• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الآيات الوصفية في معاجز الله الكونية

فاضل أحمد العلوي

الآيات الوصفية في معاجز الله الكونية
 ◄لا توجد زاوية من الزوايا التي ينظر من خلالها المسلم أو المحايد إلى كتاب الله إلا ويرى سورة من سور الإعجاز تشهد بأنّ القرآن الكريم كلام الله وبأنّ هذا النبي الخاتم (ص) موحى إليه من قبل رب العزة. القرآن الكريم له رسالة وهي الدين بأساساته الأربعة: العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملة. وإذا نظرنا في هذه القضايا وجدنا ما يشهد القرآن بأنه معجزْ. الآيات الكونية مثلاً، وهي أكثر من ألف آية صريحة أي حوالي سدس القرآن الكريم جاءت كلها تشهد بقدرة الله وبديع صنعه. وانّ الخالق سبحانه الذي صنع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته قادر على إفناء الكون وإعادة خلقه من جديد. ونرى بعضاً من هذه القدرة في زماننا في ظل المعرفة عن الكون ومكوناته التي بدأت تنفتح أمام رؤى العلماء في زمن العلم والتقنية الذي نعيشه. وابتداءً فإنّ التفسير العلمي للقرآن الكريم يعني توظيف كل المعلومات المتاحة لحسن دلالة الآية القرآنية، وهذه المعلومات قد تكون فرضيات ونظريات كما قد تكون حقائق وقوانين. أما الإعجاز العلمي فهو موقف تحدٍ يراد أثبات حقيقة للناس كافة أنّ هذا القرآن الكريم الذي أنزل قبل 1400 سنة على النبي الأمي في أمةٍ كانت غالبيتها الساحقة من الأميّين، يحوي من حقائق هذا الكون ما لم يستطع العلماء إدراك بعضها إلا منذ عشرات قليلة من السنين. فلو أخذنا قضية خلق السماوات والأرض التي يتحدث عنها القرآن الكريم في ست آيات محدودة تحكي لنا قصة الخلق والإفناء وإعادة الخلق فإنها لا تقع مباشرة تحت مشاهدة العلم التجريبي. أما الآيات الوصفية في القرآن الكريم فهي أكثر وضوحاً للقارئ من غيرها لأنها تقع مباشرة تحت مشاهدة العلم التجريبي وهي شديدة والوضوح في إعجاز هذا القرآن الكريم من الناحية العلمية. فمثلاً يصف لنا القرآن الكريم باستمرار الشمس بأنها ضياء ويصف القمر بأنّه نور، على أنّ العلم التجريبي لا يفرق بين الضياء والنور، والقرآن الكريم يذكر لنا باستمرار (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ) (يونس/ 5)، نعلم انّ الضياء هو ما ينبعث مباشرة من جسم مشتعل مضئ بنفسه وحينما يسقط هذا الضياء على جسم معتم فينعكس نوراً. ولذا فالشمس كرة ملتهبة والقمر كرة باردة، فمن كان يستطيع أن يفرق بين هاتين الحالتين منذ أكثر من 1400 سنة إلا الخالق سبحانه وتعالى.   -       في أدنى الأرض: وفي آية وصفية أخرى يقول الحق تعالى: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ) (الروم/ 1-4)، تعتبر هذه الآية الكريمة وحسب علماء التفسير من آيات الإعجاز لقراءتها المستقبل فحينما نزلت هذه الآية لم تكن المعركة قد تمت بين الفرس والروم ولكن القرآن الكريم تنبأ بها قبل حدوثها بأكثر من 10 سنوات أو 11 سنة، إنّه إعجاز تنبوئي أو مستقبلي في القرآن الكريم وقال المفسرون إن معنى "أدنى الأرض" هو أقرب الأرض إلى الجزيرة العربية وهو مكان المعركة أي أرض فلسطين. وفلسطين هي أقرب الأراضي إلى الجزيرة العربية. وتأتي العلوم التجريبية لتؤكد على أنّ حوض البحر الميت الذي تمت فيه المعركة (وهذا ثابت تاريخياً) هو أكثر أجزاء اليابسة انخفاضاً على الاطلاق ويبلغ هذا الانخفاض 400م عن مستوى سطح البحر. إنها منطقة خسف قوم لوط الذين عاقبهم الله سبحانه وتعالى بالخسف (يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ) (النحل/ 45). فالقرآن الكريم يصفها بهذا الوصف المبدع (غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأرْضِ)، ويأتي العلم الحديث ليؤكد هذه الحقيقة الكونية القائمة.   -       والجبال أوتادا: ومن الآيات الكونية الوصفية قول الحق سبحانه وتعالى: (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) (النبأ/ 7)، يعرّف الوتد بأنه كتلة من الخشب أو الحديد تثبت بها أركان الخيمة أو أركان المبنى، أغلبها مدفون في الأرض وأقلها ظاهر فوق السطح ووظيفته التثبيت. فحينما درس العلماء الجبال وجدوها نتوءات فوق سطح الأرض لا يزيد إرتفاع إغلبها عن بضع مئات من الأمتار، وإن وصف القرآن الكريم قبل 1400 سنة (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) هو بغاية البلاغة والإعجاز لأنّه بلفظة واحدة وصف الشكل الخارجي والامتداد الداخلي والوظيفة، سبحان الله. ويأتي العلم التجريبي ليؤكد أنّ كل ارتفاع فوق سطح اليابسة له امتداد داخل القشرة الأرضية يزيد عن 10-15 ضعف ارتفاعها فوق سطح الأرض. وهذه الجبال هي نوع من التثبيت لكتل القارات لجعلها صالحة للعمران وكذلك فإنّها وسيلة رائعة لتثبيت الأرض في دورانها حول محورها حول الشمس. ويقول الله سبحانه وتعالى في أكثر من عشر آيات عن إرساء الأرض بالجبال: (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ) (النازعات/ 32-33)، ويقول سبحانه وتعالى: (وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) (النحل/ 15 - وسورة لقمان/ 10).   -       ذات الصدع: وفي آية وصفية أخرى يقول سبحانه وتعالى: (وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) (الطارق/ 12)، انّه قَسَمٌ عظيم وحقيقة كونية مبهرة لم يكتشفها العلماء إلا في نصف القرن الماضي. فالأرض التي نحيا عليها لها غطاء صخري خارجي، وهذا الغطاء ممزق بشبكة هائلة من الصدوع تمتد لمئات الآلاف من الكيلومترات طولاً وعرضاً وبعمق 65-150 كيلومتراً وكأنّه لحام على كرة التنس. والغريب أنّ هذه الصدوع مرتبطة ببعضها وكأنها صدع واحد تتحرك الأرض عبره من أسفل إلى أعلى أو من يمين إلى يسار. وقد استطاع العلماء رسم هذه الصدوع بالكامل خلال الفترة بين 1945-1965. وهم يقولون أنّ وجود هذه الصدوع المتصلة ضروري لجعل الأرض صالحة للعمران، لأنّ الأرض فيها كم هائل من العناصر المشعة التي تتحلل تلقائياً مؤدية إلى حرارة عالية وأنّ هذه الحرارة إن لم تجد متنفساً سهلاً لها فإنّها تتسبب في إنفجارها كقنبلة نووية. سبحان الله خالق كل شيء وهو على كل شيء قدير. المصدر: مجلة الكلمة/ العدد الأول لسنة 2004م

ارسال التعليق

Top