• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف تحافظ على ذاكرتك وتقويها؟

كيف تحافظ على ذاكرتك وتقويها؟
     إنّ هناك عدداً من الشروط التي لابدّ من توافرها لكي تكتمل الذاكرة. فنحن لا نستطيع التذكر بطريقة جيدة عندما نكون مرهقين. فإذا ما أردنا أن نستخدم ذاكرتنا بطريقة اقتصادية، فمن الواجب علينا إذن أن نقبل على استخدامها ونحن في حالة من الصحو التام.

وهناك كثير من الطلبة، وكذا كثير من أولئك الذين يشتغلون في أعمال تستلزم استخدام ذاكرتهم يحاولون الاستمرار في العمل لعدة ساعات كثيرة. فهؤلاء في النهاية بعد أن يكونوا قد قضوا فترة طويلة في العمل يصبحون مرهقين. ولذا فإنّه لا يكادون يحفظون ما تقع عليه أبصارهم ويحاولون حفظه. وأسوأ من هذا أن يؤثر التعب تأثيراً سيئاً فيما سبق لهم أن تعلموه عندما كانوا في حالة من الصحو الكامل.

فإذا ما صمم الشخص على الانكباب المرهق على العمل، فإنّ كيانه الجسمي يصبح في حالة من عدم الصحو الحقيقي، وبالتالي فبالرغم من أنّه قد يقضي عدة ساعات في الاستذكار، فإنّ النتائج التي يحصل عليها تكون مخيبة لآماله إلى حد بعيد. وعلى هذا فإذا نحن قضينا ساعات أقل من الاستذكار، فإنّنا ننجز قدراً أكبر من العمل.

 

الأجزاء الثلاثة للذاكرة:

هناك بادئ ذي بدء مرحلة يطلق عليها مرحلة الاستظهار، ثمّ هناك مرحلة الاستيعاب، وأخيراً مرحلة الاسترجاع. ومن الواجب علينا أن نميز بوضوح فيما بين هذه المراحل الثلاث.

 

كيف تحفظ بطريقة جيدة؟

أوّلاً: مرّن نفسك بالطريقة الصحيحة: فالتمرين يعمل على تحسين وسائل التعلم. فإذا نحن تدربنا على استظهار النثر مثلاً، فإنّنا سنكون قادرين على حفظه بيسر وسهولة. ولكن مع هذا فإنّ ذاكرة حفظ الأسماء لا تكاد تتحسن بسبب حفظ النثر. ولكن بينما نجد أنّ التدريب على نمط معيّن من الاستظهار لا يساعدنا كثيراً في استظهار أشكال أخرى من الموضوعات، فإنّ هناك مبادئ عامة معينة يمكن تطبيقها على معظم حالات الاستظهار. ويمكن أن يؤدي هذا التطبيق إلى إحداث تحسن عام.

ثانياً: عليك باستخدام حواس متنوعة: إنّ المبدأ العام هو ضرورة استخدام حواس مختلفة في التحصيل. فإذا نحن استرجعنا أيام دراستنا في الطفولة، فإنّنا نذكر أنّ المدرّس كان يحاول أن يدرّبنا على تذكر حقائق معينة. وكان يعمد عادة إلى كتابة الحقائق على السبورة ويطلب منا أن نسجلها بكراساتنا. وبالرغم من أنّ المحتمل أن تكون لدينا بالوراثة مخيلة سمعية، فعلى الأرجح أنّنا لم نكن نقف على تلك الحقائق في صورة منطوقة على الإطلاق.

ثالثاً: درب نفسك على التركيز: التركيز معناه مراعاة الدقة في الملاحظة. إنّه ينبغي أن يكون عملية إيجابية. فعلينا أن نبحث جادين عن أوجه الشبه وأن نقف على المقارنات وعلى نوع من العلاقة تساعدنا في استعادة ما سبق لنا أن درسناه. والواقع أنّ التركيز يعتبر مسألة إرادة إلى حد بعيد. ولقد كان وليم جميس مصيباً بالتأكيد عندما قال: "إنّ الشخص الذي يتناول خبراته بالتأمل المتقن ويربط فيما بينها بعلاقة منظمة للغاية، هو ذلك الشخص الذي يتمتع بأفضل نوع من الذاكرة".

رابعاً: إفهمْ معنى ما تقرؤه: فمن اليسير علينا جدّاً أن نحفظ الشيء إذا ما أدركنا ما يحتويه من معنى. وهذا يتضح أكثر ما يتضح إذا استعرضنا أحد الاختبارات المشهورة من اختبارات الذاكرة. ففي هذا الاختبار يطلب إلينا أن نتذكر قائمتين من الكلمات. أما القائمة الأولى فإنّها تتضمن مجموعة من الكلمات لا تقوم بينها أيّة رابطة. أما القائمة الثانية فإنّها تضم كلمات تحمل نوعاً من العلاقة فيما بينها. فالقائمة الثانية تكون سهلة الحفظ، بينما يصعب حفظ كلمات المجموعة الأولى.

 

الطريقة الكلية في الحفظ:

هل من الأفضل أن تقسّم القطعة التي تريد حفظها إلى أجزاء، أم تحاول حفظها عن طريق تكرار قراءتها ككلّ متكامل؟

إنّ اختبارات التكرار أثبتت أنّ أفضل طريقة لذلك هي الأخذ بالطريقة الثانية. أي قراءة القطعة ككلّ. فلقد أثبتت تجربة الاختبارات على الطريقتين في حفظ 240 بيتاً من الشعر، أنّنا إذا ما قارنا حفظنا بمعدل ثلاثين بيتاً منها كلّ يوم مع القراءة الكلية للقصيدة التي تتكون من 240 بيتاً، فإنّنا نقتصد عن طريق القراءة الكلية مدة تقدر بخمس الوقت المقضى في الحفظ. وهذا قد يبدو أفضل إذا نحن أخذنا في التثبت مما حفظناه أوّلاً بأوّل. ولكن الواقع أنّ هذا الإحساس يعزى إلى أنّنا نرغب في الاطمئنان على النتائج أوّلاً بأول.

وعندما نقوم بتكرار قراءة الـ240 بيتاً، فإنّنا لا نستطيع ملاحظة كثير من الاختلاف بين مرة وأخرى. ولكن في الاختبارات التي ذكرناها كرست عشرة أيام لحفظ هذا العدد من الأشعار بالطريقة الكلية، وكانت القراءة تتم ثلاث مرات يومياً. ولكن عندما كانت تحفظ أجزاء معينة، فقد كان من الممكن ملاحظة النتائج بسرعة.

فإذا حفظنا الكلّ، فإنّ العلاقات المختلفة التي نجدها في الكلّ تساعدنا على ربط الأجزاء في سياقها. إذن فالسياق يساعدنا على الحفظ، أو لعلّ من الأدق القول بأنّه يساعدنا على الاستعادة. إذن ما يساعدنا في الطريقة الكلية هو المعنى المضاف الذي نلم به بواسطة قراءة الكلّ.

والشعر في جوهرة موسيقى كلامية. وموسيقى الكلام ترتبط بطبيعة الإنسان. والواقع أنّ اللغة لم تبدأ على ألسنة الناس البدائيين كلاماً يعبر عن معانٍ، بل بدأت بأنغام تعبر عن عواطف وانفعالات.

ومعنى هذا "أنّ التعبير عن المشاعر العاطفية يسبق التعبير عن الأفكار والمعاني. والشعر هو لغة العواطف. ولذا ينبغي تناوله بنفس العواطف التي استولت على الشاعر وهو ينشئ قصيدته.

وأوّل خطوة لحفظ الشعر هو تذوقه. فإذا أنت حفظت إحدى القصائد بغير أن تتذوقها، فإنّك تكون عندئذ كالببغاء الذي ينطق بكلام لا يفهم معناه. وجوهر الشعر يتمثل فيما يحتويه من عواطف وليس فيما يحتويه من أفكار منطقية.

وحتى الأفكار في الشعر ليست أفكاراً منطقية، بل هي أفكار عاطفية، أو هي عواطف يعبر عنها بأفكار. والصياغة اللغوية في الشعر هي الإناء الذي يحمل ما ينم عن عواطف الشاعر.

ولكي تحفظ الشعر يجب أن تغنيه. وغناء الشعر العربي ليس بحاجة إلى ملحن. فإذا أنت قرأت الشعر قراءة صحيحة، فإنّك تجد نفسك تلحنه في نفس الوقت. فالأنغام الشعرية موجودة في البناء الشعري نفسه وليست خارج نطاقه.

ولكن إذا واتتك فطرتك فغنيت الشعر بلحن تختاره أنت، فإنّ ذلك يسهل عليك حفظه. عليك فقط بالبحث عن أي إيقاع رتيب يصلح للشعر الذي تريد حفظه. ذلك أنّ هناك إطاراً موسيقياً قد التزم به الشاعر عند قرضه لشعره. ومهمتك أن تعرف ذلك الإطار الموسيقي الذي يتكرر في كلّ بيت. إنّك سوف لا تجد في أي بيت من أبيات القصيدة ما يشذ عن ذلك الإطار الموسيقي.

وهناك بعض الطلبة يحفظون الشعر بتحريك الجسم مع نغمات الشعر. وهم يجدون في حركات رؤوسهم أو أيديهم ما يساعدهم على سرعة الحفظ.

ولقد أظهرت التجارب التربوية أنّ الحفظ الجماعي للشعر أسرع من الحفظ الفردي. فإذا ما قمت بحفظ قصيدة وحدك في بيتك، فإنّك تحفظها في وقت أطول مما تحفظ خلاله قصيدة مماثلة وأنت مع زملائك.

وإذا كانت القصيدة ملحنة وتقدم إلى مجموعة من الأفراد، فإنّهم يحفظونها بسرعة مدهشة. وكلما كان قائد مجموعة الشباب أكثر انفعالاً وحماساً وبياناً، فإنّ الحفظ يكون أسرع وأدق.

وقائد المجموعة – سواء كان مدرّساً أم زميلاً – يكون أكثر تأثيراً في الحفظ إذا ما استعان بالتمثيل في الأداء. والتمثيل هو استيعاب للعواطف التي تحملها القصيدة. وهو تفهم لمعانيها، وهو أيضاً تقديم تلك العواطف وهذه المعاني بالتعبير بملامح الوجه وبحركات اليدين وبما تتخذه القامة من أوضاع.

ويحسن أن يكون الشعر من اختيارك أنت وقد استحسنت إحدى القصائد ورغبت في حفظها. وحبذا لو عوّدت نفسك منذ اليوم على اختيارك ما يروق لك من شعر وعكفت على حفظه. إنّ بيتاً واحداً من الشعر ربما يغنيك عن تقديم ألف برهان وبرهان على كلامك. فاحرص على حفظ الشعر يرتفع إذن شأنك في أنظار مَن تتحدث إليهم وتجالسهم.

 

الكاتب: يوسف ميخائيل أسعد

المصدر: كتاب شخيتك بين يديك

ارسال التعليق

Top