• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

البعد الفكري للشباب

د. علي القائمي

البعد الفكري للشباب

◄إنّ مرحلة البلوغ هي مرحلة تفتح الطاقات والاستعدادات، إذ ثمة خصائص وإمكانيات لم تكن في الحسبان، تبدأ بالظهور. فالمراهق يدرك في هذا العمر نفسه ويكوّن لنفسه تصوّراته الخاصّة بنفسه وبالحياة كما يدرك قدراته وقابلياته.

من جهة أخرى، يطّلع الآباء في هذه المرحلة على الخصائص النفسية لأبنائهم، مثلاً هل إنّ ابنهم المراهق يعدّ من أولئك المضطربين أم من الهادئين؟.

هل له دراية بأسرار الحياة أم إنّه يعيش بعيداً عن الحقائق ويعاني من الضياع وما شاكل؟.

إنّ التغيُّرات التي يشهدها الذهن والعقل في هذه المرحلة واسعة للغاية وتتمثل بعدة أبعاد هي:

1- في الذكاء:

يعتقد أغلب علماء النفس، أنّ أخصب مراحل نمو الذكاء تتشكّل في هذه المرحلة ويصل الذكاء فيها إلى ذروته، ويعتقد علماء نفسانيين آخرين إنّ الذكاء يستمر في نموه حتى مرحلة الشباب أو إلى هذه المرحلة، فيما يرى آخرون أنّ الذكاء يأخذ قراره في نهاية مرحلة البلوغ ويستمر إلى نهاية العمر على نفس المستوى.

إنّ جميع القوى المرتبطة بالعقل تتخذ في سن النضوج بالاتساع كالذاكرة والمخيّلة والابتكار والإبداع علماً أنّ عدم الاهتمام بهذه القدرات العقلية ستسبب ضمورها ومحوها بمرور الزمان. لذا لابدّ من تنميتها وتقويمها.

2- في فهم الحقائق:

يستمر العقل في هذا المقطع الزمني بالنمو، وباقترانه مع الذكاء يقوم الشاب بتنفيذ بعض التجارب والابتكارات ويسعى الناشيء إلى معرفة بعض الظواهر.

ورغم أنّ بعض الأحداث يمتازون بمستوى عقلي ممتاز لكن ليس لديهم قدرة تحليل الأمور وتفسيرها، كما إنّ أغلبهم هم أولئك الذين لم يتبلور مستواهم العقلي إلى الحد الذي يجعلهم يميّزون فيه بين الخير والشر أو مصير الأمور.

وقد يتخلّف بعض الراشدين عقلياً فيلجؤون إلى الانحراف الأخلاقي والفساد، وتسبب تصرّفاتهم أضراراً للمجتمع.

وتشير بعض الروايات والأحاديث الشريفة إلى أنّ النضج العقلي يتم في عمر الكمال أي في الخامسة والثلاثين من العمر ويصاحبه مقدار من الغرور والكبر. كما إنّ مسألة تهذيب النفس هي عملية شاقة بالنسبة لهم وتحتاج إلى بذل جهود مكثّفة.

إنّ الناشئة والشباب يسعون إلى تكوين حياة سعيدة ولكن بدون أن يمتلكوا التخطيط المناسب لهذا الهدف.

3- البعد الفكري:

إنّ فكر الناشئة هو فكر جديد بإمكانه أن يتطرّق إلى موضوعات جديدة، كما بإمكان الناشيء أن يبدي رأيه في الكثير من المسائل، لكن أفكاره هذه ليست مستقرة على منوال واحد وإنما تشهد باستمرار تغيُّرات جديدة.

ويعتقد بعض العلماء النفسانيين أنّ سبب هذه التغيُّرات هو أنّ ذهن الشاب يستقبل باستمرار أفكار وآراء خارجية تؤثر عليه دون أن تكون له القدرة بتقييمها وتحليلها أو اكتشاف نقاط القوّة والضعف فيها. وهذا ما يجعله أن يكون في مهب الأفكار المنحرفة والمغرضة والتي تُطلى بمظاهر دينية محرّفة لا حقيقية لها؛ ولهذا السبب نشهد أن ذوي الأفكار المغرضة يروّجون لأفكارهم في باديء الأمر في أوساط الناشئة والشباب مستغلين نقطة الضعف المشار إليها سلفاً.

إنّ عدم امتلاك الناشئة والشباب لخلفية فكرية متينة هو السبب الرئيس في انضمامهم إلى التشكيلات والتنظيمات السياسية ذات الأغراض الباطلة. وليس بميسور الشباب أن يكتشفوا خطأهم إلّا بعد مرور فترة غير قصيرة من الزمان، يكتسبون فيها التجارب والخبرات.

ولذا يكون للنشاطات الثقافية والفكرية دوراً هاماً يحول دون سقوط الشباب في هاوية الانحراف.

4- في إصدار الأحكام:

إنّ الأحكام والآراء التي يطرحها الناشئة تتسم بالسطحية لأنّها مبنية على مُشاهدات لا يمكن تعميمها، إنّ الناشيء لا يتطرّق للأمور بنظرة واعية عميقة إذ إنّ مشاعره هي التي تسيّره لا عقله. لذا نشهده منحازاً لما يناغم مشاعره وأحاسيسه. وهذا ما يسبب له معضلات اجتماعية. إذ إنّ تمرده وعناده ناشىء من نفس الجذر. ولذا نلاحظه يحتقر آراء ووجهات نظر الآخرين. وقد يتأسف لعدم اكتراث الآخرين بآرائه إذ إنّ المعيار الذي يتحكّم به يختلف عن معاييرهم التي هي الأقرب للصواب.

إنّ مختصر المعلومات التي اكتسبها الشاب من المدرسة والمجتمع تسبب له الغرور والكبر فيتصوّر أنّه أحاط معرفة بجميع الأمور فيبدي آراءاً مغلوطة بخصوص مواضيع تخصصية ليست في دائرة اهتمامه.

إنّ الأُسس التي يعتمدها الناشىء في إبداء رآيه لهي أُسس هشة، مما تجعل الآخرين من ذوي الاطّلاع يطرحون آرائهم المعاكسة لآرائه فيعتقد الناشىء إنّ أيَّ رأيٍّ يخالف آرائه إنّما يمس من شخصيته وهذا ما يسبب بدوره بعض المشاكل والتي ربما وصلت إلى حالة خطرة قد يضعف تفاديها.

5- استغراقه في الأوهام:

رغم الاهتمام الذي يبديه الناشيء بالواقع، لكنّه من جهة أخرى ميّال إلى الأوهام والتخيّلات، فيستغرق فيها، فيصدّق بسهولة ما يقال إليه دون أن يفكّر بحقيقتها ويصل الاستغراق في الأوهام إلى درجة تجعل الناشيء يفقد التمييز بين ما هو حقيقي وواقعي وبين ما هو محض أوهام وتخيّلات. إنّه حتى في لحظات اليقظة غارقاً في الأوهام كما إنّه يعيش حالة صراع عنيف بين الحلول الوهمية التي تبتكرها مخيلته وبين الواقع، ولذا يسعى باستمرار أن يتخذ موقفاً عنيفاً وحاداً من الأمور التي لا تسير على ضوء أوهامه.

6- في الذوق والفن:

في هذا المقطع الزمني، نشهد أنّ الناشيء يميل إلى الفن والجمال أكثر من أي مقطع زمني آخر، إنّ هذا الاهتمام بالمسائل الفنية قد يخفف من معضلاته النفسية وقد يتوفق وينجح فيها كما يجد النشاط الفني من الغرائز الأخرى الجنسية. ولذا يجب أن يُطلب من الناشيء أن ينجز بعض الأعمال الفنية كالرسم والبستنة والحياكة والتطريز وما شابه.►

 

المصدر: كتاب تربية الشباب بين المعرفة والتوجيه

ارسال التعليق

Top