• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

عِش حياتك واستنر بالهدف

مارسي شيموف مع كارول كلاين/ ترجمة آمال ن. الحلبي

عِش حياتك واستنر بالهدف
   هناك يومان عظيمان في حياة كلّ إنسان: يوم ولادته ويوم يكتشف الهدف منها. ويليام باركلي، لاهوتي إسكوتلندي عاش في القرن العشرين   لا شكّ في أنّك سمعت في حياتك القول: "هناك هدفٌ من حياة كلٍّ منّا على هذه الأرض". لكنّك لو طرحت السؤال على أوّل مئة شخص تصادفهم في الطريق، فسوف يُجيبك معظمهم: "لا أدري ما معنى حياتي على هذه الأرض، ليس عندي أدنى فكرة!" يؤمن كلّ من السعداء المئة، من دون استثناء، بوجود هدف من حياته على الأرض. إنّهم يشعرون بأهميّة هذا الهدف ومعانيه في كلّ لحظات حياتهم. ماذا نعني بالهدف؟ بعكس الاعتقاد السائد، هدفك ليس عملك أو مهنتك، إنّه أهمّ منها بكثير إنّه رغبتك الثابتة كي تقوم بما يخدم المعاني السامية في حياتك. فعلى سبيل المثال، هدفي من حياتي هو أن أفيد الناس من حبّي وطاقتي كي يعيشوا حياتهم على أفضل وجه. أمارس اليوم الكتابة والتوجيه من خلال التكلّم مع الناس، لكنّي قد أقوم أيضاً بما يخدم هدفي في الحياة لو كنت معلّمة أو سكرتيرة أو طبيبة، ولو كنت موسيقاراً أو عاملاً في حديقة. الحياة الغنيّة بالهدف قد تأخذ وجوهاً عديدة، لكن الشرط الأساسي هو اكتشاف المعاني الأهم في الحياة بالنسبة إليك شخصياً. تشير الأبحاث في موضوع السعادة إلى أنّ الناس الذي يسعون بإخلاص إلى تحقيق ما يرونه مهمّاً في حياتهم، يشعرون بسعادة تفوق سعادة مَن لا يرى هدفاً سامياً لحياته. يقوم إدوارد داينر الاختصاصي في علم النفس، بأبحاث في جامعة إللينوي الأميركية حول مقوّمات شعور الفرد بالسعادة، ويقول إنّ أهمّها هو "الهدف الواضح في الحياة، والمعاني التي يتمسّك بها الإنسان ويعمل من أجل تحقيقها بفرح". وتدلّ الدراسات حول الصحة والحياة الطويلة على أنّ الناس الذين يؤمنون بهدفٍ معيّن في حياتهم، لا فرق في نوعه وأهميّته، يعيشون حياةً أطول وأكثر سعادة.   - الهدف، المعنى والعمل: الهدف هو سقف بناء سعادتك. عندما تفتقر إلى الشعور بالهدف تكون كمن يعيش تحت سقفٍ مثقوب؛ وتتعرّض لأن تهطل أمطار التعاسة على رأسك كلّ يوم وفوق جميع معالم حياتك. لسوء الحظ، يبدو أنّ هنالك الكثير من السقوف المثقوبة في هذه الأيّام. تشير دراسة قامت بها شركة الأبحاث "هاريس إنترأكتيف" سنة 2005، أن 20% فقط من الأميركيين يحبّون عملهم بشغف. وهذا يعني أن أربعة من كل خمسة أميركيين عاملين لا يقومون بأعمالٍ تفرحهم. ولعلّ هذه الدراسة توضح سبب حوادث الجلطات القلبية الكثيرة صباح الاثنين من كلّ أسبوع. وكأنّ الناس يفضّلون الموت على العودة إلى العمل. كثيرون يعملون من أجل دفع الفواتير، ويشعرون بأنّ ليس لديهم الحرية أو المهارة المطلوبة أو الفرصة المؤاتية لإيجاد وظيفة يحبّونها. فيتقبّلون ممارسة أعمال لا ترضي أهدافهم، ويحاولون استخراج الأفضل من الحالة الراهنة، منتظرين حلول فرصة نهاية الأسبوع. وآخرون يقضون السنين الطويلة في البحث عن الوظيفة المثلى بالنسبة إليهم. بين هؤلاء مَن يجد العمل الذي يرضيه؛ لكن، إن لم يكن هناك هدفٌ واضحٌ في حياة الفرد، فإنّ ذلك الرّضى قد لا يدوم وقتاً طويلاً. عندما يستمدّ الفرد أسباب سعادته من الوظيفة التي يقوم بها، فإنّه لو فقد الوظيفة أو تقاعد، فسيشعر بالضياع واليأس. تفيد نتائج الإحصاء حول أحوال المتقاعدين، أنّ الأكثر سعادة بينهم هم الذين ما زالوا يشعرون بوجود معنى لحياتهم وبهدفٍ لها. هؤلاء عادةً يحوّلون مهاراتهم في اتجاهٍ جديد فقد يقوم موظف بنك متقاعد بعمل تطوّعي في مركز تدريب للبحث عن عمل. وموظف لديه مهارات يدوية عديدة قد يحوّل مهاراته لمساعدة الجيران والأهل. الأهمّ في الأمر أن تحافظ على المعنى في جوهر حياتك وتستضيء بنوره.   - وظيفة، مهنة أو نداء باطني: هل تعتبر عملك وظيفة، مهنة أم نداءً باطنيّاً؟ تجد في القصة التالية توضيحاً للفرق بينها: مشت امرأة عجوز يوماً إلى ورشة بناء، فشاهدت ثلاثة شبان يعملون بنشاط في رصف الحجارة. فذهبت إلى الأوّل وسألته ماذا يفعل، فقال بتأفّف: "ألا ترين؟ إنّي أرصف الحجارة، هذا ما أقوم به طوال النهار، أرصف الحجارة". ثمّ سألت الثاني فقال: "مهنتي رصف الحجارة، وهذا ما أقوم به الآن. إنّني فخورٌ بعملي وأفرح لأنّه يساعدني في تقديم الطعام إلى عائلتي". وعندما اقتربت من الرجل الثالث، وكان الفرح يشعّ من عينيه ووجهه، قال بحماس شديد: "إنّني أقوم ببناء أجمل كاتدرائيّةٍ في العالم". "لا يحدّد العمل الذي تقوم به معاني الهدف في حياتك، بل نظرتك إلى الأمور وطريقتك بالتعامل معها". قامت الاختصاصية في علم النفس المؤسّساتي، إيمي رزنايسكي من جامعة نيويورك، بدراسة حول توجّهات الناس بالنسبة إلى موضوع العمل على قاعدة الفئات الثلاث: وظيفة، مهنة، ونداء فوجدت أنّه، بغضّ النظر عن نوع العمل، يشعر الذين يقومون بما يعتبرونه نداءً باطنياً برضى في عملهم وسعادة في حياتهم.   - إن لم تعمل ما تحبّ، فأحبب ما تعمل: إذا كان أحد السعداء المئة يقوم بعمل يتطابق مع طموحه المهني وندائه الباطني أو لا، فإنّه يضفي، من وحي المعاني السامية في حياته، أهميّة ومحبّةً على عمله مهما صغر شأنه. تجده ملهماً بما يقوم به، سواء أكان تغيير زيت سيّارته أم تحضير وجبة الطعام لعائلته. لا يكمن مصدر الإلهام في الخارج بل في داخل نفوسهم. فمثلاً، إذا حرمت أحد السعداء من العمل الذي يقوم به ويراه مصدراً لإلهامه، سيجد بكلّ بساطة عملاً آخر يستلهمه. استمعت مرّة إلى قصّة الموسيقي وقائد الأوركسترا أرتيرو توسكانيني. كانت المناسبة عيد ميلاد توسكانيني الثمانين، فسأل أحدهم ابنه والتر عن العمل الذي يعتبره والده قمّة أعماله. فأجاب والتر: "ربّما لا ينطبق هذا السؤال على طريقة والدي في الحياة، فهو يعتبر كلّ عمل يقوم به في اللحظة الحاضرة أهمّ ما في حياته، أكان الأمر عزف سمفونيّة أم تقشير برتقالة". فيما كنّا نكتب هذا المقال، أخبرتني كارول كيف أنّ إضفاء معانٍ سامية على ما كانت تقوم به، منع عنها مشاعر البؤاس في تلك الوظيفة: عندما تخرّجت في الجامعة بإجازة في الأدب، لم يكن هناك مجالات كبيرة مفتوحة أمام حاملي شهادات في الأدب، فاضطررت إلى العمل كموظّفة استقبال في شركة ناشطة في تجارة الأسهم. لكنّني، برغم تنوّع المسؤوليات المترافقة مع هذه الوظيفة، رفضت فكرة عملي كموظفة استقبال. وخلال فترة شهر، كنت أكره النهوض صباحاً من أجل الذهاب إلى العمل، وامتدّت مشاعر السأم لتطال حياتي كلّها. علمت أنّ أمامي خيارين، فإمّا أن أجد وظيفة أخرى، أو أن أبتكر طريقة لأحبّ وظيفتي الحاضرة. ثمّ قرّرت أن أسعى في الخيارين. فبينما كنت أفتّش عن وظيفة أخرى، حاولت أن أجد سبيلاً لأشعر بالفرح حيث كنت. ثمّ خطرت لي فكرة أن أصبح أفضل موظفة استقبال في العالم. ولكوني بطبعي أميل إلى خدمة الآخرين، كتبت كلمة "خدمات" بأحرفٍ كبيرة ووضعتها على مكتبي. فأجبت على المخابرات الهاتفية بصوتٍ يرنّ فيه الفرح. وحفظت أصوات الزبائن الذين يتصلون غالباً، ورحت أدعوهم بأسمائهم. كنت قد سمعت بقول ينسب إلى صاحبة شركة مواد التجميل الكبيرة ماري كاي آش وهو: "تخيّل أنّ كلّ فردٍ تقابله، يحمل لوحةً في عنقه كتب عليها، اجعلني أشعر بالأهميّة". طبّقتُ هذه الفكرة. وكنت أضحك مع الناس والموظفين، فأصبح نهار عملي نزهةً مسلية. لم أكسب ارتفاع مستوى سعادتي فحسب، بل إني حصلت على ترقية خلال شهرٍ واحد وانتقلت إلى وظيفة ترضي طموحي بشكلٍ أفضل. لم أنسَ قطّ كيف نجحت في القيام بتغيير أجواء وظيفتي، ومستوى سعادتي في آنٍ. إنّ الارتباط بفكرة هدف سامٍ في الحياة يساعدك على الاتّساع ويلهم مخيّلتك في كلّ لحظة، ما يوصلك بالطبع إلى تحقيق النجاح. قال ألبرت شويتزر: "ليس النجاح هو الذي يوصلك إلى السعادة، بل السعادة توصلك إلى النجاح. إن كنت تحبّ ما تقوم به، فسوف تنجح". انظر إلى عواض الانقباض والاتساع لترى إن كنت في منطقة أصحاب الهدف: - الانقباض: تقوم بأعمالك من غير حبّ تحسّ بالبلبلة والملل لا تحسّ بوجهة واضحة أمامك ولديك رغبة في التراجع تعمل من أجل مصلحتك الفرديّة فحسب - الاتّساع: تشعر بالحبّ في كل ما نقوم به تشعر بالانسجام والاهتمام تشعر بالهدف من كلّ ما تقوم به وبشغف حوله أعمالك مفيدة لك ولغيرك   الحياة التي تستلهم هدفاً ومعانيَ سامية، تكون مفيدة للفرد كما لغيره. عادات السعادة لحياةً ذات هدف: 1- اكتشِفْ مكامن الشغف في داخلك 2- اتَّبِع إلهام اللحظة الحاضرة 3- شارِكْ في شيء أكبر منك   المصدر: كتاب السعادة من دون عناء (7 خطوات نحو سعادة حقيقية)

ارسال التعليق

Top