• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التسامح بين شرق وغرب.. قراءة في كتاب

عبد اللطيف الحرز

التسامح بين شرق وغرب.. قراءة في كتاب

يتكون الكتاب من خمس دراسات شكلت كل دراسة أحد فصول الكتاب، انيط بكل باحث أحد المواضيع. والباحثون هم أربعة من الغرب وواحد من الشرق.
جاء الفصل الأول تحت عنوان "التسامح في اللغة العربية" للباحث سمير الخليل، حيث أوضح غياب هذا المفهوم عن اللغة العربية، ولم لا واللغة هي اللوح المحفوظ لسيرورة الوعي لكل أمة؟ لا. فانّ الواقع المدهش حقاً هو انّ التسامح الذي يعتبر سمة عامة في الفكر الغربي منذ النصف الثاني من القرن السابع عشر، وفكرة معاصرة في زماننا هذا – هذا التسامح – يبدو في المقام الأول غائباً عن اللغة العربية وبالتالي غياباً طبيعياً عن انماط التفكير كافة والتي تعمل عبر هذه اللغة".
اما الدراسة الثانية فهي "التسامح كمثال اخلاقي" لبيترنيكولسون انّ "التسامح" ليس كبقية أقرانه من المفاهيم الاخلاقية "وهو ليس مجرد مفهوم اخلاقي بمعنى قابليته للتطبيق على العمل الاخلاقي كما هو حال "المسؤولية" مثلاً انّه أيضاً مفهوم اخلاقي بالمعنى الأضيق، و"الشجاعة" أي انه فضيلة والتسامح كمثال اخلاقي لا يسعه ان يكون حيادياً قيمياً، ولهذا السبب ينبغي تمييزه عن المفهوم الوصفي للتسامح الذي يستطيع ان يكون حيادياً قيمياً ويجب ان يكون كذلك.
ويرى نيكولسون انّ "السلطة" "شرط ضروري لممارسة التسامح" كما يعتقد بأن "التسامح" لا يعني إننا نتنازل عن مبادئنا "فنحن ملزمون بأن لا نقمع الآراء التي لا نوافق عليها، بيد أننا غير مطالبين بأن نحب أن نؤيد أو نشجّع هذه الآراء وكل ما يتطلبه التسامح هو.. أن نسمح بالتغبير الحرّ عن الآراء التي لا نوافق عليها و.. أن نوافق على القيمة الأخلاقية التي تقول بوجوب وجود تعبير حرّ عن آرائه نوافق عليها.
وكان من نصيب توماس بالدوين الفصل الثالث الذي هو بعنوان "التسامح والحق في الحرية" ويفتتح بالدوين دراسته هذه بقوله "هناك ظروف عديدة يكون فيها من الحكمة للدول أن تكون متسامحة تجاه مواطنيها" ومهمة هذه الدراسة في الواقع هي دراسة حقنا في الحرية من خلال مناقشة نظرية لوك السياسية التي دافع فيها عن مبدأ التسامح الديني والدفاع عن الحرية، بيد انّ لوك لا يرى الحرية حافزاً لانخراط وتناثر العِقد فهو وإن كان يعتقد انّ الحرية مبدأ طبيعي "لكن هذه الحرية الطبيعية ليست "اجازة" تمكن صاحبها من أن يفعل ما يحلو له بل هي على العكس من هذا- حرية مشروطة بالاخلاق". إذ انّ لوك يرى اننا مخلوقات عاقلة و"العقل" هو قانون الطبيعة وعليه ستكون النتيجة "انّ الحرية الطبيعية هي أن يفعل المرء بما يملكه ما يراه مناسباً له شرط أن يتم ذلك ضمن حدود اخلاقية القانون الطبيعي" بعدها يأتي بالدوين لتطوير هذه النظرية فيبحث في ضوء مناقشاته للمبدأ المذكور والحق في الحرية" و"المصلحة والحرية" و"ضرورة الاحترام في بناء السياسة الحديثة".
اما الفصل الرابع والذي هو بعنوان "التسامح والمسؤولية الفكرية" فهو لكارل بوبر ويفتتح بوبر كلامه ودراسته هذه بما لا يمكن أن يفتتح باحث شرقي فمه حيث يتطرق بوبر للتفريط المتصاعد للمجتمع الغربي في التسامح، الأمر الذي يعيق معالجة الطوائف والتكتلات التي تريد "العنف" كمبدأ للمعالجة حيث انّ هذا الأمر يشكل مأزقاً فكرياً لمن يقبل بالتسامح، إذ انّ التسامح مع هؤلاء يؤدي إلى "اضطهاد" وقتل التسامح، في حين انّ مواجهة هؤلاء يعني عدم التسامح، عدم التسامح لهؤلاء بممارسة مبدأ العنف، ثم يتطرق بوبر إلى كيفية طرح فولتير لمبدأ التسامح حيث يقول فولتير "ما هو التسامح؟ انّه نتيجة ملازمة لكينونتنا البشرية، اننا جميعاً من نتاج الضعف، كلنا ضعفاء وميالون للخطأ، لذا دعونا يسامح بعضنا البعض ونتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل، وذلك هو المبدأ الأول لقانون الطبيعة، المبدأ الاول لحقوق الإنسان كافة". فيطور بوبر هذا المبدأ الفولتيري إلى ثلاثة مبادئ تتجاوز هذا الطرح.

- المبدأ الأول: "قد أكون أنا على خطأ وقد تكون أنت على صواب" فهذا المبدأ يتجاوز مبدأ فولتير الذي يحصر الحق بين الاثنين، إذ قد يكون الطرفان على خطأ والحق في "جوف" طرف ثالث.
- المبدأ الثاني: "عبر تفاهمنا حول الأمور بشكل عقلاني قد نصل إلى تصحيح بعض أخطائنا" وهذا المبدأ يأتي بعد اقرار مبدأ التسامح بعكس المبدأ الأول، حيث أنه بذاته يقرره، ويشرح بوبر مبدأه هذا بقوله "انني أعني بهذا التفاهم حول الأمور بغية العثور على ماهو صحيح وعلى ماهو خطأ، على ماهو حقيقي وعلى ماهو مزيف والتغاضي – طالما انّ هذا ممكن إنسانياً – عن التساؤل حول من هو المخطئ ومن هو المصيب".
- المبدأ الثالث: "غذا تفاهمنا على الأمور بشكل عقلاني قد ندنو معاً من الحقيقة وهذا المبدأ يركّز على انّ الوصول إلى "جنة" الحقيقة خلال التفاهم ولغة الحوار وأن يتسامح أحدنا مع الآخر لخلق جو من الحوار وانّ الحقيقة ليست مرتبطة مرابطة "نسب" لأيّ منا "انّ البحث عن الحقيقة والدنو من الحقيقة عبر النقد المتبادل لا يكون ممكناً من دون وجود درجة كبيرة من التسامح المتبادل".
والحق انّ هذه المبادئ الثلاثة تتجاوز – بل تنفي – الاطروحة الاسكولاستيكية التي تفرز الناس إلى ملائكة وشياطين، الناطقين عن الله والناطقين عن ابليس فريق في الجنة وفريق في السعير، وان هؤلاء يمتلكون "عين" اليقين وهؤلاء يحتضنون "سراب" اليقين، فهذه المبادئ الثلاثة تعيد توازن الإنسان وترجعه إلى رشده بأنه مهما بلغ من العلم فهو ليس "كامل الاوصاف" وانه بعلمه بأمور سيكون جاهلاً بأمور أخرى أيضاً وانّ جنسه ليس مختلفاً عن باقي الاجناس، فليس هناك أُناس خُلقوا ليكونوا عبيداً وأُناس خُلقوا ليكونوا سادة" كما كان يتبجح افلاطون، اما الفريد آيير فقد اختار "منابع اللاتسامح" والتي هي الدراسة الأخيرة ويبعد هذا الباحث المسلمين وغيرهم ماخلا المسيحية واليهودية عن البحث لقصور موضوعي في الباحث، وهو قلة اطلاعه وقصور ذاتي حيث ان الباحث يهودي رغم قوله انه مخالف للصهيونية. فيتعرض الباحث إلى تأثر المسيحية باليهودية". وبعض المعتقدات الفاسدة لها امثال تصورها للإنسان على انّ الأصل فيه هو الخطيئة ونظريتها في كيفية التقرب إلى الله من خلال طريقتها في الزهد وهو يعتقد أن هذه الصفات للمسيحية ليست امراً بات من الماضي المقبور بل هي ما زالت حية إلى اليوم. فيبحث الفريد آيير منابع التسامح ويتتبعها في مسألة العرفية – كالعداء للسامية – ولون البشرة – كالعداء للسود والملونين – والعقيدية ككره اليهودية للمسيحية والسامية. وانتماء الباحث إلى اليهودية يفسر البحث كثيراً، لذا نجده يحاول ان يبرأ اليهود من قتل المسيح ويعلق جريرة القتل هذه في عنق الرومان! وان اليهود جنس ميزته العبقرية، فيستشهد بماركس وفرويد واينشتاين وينسى الخرافات المتخومة بها اليهودية. وكذلك فإن هؤلاء الثلاثة لا رابطة فيما بينهم كما ان موارد عبقريتهم "الاقتصاد، الطبيعة، النفس" غير مأخوذة من العقيدة اليهودية.

المصدر: مجلة التوحيد/ العدد 105 لسنة 2000م

ارسال التعليق

Top