• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف نصل الى التوفيق في حياتنا؟

السيد عادل العلوي

كيف نصل الى التوفيق في حياتنا؟
   الإنسان ذلك الكائن المجهول، الذي هو أشرف المخلوقات، ومن أجله خُلقت الأرض والسماوات، يمتاز عن الكائنات الحيّة بعقله وقلبه، ويتبلور ويزدهر العقل بالفكر، وأما القلب فإنما ينصقل ويتهذب بالذكر. والطريق إلى ذلك بالعلم والإنكشاف، إلا أن طريق الفكر هو الدراسة والمطالعة والتثقيف العام، وبداية من الصبا إلى أواسط العمر، وطريق القلب إنما هو بالذكر والمناجاة، وذلك من المهد إلى اللحد، فلا يكسل الإنسان في طلبه وممارسته حتى سن الكهولة، فهو يتشوّق الدعاء والمناجاة. وإن كان يملُ من تلقّي الدروس، فالروايات التي تأمر بطلب العلم من المهد إلى اللحد كثيرة، وإن الجنين بعد ولادته يؤذّن في أذنه اليمنى، ويقام في اليسرى، ناظرة إلى هذا العلم عن طريق القلب، ولا يحق للمرء أن يأخذ هذا العلم من أي كان، بل فلينظر إلى طعامه، أي إلى علمه ممّن يأخذ، وأن يعاشر من يذكّره الله رؤيته، ويزيد في علمه ومنطقه، ويرغّبه في الآخرة عمله. "فمن أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن نطق عن الله فقد عبد الله، وإن نطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان". وأما الروايات التي تقول: انظر إلى ما قال لا إلى من قال وآية (يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) (الزمر/ 18)، فإنها نظارة إلى طريق العقل والتفكّر، فيحق للمرء أن يستمع الأقوال والآراء ليأخذ منها النافع، وإنّه يتعوذ من العلم الذي لا ينفع، والحكمة ضالة المؤمن يأخذها ولو من رأس مجنون. وبعبارة أخرى: الرؤية الكونية، ومشاهدة هذا العالم، إمّا أن تكون مادية أو إلهية، والتفكّر المادي سير من الخلق إلى الخلق بالخلق، فالسائر يدور في عالم المادة المحصنة و"الهيولانية" المظلمة، وأمّا التفكّر الإلهي النوراني فهو سير من الحق إلى الحق، ومن الحق إلى الخلق ومن الخلق إلى الحق ومن الخلق إلى الخلق، كل ذلك بالحق، فهذه أسفار أربعة، وهي إمّا عن طريق النظر والاستدلال، أو من طريق البصر والشهود، وبعبارة أخرى: إمّا من طريق العقل أو من طريق القلب، فالأوّل يتلقّى المعارف والعلوم بالعقل والفكر والنظر، وبالحركة من المراد إلى المبدأ ومنها إليه. والثاني يتلقّاها بالقلب والمكاشفة، وطريق الأول مسلك الحكماء والفلاسفة، والثاني مسلك العرفاء، وفق عميق بين المسلكَين، فالحكيم يفكّر فيفهم، العارف يبصر ويشاهد، فالأوّل سير غيبي والثاني سير شهودي. وما يقدّمه العارف أهم وأكثر ممّا يقدّمه الفيلسوف، وربما جمع الإنسان بين المسلكين وأصبح عارفاً حكيماً، وهو الذي يسمى بالكون الجامع فيجمع بين الفلسفة والعرفان. والسلوك العرفاني: تارة بالأسباب والعلل الظاهرية، أي بمظاهر أسماء الله الحسنى، صغارها تحت الكبار، وكبارها تحت الاسم الأعظم، وأخرى بالقلب. والأوّل طريق عام والثاني طريق خاص للخواص، وبالأول يصل الإنسان إلى مقام فيفاض عليه سراً، فيلهم القلب الذي هو حرم الله وعرش الرحمن، وعنده مفاتح الغيب، والمفتاح بيد القلب، والله يعلّم الناس من وراء حجاب أو من الوحي والإلهام، ويناجيهم في سرّهم، ولكن الإنسان يتكلم مع ربّه من دون واسطة فيناديه: يا ربّاه، وتجاب دعوته. وهذا طريق الغيب وهو مفتوح دوماً ولا يُغلق، وبه القلب يطمئن في كل الأحوال والظروف، ولا حجاب بين الإنسان وبين ربّه إلا الذنوب والمعاصي، وأقرب الطرق إلى الله هو الحبّ والعشق القلبي وعزم الإرادة القلبية إلى الله سبحانه، جامعاً بين الشريعة والطريقة والحقيقة، وذلك العارف بالله حقاً، ويعبد الله مخلصاً، فإنّ العبادة بعد المعرفة، ولما لم يمكن معرفة كنه الذ1ات الربوبية، فلا يمكن أن يعبد الله حقّ عبادته، سواء النبي أو الولي أو العارف أو الحكيم، فشعارهم ما عبدناك حقّ عبادتك، وإن عبدوا الله حتى أتاهم اليقين.   - التوفيق وأسبابه: بعد بيان هذه المقدمة الموجزة التي تشير إلى أهم العنصرَين في الإنسان وهما: العقل والقلب، وإشارة عابرة وخاطفة إلى لوازمهما وكيفية تربيتهما لمن ألقى السمع وهو شهيد، وتكفي الإشارة لمن يعقل ويريد نذكر أهم العوامل والأسباب التي لابدّ من مراعاتها والالتزام بها لمن أراد أن يكون موفّقاً في حياته العلمية أو العملية، الفردية أو الاجتماعية. كل حسب حاله وما تقتضيه حياته الخاصة والعامة. ولا يُخفى أن كلمة (التوفيق) مشتقّة من الوِفق، بمعنى أن تكون الظروف والأعمال على وفق ومرام ما يبغيه المرء في حياته. مثلاً لو أراد السفر: تتهيّأ الراحلة والزاد بسهولة وكما يرام، وما أن يخرج من داره إلا ويحصل على سيارة، ثم يرافقه في الطريق مصاحبٌ أريحيٌ فاهمٌ، ولم يعترضه ما يسيئه في السفر، ويصل إلى مقصوده، وينال ما ينتظره ويبغيه، ويرجع بسلامة، فإنّه يقول: كنت موفقاً في سفرتي هذه. ولكن إذا داهمته المصاعب وفشل في الوصول إلى مقصوده، ورجع خائباً، فإنّه يتأفّف ويتأسف لأنّه لم يكن موفّقاً في سفره. والإنسان في حياته إنما هو في رحلة وسفر، يحاول أن يكون موفّقاً في عمله، وناجحاً في أسرته ومجتمعه، وإذا أرد الله بعبدٍ خيراً هيّأ له الأسباب، ولكن على المرء أن يسعى ليكون من أهل الخير حتى تتاح له الظروف وتتهيأ له الأسباب ويكون موفّقاً. مع هذا هناك أسباب اتفق العقلاء على أنّ مَن التزم بها، مع حقّ المراعاة، فإنّه يتوفّق في الحياة وهي كما يلي:   - الأوّل: اغتنام الوقت والفرصة:

كل شيء عند ضياعه وتلفه يمكن أن يعوّض ويُجبر إلا الوقت والزمان فهيهات للمرء أن يعوّض الوقت الضائع، وقد يتصوّر الشباب أنهم خالدون في الحياة، وتبقى لهم قوة الشباب، فلا يثمّنون وقتهم الغالي وحيوية نشاطهم، ولكن من عرف الوقت وعرف قيمته اغتنمه، فـ(انطوان جيخوف) كتب أكثر من ألف قصة، وخلّف من ورائه العدد الكبير من المؤلفات. العدد الكثير يتألف من الصغار، والعمر من السنين، والسنون من الشهور، والشهور من الأيام، والأيام من الساعات، والساعات من الدقائق، والدقائق من الثواني، والثواني من الآنات، والآنات من اللحظات، واللحظات كلمح البصر أو هو أقرب.

فاغتنم لحظات عمرك وشبابك قبل هرمك، وسلامتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، والوقت كالسيف إذا لم تقطعه قطعك، ورأس المال عمرك الغالي، فلا تضيّع وقتك فيضيع عمرك، ولا تضيع عمرك فتندم يوم لا ينفع الندم، فحاسب وقتك أشدّ الحساب، ولا تبطله بالأباطيل، والقال والقيل، واللهو واللعب. فما خلق الإنسان لذلك، وخير الأوقات وقت الشباب، وفاز ونجح من نظّم وقته، وقسّمه على أعماله، وإنما حاز السبق ووصل إلى قمة المجد والخلود من نظّم وقته، كابن سينا وباسكال وشوبرت وغيرهم من العظماء الذين عرفوا قيمة وقتهم، فنظّموا أعمالهم، وما أروع مقولة أمير المؤمنين (ع) موصياً ولدَيه: "وعليكما بنظم أمركما"، فلابدّ من تنظيم الوقت، ومن ثم نحاسب أنفسنا ونضع علامة الزائد (+) للساعات التي استفدنا منها، وعلامة الناقص (-) لتلك التي ذهبت من أيدينا هدراً، ثمّ نسعى في المستقبل لنُبدّل النواقص بالزوائد، فإن بعض الساعات تسرق منّا، وبعضها تؤخذ وبعضها تفرّ، فالتي تفرّ لا سبيل لنا في قيدها، ولكن يمكن الوقوف أمام سرّاق الوقت بكل بسالة، أنهم شرّ السراق، فـ(زان) الرسام الفرنسي الكبير كان يفرّ من الناس ليغتنم الفرص، وكان يعتقد أنهم علائق وعوائق عن اغتنام الفرص، وتضييع الفرصة غصة، فلابدّ أن نحذر ممّن يريدون أن يملأوا ساعات فراغهم باللعب واللهو ويسرقون أوقاتنا الغالية، فلا نفسح لهم المجال ليعثوا في ساعات الحياة، ويفسدوا عُمرنا الغالي العزيز، وأخيراً من أتعب نفسه في شبابه استراح في شيبته.   - الثاني: الأمل والرجاء في الحياة:

من يئس من حياته فقد خسر، وهوى من شموخ إنسانيته، والموت الحقيقي للإنسان هو موت اليأس، فإنّه السيف البتّار، واليأس إنما هو القدم الأول إلى القبر، وإنّ الأمل والمنى في الحياة كجناحَي الطائر، لولاهما لما حلّق الإنسان في سماء العظمة والخلود، والأمل هو القوة المحرّكة نحو الأهداف السامية، والدنيا قامت على الآمال المعقولة، وستبقى على الآمال الصحيحة. وإنما ينفع الأمل لو كان صادقاً مستقيماً نابعاً من الحقائق والواقعيات، لا ما كان كاذباً منسوجاً بخيوط الأوهام والخيالات، فإن مثل هذا الأمل كمثل سراب بقيع يحسبه الظمآن ماءاً، وكمثل نقش ورسم الخُبز بعيون البؤساء الجياع، الذي لا يُغني ولا يسمن من جوع. والأمل الصادق ما يتعقّبه السعي والعمل المتواصل، ولا تيأس من حياتك، فلعل آخر مفتاح في جيب فكرك ليفتح لك أقفال مشاكل الحياة.

  - الثالث: الهدف في الحياة والصبر من أجله:

لابدّ أن يكون لكل واحد منّا هدف في حياته، يبرمج أوقاته بروح الأمل ليصل إلى الهدف المنشود، والأهداف تختلف باختلاف. الهمم والنفوس، ومن لم يكن له هدف مقدّس في حياته فإنّه ضائع حيران في ألوان الإرادة والتصميم، ومن يبغِ القمة والعظمة في حياته العلمية أو العملية، فلابدّ أن يكون له هدف واحد، وتصميم واحد، وأمل واحد، ولا يصل الإنسان إلى ما يبغيه بالتمني والترجّي، وبلعل وليت، إنما بالسعي المتواصل والعمل الدؤوب والجهود المستمرة، ولا ينال وسام الموفقية بسهولة، بل بالجهد والنصَب، ولابدّ من تربية الحواس الخمسة الظاهرية لكسب العلوم والفنون، وكل من عظمت روحه فشعاره في الحياة إما الموت دون الهدف الصادق وإما الفوز والنصر بوصول الهدف الفائق، ولابدّ من نيل إحدى الحسنيين. والرجل الواقعي من كان له شجاعة القول، ومن قدُر أن يقتل اليأس في نفسه فإنّه لا يؤخر عمل اليوم إلى غده، فإنّ عمل اليوم لهذا اليوم، وللغد أعماله، ولابدّ من الإرادة والتصميم والصدق والصبر والشجاعة.

فإن طارق بن زياد حين فتح الأندلس أحرق السفن من خلفه مخاطباً عسكره هاتفاً: "أيها الناس أين المفر، البحر من ورائكم، والعدوّ من أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر". ومن طلب العلى سهر الليالي واشترى الآلام بنفسه ووجوده. وفي المثل أنّ الحيوان ابن الدبّ حين مشيه أخذ يتفلسف مع أمّه قائلاً: أبغي المشي ولكن لا أدري هل أضع رجلي اليسرى على الأرض أو الرجلين أو أمشي على الأربع؟ فقالت له أمّه: دع عنك التفلسف وسر.   - الرابع: معرفة الطريق ووضوح المسلك

بعد تشخيص الهدف في الحياة، لابدّ من معرفة طريقة وكيفيّة السلوك والوصول إليه، فمن عرف الطريق السليم، وعمل وسار حتى النهاية، بكل نظم واستغلال للفرص والوقت الثمين، فإنّه فاز ونجح في حياته، فالحذر من تضييع الوقت والتبذير فيه، وإنّ الحياة تعلّمنا كيف نعيش وكيف نموت، وما دورنا في الحياة، أهو على الهامش أو في المقدمة؟ وإنّ الرجل مولود أفكاره وآماله وآمانيه الصادقة، التي يجدُّ بكل إخلاص ودقة لينالها بعدما عرف صوابها وسلامتها، وطوبى لمن عرف قدر نفسه. كفى بك بكاء على الماضي، ولا تغفل عن يومك هذا، فإنّ الوقت أعزّ الأملاك، وكما لا نغفل عن زراعة هذه الأرض الخصبة، بل نفلحها بالعمل الصالح والعلم النافع، فلابدّ لنا من اغتنام الوقت والأمل والرجاء ونصب الهدف والصبر ومعرفة الطريق، ولابدّ من مراعاة هذه النقاط التالية:

1- العمل الفوري، فخير البر عاجله. 2- لا ندع عمل اليوم إلى غدٍ، فإن غداً له أعماله وأفعاله. 3- ما نستطيع إتيانه لا نكلّف الآخرين به. 4- لابدّ من الطمأنينة في سرعة العمل، فإن عدم الطمأنينة والعجلة، ربما تورث الندم، ويوجب تكرار العمل، فلابدّ لك أن تعتمد على نفسك بعد الاعتماد على الله سبحانه وتعالى. 5- لكل وقت عمله الخاص، فلابدّ من وحدة العمل حتى نهايته. 6- لا تذبذب ولا تردد بعد معرفة سلامة الطريق، وقداسة الهدف، فإنّ التذبذب علامة ضعف الأخلاق. والتصميم على العمل وإن كان ضعيفاً، أنجح من عمل لا تصميم له. 7- لا تخف من الأمر العظيم، فإن طلب ما هو عظيم يولد فيك القوة العظيمة. 8- لابدّ من معرفة مكانة العمل ومحاسبة كل شيء، فكثيرون هووا وسقطوا في حياتهم إثر العجلة أو التأخير، وفي التأخير آفات. 9- انتهاز الفرص فإنها زهور الحياة، لولاها لذبلت، ويمكن للمرء أن ينال ثروته المفقودة بالعمل، وعلمه المنسي بالمطالعة، ولكن لا سبيل له إلى الوقت المنقضي، فإنّه مفقود والأثر في عالم الأبد. وإنّ الوقت يمرّ كما يمرّ السحاب. 10- لابدّ من إحساس اللذة والشوق في العمل، فمن لم يستلذ بعمله، فقد سدّ على نفسه طريق تقدمه وازدهاره، والتذمّر والكسل سمّ قاتل لسلامة الروح والجسد، وربما يتعب الإنسان من كسله أكثر من عمله، وممّا يضيع الحق التضجّر والكسل. 11- لا تنتظر الفرص، بل عليك بإيجادها، ولا تيأس، فإذا يئست فأدِمِ العمل، الرجل العظيم من كان قوي الإرادة، سالم الفكر، سريع العمل، قادر على تركيز قواه الدماغية، معتمداً على نفسه، متوكلاً على ربّه، ينتفع من تجارب الآخرين، يعيش بكل أمل وثقة. وأما ضعيف النفس فإنّه ينتظر الخوارق والمعاجز. وقويّ النفس من يخلق المعاجز والخوارق، والناجح في الحياة يعمل ثمّ ينتظر، وغيره ينتظر ولا يعمل. والتسليم إلى التقدير والحظّ حجّة من يفرّ من الجهد والعمل، وهو يسعى من أجل رفع الأخطاء في حياته، والرجل الواقعي من يفكر برفع مشاكله الحاضرة، منتفعاً من الاشتباهات الماضية.. والعلم بالخطر قبل حلوله بمنزلة السلاح لرفعه، وضعيف النفس إنما يفرش طريق سقوطه بمثل (لو) و(إذا) و(لعلّ) و(ربّما)، وقويتها من يتسلّق سلم الصعود، ولا يبالي بالانكسار، فإنّ الكسر الكبير للرجل الكبير، وإنما الانكسار الواقعي عند قبوله بالانكسار وإنهاك القوى أمامه. فلابدّ من تحجيم وتحديد الانكسار، فإنّه مثل باقي الأمور من النسبيات، يمكن التغلب عليها بالمثابرة والاستقامة والتفكر السليم، ومن ثمّ من العقل حفظ التجارب، ويكون الإنكسار تجربة الانتصار. 12- الحذر من التقليد الأصمّ الأبكم الأعمى، فالرجل ذو الفكر السليم والتصميم القوي، لا يتحكم في كيانه قيود الناس، إذ القانون ينبع من فطرته، ويتفجّر في أعماقه، والتوفيق في الحياة ليس الذكاء الخارق، بل استثمار الذكاء، كالتاجر إنما يربح في تجارته، لو عرف كيف يستغل رأس ماله، وإن كان قليلاً، فالتفكير الصحيح مفتاح الرُّقي، ومن أراد العمل لابدّ أن يعرف ما العمل، وكيف العمل، وماذا يعمل، وما الهدف من العمل؟ حتى يتسلق سُلّم الشموخ والعظمة والموفقية، ومن انكساره في الحياة يصنع جسراً ليعبر عليه ليصل إلى النصر المنشود، والعظماء إنما جنوا ثمار النصر من الانكسار في حياتهم، فإنّهم كسبوا التجارب، والعاقل من يحفظ التجارب ويستخدمها. فلابدّ أن نقف أمام رياح المِحَن، كالجبل الراسخ، وأمام سيل البلاء كالسدّ الرصين. ولا يحكم في وجود التقليد الأعمى، كما لا نخاف السقوط، بل بكل شهامة وبسأله نقاوم ونجاهد. وإنّ التاريخ ليشهد أن آثار العظماء إنما هي حصيلة السجون والمنفى والمهجر، فتصنيف كتاب (البؤساء) إنما كان في المنفى، و(تاريخ العالم) في السجن، وترجمة الإنجيل في قلعة وارتبورك. ويحقّ لنا أن نقلّد الآخرين في نتاجهم في وعي وبصيرة، ولا نتوقف في فلكها بل نتجاوزها للإبداع والخلق الجديد.   - الخامس الانتصار على الأتعاب الكاذبة: الكل يعلم أنّ العمل متعب، وربما يصاب المرء بالكسل والتضجّر والتعب، وربما يكون ذلك كاذباً فلا تلق نفسك في أحضان التعب، لا سيّما الكاذب منه، بل لابدّ من مصارعة مثل هذه الأتعاب حتى الوصول إلى النهاية المقصودة، وعلينا أن نفكر بالانتصار دوماً، فإن (نابليون) قبل انتصاراته في الحروب كان يفكّر في النصر ويخطط لذلك، إذ علم أنّ النصر لمن فكّر بالنصر، والفكر إمّا من مقولة الفعل وذلك ما نخلقه، وإمّا من مقولة الانفعال وذلك ما نتأثر به من الآخرين، والأوّل أفضل من الثاني، والعاقلل من يفكّر في أعماله ليل نهار، ويعجز منه التعب لقوة إرادته وحدّة نشاطه وديمومة عمله، الضعيف يبرّىء نفسه من كسله وانحطاطه بمثل هذه الكلمات: (أتصور أنّ الحظ لا يكون حليفي)، (الأحوال ليست على ما يرام)، (لا وقت لدي)، (ما الفائدة من العمل في مثل هذه الظروف)، (ما الفائدة من السعي والجهود إذا لم يكن التوفيق) وأمثال ذلك. ومن اعتقد أنّ التقدير هو الحاكم المطلق في حياته، فإنّه اعترف بضعف إرادته، فـ"لا جبر ولا تفويض هو أمر بين أمرين". (أديسون) المخترع امتحن اختراع الكهرباء أربعين مرّة، حتى أضاء الدنيا بصبره وضوئه، و(كيلر) بعد تسعة عشر مرة من إصلاح نظريته أثبت حركة السيارات، هذا يعني أنّه انتصر بعد سقوطه ثمانية عشرة مرة. وأخيراً لابدّ من الفوز على الأتعاب بكل حيلة ووسيلة.   - السادس: تلقين النفس بالنجاح:

من العوامل المؤثرة في حياة من يبغي الكمال وفوز العمل وأن يكون موفقاً، هو تلقين النفس بالنجاح والانتصار، فهو من مقومات الإرادة الفولاذية، والإنسان مخلوق إرادته، وتاريخ التمدّن البشري يشهد أنّ النجاح لمن قال في نفسه (أقدر) وغُلب من غَلَبَتْهُ نفسه، وأشجع الناس من غلب هواه. والساقط من كان متزلزل الإرادة، وعاشق الهدف تبقى شعلة العشق وهّاجة في وجوده، وتضطرم بنفخها بأنفاس تلقين النجاح، ويبقى الشعار: الإرادة ثمّ السعي ثمّ الوصول، وهيهات منّا التسليم للانكسار والسقوط. وبيدك عزّتك وشرفك، والعاقل غرائزه في خدمة إرادته والاهل إرادته في غرائزه.

  - السابع: الإخلاص في العمل: فإن من أخلص في حياته في فكره وسلوكه مع ربّه ونفسه وأمّته فقد نال المُنى وفاز بالمقصود، ومن غرر الكلمات (أخلص تنل) ومن عاش بالحيلة والمكر والخديعة يمت بالفقر والهلاك والخيبة. وأخيراً طوبى لمن عرف قدر نفسه وحياته، وعاش سعيداً ومات سعيداً.

ارسال التعليق

Top