• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحشرات 900 ألف نوع.. هذا خلق الله

الحشرات 900 ألف نوع.. هذا خلق الله

الحشرات هي من المخلوقات الأوفر حظاً.. فقد كانت من بين الكائنات الحية الأولى التي سكنت الأرض (قبل الديناصور بكثير وقبل النباتات المزهرة) وما تزال تعيش عليها منذ ذلك الحين (على الأرجح منذ ملايين السنين) وقد كانت كثيرة الانتشار خلال العصور الجليدية وكذلك خلال عصور الدفء. ثمّ انتشرت وتنوّعت بشكل مدهش حتى أنّها لتُمثِّل حالياً أكثر من ثلاثة أرباع فصائل الحيوانات المعروفة. لقد تم إحصاء 900.000 نوع منها، ويجري اكتشاف أنواع أخرى منها كل عام! وهو رقم سيبدو لنا أكثر أهمية فيما لو قُورن بعدد أنواع الطيور (8600) أو بعدد الفقاريات، بدءاً من الأسماك وحتى الإنسان (60.000 نوع).

ولا يبدو هذا النوع مُهدّداً بالانقراض في وقت قريب وذلك لأن قدراته على التكاثر وتنوعه الكبير، يسمحان له بالتكيّف مع التغيّرات التي تطرأ على المحيط أو البيئة. فالتلوث والازدحام السكاني والمجاعات وانقراض المأوى أو المسكن هي ظواهر يستطيع العديد من الحشرات مواجهتها والتغلب عليها. ويكفي أن نضرب مثلاً بالبعوض والقُمّل والأرْقة التي استطاعت – خلال عدة أجيال – أن تكتسب المناعة ضد بعض المبيدات. ويمكننا أن نرى الحشرات في كل مكان.. من ذرى الجبال إلى السواحل، ومن السهول إلى الأقاليم الاستوائية.. بل وحتى في ينابيع المياه الحارّة وفي المَجْلدات (ركام ثلج مقبب في المناطق القطبية). البحر فقط نجا من الغزو: ثمة حشرات قليلة تعيش فيه.

  - أهمية الحشرات ودورها: تكتسب بعض المواد التي تنتجها الحشرات قيمة كبيرة بالنسبة للإنسان.. والعسل والحرير خير مثال على ذلك. ومن بين المواد الأخرى النافعة نذكر الشمع (من النحل)، واللّك (عصارة راتنجية صمغية حمراء..) الذي تنتجه حشرة المغافير والأصباغ. فالصّاغة والحِرفيّون يستخدمون غِمْد (حافظ الأجنحة في بعض الحشرت) مُغمدات الأجنحة (فصيلة من الحشرات) وأجنحة الفراشات المتفرّجة. إنّ تلقيح الأزهار، الضروري لتأمين تكاثر البذور هو النشاط الأكثر فائدة للحشرات. حوالي نصف مجموع الحشرات تقوم بدور آخر حيوي وذلك بافتراسها أو تطفّلها على حشرات أخرى. والحشرات المتبرّزة (من البراز) تعيد النباتات والحيوانات إلى الأرض.. وحشرات أخرى تدمّر نباتات ضارة. أما الحالات المدمّرة والضارة للحشرات فهي جدّ معروفة: مَن منّا لا يعرف الحشرات اللادغة أو الطفيلية أو ناقلة الأمراض أو متلِفات المحاصيل والغلال؟ ولكن أغلبية الحشرات ما هي بنافعة وما هي بضارة للإنسان أو لحيواناته الداجنة أو لنباتاته المزروعة. إنها – بكل بساطة – موجودة، كحلقة متناهية الصغر في سلسلة الحياة، معطيةً عناصر غذائية ضرورية للأسماك والطيور ولكائنات حية أخرى.   - ما هي الحشرة؟ الحشرات هي من اللافقاريات.. وهي تنتمي إلى مجموعة مفصليّات الأرجل. وكل مفصليّات الأرجل لها هيكل خارجي مُقسّم إلى أجزاء أو حلقات يحمل بعضها لواحق متحرّكة. وتتضمن مفصليّات الأرجل هذه – فضلاً عن الحشرات – النَّقّاب (وهو حيوان مفصلي بحري ينقُب الأرض) والعناكب والعقارب والقُرادات. وأم أربع وأربعين والحريش والقشريّات. وتتميز الحشرات البالغة عن باقي مفصليّات الأرجل يما يلي: 1- جسم مُقسّم إلى ثلاثة أقسام هي الرأس والصدر والبطن. 2- زوج واحد من المجسّات. 3- ثلاثة أزواج من الأرجل. 4- أجنحة. ليست كل الحشرات محرومة من الأجنحة، ولكن كل اللافقاريات المجنَّحة هي من الحشرات. وبعض الأنواع أصبحت عديمة الجناح أو عديمة القوائم بسبب موطنها أو مسكنها أو بسبب عاداتها. والنوع الأكثر بدائية والأكثر قِدماً – مثل هُدبيّة الأذناب – لم يكن له أجنحة قط. إنّ الدرع الخارجي لأيّة حشرة هو هيكلها الذي يمنحها شيئاً من الصلابة ويفيدها كنقطة اتصال وتثبيت للعضلات. إنّه يقي أيضاً الأنسجة الداخلية ويمنعها من الجفاف. إنّ الدرع لا ينمو ولا يكبر ولابدّ له إذن من أن ينشقّ ويتحطّم ليحلّ محلّه درعٌ آخر من آنٍ لآخر كلما نَمَت الحشرة وكبرتْ. وهذه العملية تُدعى بالانسلاخ. وقبل كل انسلاخ، ينمو للحشرة درع جديد رخو ولكنه أكبر حجماً من السابق (مع أنّه مضغوط قليلاً) تحت درعها القديم. وبعد الانسلاخ، ينتفخ الدرع الجديد ويتصلّب.

  - دورة حياة الحشرات: إنّ هذه التغيّرات الشكليّة التي تحدث خلال النمو تُسمّى الاستحالة. ويمكن تمييز نوعين أساسيَّين من الاستحالة: استحالة تدريجية واستحالة فجائية. الحشرات غير البالغة من النوع الأوّل تسمّى يسروع. ومنذ أن تفقس البيضة، يكون اليسروع شبيهاً بأبويه غير أنّه أصغر حجماً وهو يفتقر إلى الأجنحة وإلى جهاز التكاثر، وهي تكبر تدريجياً. وهي كاللبونات، يتغيّر حجمها، أما شكلها فلا يتغير. وخلال تطوّرها ونموّها، تظهر أجنحتها على شكل نتوءاتٍ صغيرة لا تلبث أن تكبر عند كل انسلاخ. ويظهر دور الاستحالة التدريجي لدى الـ19 صنفاً الأولى من الحشرات.. من هدبية الأذناب إلى الصرُصريّات. وفي النصف الثاني، نجد أنّ الصغار لا تشبه الحشرات البالغة أبداً، كما أنّها لا تملك نتوءات للأجنحة. وأغلب أعضاء الجسم تشهد تغييراً مفاجئاً عندما تأخذ الأنسجة اليرقانية شكل الأنسجة البالغة في طور الخدارة أو السُّبات.

وفترة السبات هي مرحلة استراحة تمتنع خلالها الحشرة عن تناول الطعام، كما أنّ جسم الحشرة القريبة من سن البلوغ يتكامل تمهيداً للطيران والتزاوج. ويمكن مشاهدة هذا النوع من الاستحالة لدى الـ(11) نوعاً من الحشرات الأكثر تطوّراًَ كالنحل والدبابير والنمل.

 

  - حواسّ الحشرات: للحشرات نوعان من العيون: عيونٌ بسيطة وعيون مركّبة. العين المركبة تتكوَّن من عدد (قد يبلغ الآلاف) من الصُفَيْحات المنفصلة أو البلوريات التي تذكرنا بخليّة العسل. وإذا كانت هذه العين أقلّ دقة من عين اللبائن، فإنّها تكشف وتستبين الحركات بشكل أفضل من تلك. العيون البسيطة البدائية أو الزئْمْ تشكّل مجموعة (من ثلاث على الأغلب) على مقدمة الرأس. وكل زِئُم هو عبارة عن بلورية أو منشورية صغيرة تتلقّى النور – ولكنها لا تتلقى الصّور – وبعض الحشرات المتكيّفة مع الحياة في الكهوف أو التراب أو باقي المواضع المظلمة هي محرومة من العيون تماماً. ومن بين الحواس الأخرى للحشرات نذكر حاسة اللّمس أو الاهتزاز (الكشف بواسطة خيوط حريرية أو بواسطة شعيرات موجودة على الجسم أو على المجسّات أو الأرجل)، وحاسة السمع (يتم تلقّي الأصوات عن طريق تجويف أشبه ما يكون بطبل مغطّى بغشاء رقيق ويوجد فوق الأرجل الأمامية أو الصدر أو البطن). أما حاسّتا الذوق والشمّ فتعملان بواسطة مُتَلَقِّيات كيماوية تتفاعل بمجرد تعرّضها لمواد – "أو مركّبات" – كيمياوية كتلك المواد الموجودة في النباتات التي تتغذّى عليها هذه الحشرات. وتلعب المتلقّيات الكيمياوية أيضاً دوراً مهماً في كشف المواد الكيمياوية التي تستخدمها الحشرات لإرسال إشارات مختلفة (إشارات جنسية أو اجتماعية أو للإنذار.. إلخ). اللواحق والأقدام وباقي أقسام الجسم هي عادة مزوَّدة بمتلقّيات كيمياوية. وكل هذه الأعضاء الحسّية مرتبطة ومتصلة بالدماغ أو بالجهاز العصبي.   المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 11 و12 لسنة 1989م

ارسال التعليق

Top