الأكثر في المنزل، وبصورة ذاتية، من جانب المصاب نفسه. فالغسل الصفاقي لا يستلزم أجهزة مُعقّدة، إنّما معدات بسيطة، ويتطلب تدريباً جيِّداً، مع توخٍّ بالغ الدقة. إذ يقوم على أساس إستخدام غشاء الصفاق (أو الـ"بريتون" Peritonea)، الذي يغلف تجويف البطن والجدران الداخلية لأعضاء الجهاز الهضمي، والاستفادة من القدرة الطبيعية لذلك الغشاء على التنقية والتصفية.

    لكن، في البداية، يخضع المراجع لعملية جراحية بسيطة، لغرض إدخال قسطرة خاصة، من البلاستيك، ووضعها في البطن. فمن خلال تلك القسطرة، تمر "المحاليل الطازجة"، أي المرشحة للتنقية، إلى داخل التجويف الصفاقي. ولاحقاً، من خلال القسطرة نفسها، تعبر الفضلات والسموم، والماء الزائد على الحاجة، وتلفظ خارجاً.

    وفي حال إختيار "الغسل الصفاقي الدائم" (المختصر برمز CAPD)، ينبغي تكرار عملية التنقية 3 أو 4 مرّات في اليوم (بمعدل 40 إلى 60 دقيقة في كلّ مرّة). لكن، في السنوات الأخيرة، تم إستنباط طريقة أسهل بكثير (تختصر برمز CCPD)، تقوم على أساس إعمال التصفية بشكل أوتوماتيكي أثناء الليل، لمدة 8 ساعات إلى 12 ساعة، بما فيها ساعات النوم. إلى ذلك، تتيح آخر الإبتكارات الإستغناء عن التبديل اليدوي لكيس الفضلات. فالجهاز يقوم تلقائياً بحساب كميات الدم الخاضعة للتصفية، وموازنة التبادلات، والسيطرة على عملية البزل، والتحكم في المدة اللازمة لإنجازها، ما يفسر أنها تستغرق مدداً متباينة، تتراوح بين 8 و12 ساعة. هكذا، لا ينبغي على المراجع سوى ربط الجهاز قبل النوم، ونزعه بعد إستيقاظه صباحاً، ببساطة. وفي بعض البلدان، وصلت نسبة المستفيدين من هذه الطريقة 10 إلى 15 في المئة من مجموع الأشخاص المبتلين بمصيبة عجز كلوي، يرغمهم على إجراء غسل كلوي، بأحد نوعيه (دموي أو صفاقي).

 

    - مُفاضَلة:

    وقد يسأل سائل: ما الوسيلة المثلى، الغسل الدموي المباشر أم الغسل الصفاقي؟ في الواقع، لكل من الطريقتين ما لها وما عليها. والنقط الآتية تتيح تكوين فكرة، والخيار بحسب وضعية كلّ مُراجع، و"ماضيه" الصحي، والتقنيات المتوافرة في بلده أو مدينته أو مستشفاه.

 

    1- المدة:

    أ) غسل الدم المباشر: يتطلب ما مجموعه 4 إلى 6 ساعات يومياً كمعدل. لكن، ينبغي إضافة وقت الذهاب إلى المستشفى، والعودة، زائداً وقت التحضير في الوحدة المختصة من المستشفى. وعلى العموم، يمضي المراجع ثلث وقته (عدا عن ساعات النوم) في عمليات التنقية، والعمليات الجانبية الملحقة بها.

 

    ب) الغسل الصفاقي: يُجرى 4 مرات يومياً بمعدل 40 إلى 60 دقيقة في كلّ مرّة، أو مرة واحدة في اليوم، أثناء الليل، تستغرق 8 إلى 12 ساعة، بما فيها ساعات النوم. ويظل المراجع خلالها موصولاً بجهاز خاص.

 

    2- المحاسن والمساوئ:

    أ) غسل الدم المباشر: من مَحاسن هذه الطريقة أنها تتيح نسيان المرض عقب إنتهاء كلّ مُراجعة، والانصراف إلى الحياة العادية ليومين أو ثلاثة. كما أنها لا تتطلّب جلب معدات خاصة إلى البيت، وربّما تخصيص غرفة خاصة، على عكس الغسل الصفاقي.

    أمّا مساوئها: فإنّها تتطلب تمضية 4 إلى 6 ساعات في المستشفى، 3 أو 4 مرات في الأسبوع. إلى ذلك، ينزعج بعض المراجعين من التشوه الحاصل في الذراع بسبب "منفذ" الدم المشار إليه أعلاه، ويُحسون بالحرج إجتماعياً بسبب ذلك التشوه.

 

    ب) الغسل الصفاقي: تتيح هذه الطريقة السيطرة على أوقات إجراء عمليات التنقية، وعدم الإعتماد على وحدات طبية مُعيّنة، بالتالي عدم التقيد بساعات عملها.

    في المقابل، وهذه أهم مساوئها، فإنّها تستلزم جلب معدات إلى البيت، وقارورات محاليل خاصة، وضرورة تخصيص مكان كافٍ لكي يسعها، وربما حجرة بأكملها، ما قد يضايق أفراد الأسرة الآخرين. إلى ذلك، لا يتقبّل بعض المُراجعين فكرة بروز أنبوب من بطونهم، لاسيّما وهم نائمون. لكنه أمر لابدّ منه في حال إختيار طريقة الغسل الصفاقي.

 

    3- المحاذير:

    أ‌) غسل الدم المباشر: ثمّة مصاعب تواجه إستخدام هذه الوسيلة في حال تردّي حالة الأوعية الدموية العامة عند المُراجع، أو عندما يكون ضغط الدم عنده منخفضاً جدّاً (مثلاً، بسبب إضطراب عمل القلب). وتلك العقبات غير نادرة لدى المرضى المصابين أيضاً بالسكري، أو ممّن يعانون زيادة الوزن أو السِّمنة المفرطة.

 

    ب‌) الغسل الصفاقي: محاذير هذه الطريقة تتمثل في صعوبة تطبيقها مع أشخاص يعانون السمنة المفرطة، أو سبق أن خضعوا لعمليات جراحية "ثقيلة" في البطن، أو مَن يعانون فتقاً معوياً، أو ضيقاً في التنفس، أو زُرِع لهم عضو من قبل، أيّاً كان، فأخفقت عملية الزرع.

 

* محمد عبود السعدي

ارسال التعليق

Top