• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العقل أكرم مخلوقات الله في جسم الإنسان

رفيق شاكر النَتشَه

العقل أكرم مخلوقات الله في جسم الإنسان

   يعتبر الدماغ والجهاز العصبي أهم وسائل استعمال العقل عند الإنسان. فإذا كان الإنسان هو أهم وأكرم المخلوقات، فإنّ العقل في الإنسان هو أهم وأكرم مخلوقات الله في جسم الإنسان.

ومن حكمة الله في خلقه للإنسان، انّه خلق الخلايا العصبية بعدد ثابت في جسم الإنسان منذ ولادته، ولو كانت هذه الخلايا متجددة كباقي خلايا الجسم لكان على الإنسان أن يحدد معلوماته كل ستة أشهر وعليه أن يتعلم اللغة كل ستة أشهر، وهذا يعني فقدان الذاكرة كلما تجددت الخلايا. كما وان دماغ الإنسان أكثر وزناً من دماغ سائر المخلوقات بالنسبة لحجم الجسم وهو يبلغ 1200 غرام أي جزء من 50 جزء من وزن الجسم. وهي أعلى نسبة بالنسبة لكافة المخلوقات الأخرى. ويعمل عقل الإنسان من خلال الدماغ والجهاز العصبي ويعتبر مركز القيادة العامة لكافة أعضاء الجسم، فهو الذي يفكر، وينظم، ويعطي التعليمات، والأوامر والنواهي. وقد استطاع العالم فون ايكونومو أن يعد خلايا الدماغ بـ14 مليار خلية عصبية تعمل بشكل منسق، منظم، لتسيير الإنسان في أعماله، وأقواله، وحركاته وسكناته. وقد أراد العالم جون سرن أن يعطي تشبيهاً لعمل الدماغ، فقال في محاضرة له عام 1957 بنيويورك: "لو جمعنا كل أجهزة العالم من التلفون، والتلغراف، والرادار، والتلفزيون، ثمّ حاولنا أن نصغر هذه الكومة الهائلة من الأجهزة المعقدة حتى استطعنا وبمجهود جبار أن نوصلها إلى حجم الدماغ، فأنّها لا تبلغ في تعقيدها مثل الدماغ[1]. كما يقدر بعض العلماء مجموع خلايا المخ بأنّه يتجاوز عدد نجوم المجرة، مائة مليار خلية منها حوالي السبعة مليارات في القشرة[2]. ويكفي أن نعلم أنّ الألياف العصبية التي تتحكم في البدن تبلغ حداً من السعة والانتشار في الجسم البشري بحيث لا تكاد تصدق. فلقد وجد أن طوال العروق الدموية وتوزعها في الجسم يبلغ ما يقرب من 100 ألف ميل. ويهيمن الدماغ على الجسم بواسطة 86 عصب منها 24 فقط للرأس، وهي مزدوجة من الجانبين والأعصاب التي تخرج من جانبي النخاع هي 31 عصب في كل جانب وهي مختلطة للحس والحركة لتلقي المعلومات واعطاء الأوامر بواسطة الدماغ لتتم حركة الجسم ضمن قيادة مركزية منظمة تحمي الجسم وتحافظ عليه. وتقدر عدد أجهزة الأعصاب التي تختص بالآم من 3-4 ملايين جهاز، والتي تختص باللمس أو الضغط 500.000 جهاز، وللحرارة 200.000 جهاز. ويعمل هذا الجهاز العصبي المعقد بدقة متناهية وبطريقة عجز العلم عن اكتشاب كنهها، وما عرف عنه قليل من كثير. وكما قال الدكتور (الكس كارليل) في كتابه "الإنسان ذلك المجهول" أنّ الإنسان مجموعة من الأشباح تسير في وسطها حقيقة مجهولة. ومن عجائب الله في خلقه أن وضع الدماغ وهو أهم جزء من الجهاز العصبي، في جمجمة قوية من العظام، وهذه الجمجمة تبدأ في الطفل بوجود غضروف يتيح لمخه مزيداً من النمو وقد يستمر ذلك في طور الشباب إذا كان ثمة حاجة إلى مثل هذا التوسع[3]. ويشرف الجهاز العصبي، والدماغ خاصة على كل عمليات الحياة في الجسم، بصورة منظمة، [وما يصنعه الإنسان اليوم من أحدث وأعقد الكمبيوترات لا يعدو أن يكون تقليداً مبسطاً لها]. فيشرف الدماغ على عملية نوم الإنسان التي تعتبر لغزاً محيراً للعلماء والتي لم يستطيعوا معرفة كنها حتى اليوم، وهي أشبه بالموت المؤقت. كما ويشرف الدماغ على عملية السمع والبصر في الإنسان بواسطة أعصاب يبلغ عددها 24 عصباً تخرج من منطقة لا تتجاوز بضعة سنتيمترات مربعة. فالعصب السمعي والبصري يخرجان من الدماغ مباشرة، كما ويشرف الدماغ على مختلف الأعصاب التي تقوم بمهامتها المختلفة في الجسم، كتحريك كافة الأعضاء في الجسم. ومن أهم وظائف الدماغ والجهاز العصبي (الذاكرة) التي يحفظ فيها الإنسان معلوماته، والتي تعتبر من أهم وسائل استمرار حياة الإنسان وتقدمه وعلمه، وتراكم خبراته وتشييد حضاراته. ويتساءل العلماء باستمرار كيف يحفظ الإنسان معلوماته؟ وأين يختزنها؟ وكيف يتذكرها؟ علماً بان جميع خلايا الدماغ لا تكفي إلا لإختزان جزء يسير من ذكريات الإنسان. وقد افترض العلماء أنّ نفس الخلايا العصبية بمجموعها العام تشترك في تكوين الذاكرة بواسطة الجزئيات البروتينية الموجودة داخل الخلايا العصبية. فوجود 30 ألف مورثة في الخلية الواحدة وامكانية تشكيل 30 ألف حمض أميني مختلف، يجعلنا نفكر في هذه التعقيدات الذرية التي تبلغ ألف مليار جزيء في الدماغ. ومع كل هذه الافتراضات التي وضعها العلماء لا أحد يعرف حتى الآن أين يوجد السر في موضوع الذاكرة التي تعتبر عن عجائب المخلوقات في الدماغ. ومن العجيب أنّ العلماء قد انتهوا في أبحاثهم عن الدماغ إلى نتائج مذهلة، وخاصة عن موضوع الذاكرة وتوصلوا إلى حقيقة تقول: أنّ كل ما يعفله الإنسان أو يفكر فيه يخزن (ولا شيء يضيع)، وهم بهذا يكونون قد وصلوا إي ما قرره القرآن قبل أربعة عشر قرناً في عدة آيات فقال تعالى: (إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الإنفطار/ 10-12). وكذلك قوله تعالى: (إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ) (يونس/ 21). وقوله تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف/ 80). وقوله تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف/ 49). بعد حديث العلم عن الدماغ والجهاز العصبي الذي هو أساس العقل في الإنسان وأهميته، نستطيع أن نفهم لماذا كانت منزلة العقل في الإسلام منزلة عظيمة كريمة. ويقول ابن تيمية "انّ العقل في الدماغ كما يقوله كثير من الأطباء"[4]. "كما روي عن أحمد أنّ محله الدماغ وهو قول أبي حنيفة، بينما قال الشافعي أنّه في القلب[5] (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) (الحج/ 46)، فالقرآن يكرر دائماً (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (المؤمنون/ 80)، (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (النور/ 61)، وقول الكافرين: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك/ 10). وقوله تعالى: (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ) (العنكبوت/ 43). وقول الرسول (ص): "ما اكتسب المرء مثل عقل يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردي". (رواه البيهقي وعمر). وقوله (ص): "لا يعجبنّكم إسلام رجل حتى تعلموا ما عُقدةُ عقله". (رواه الحكيم عن عمر). وقوله (ص): "قوام المرء عقله ولا دين عن لا عقل له". (رواه البيهقي عن جابر). وقوله (ص): "لما خلق الله العقل قال له اقبل فاقبل ثمّ قال له ادبر فادبر. قال: ما خلقت خلقاً أحب إلي منك، بك أخذ وبك أعطي". (رواه الحكيم عن الحسن). ولهذا رفع الإسلام التكليف عن النائم، والمجنون، والطفل لعدم وجود عقولهم في حالتها الطبيعية. فقد روي عن الرسول (ص) وقوله: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن المعتوه، (أو قال المجنون) حتى يعقل، وعن الصغير حتى يشب[6]". (رواه الترمذي).   الهوامش:
[1]- الدكتور محمد علي البار، خلق الإنسان بين الطب والقرآن، ص 96. [2]- راجع مفصلاً، محمد المحب، أرقام في جسم الإنسان، دار الفكر اللبناني، بيروت، الطبعة الأولى 1990م. [3]- الدكتور م. كرسي موريسون، العلم يدعو للإيمان، ص110. [4]- ابن تيمية، رسالة في العقل والروح، دار الهجرة، بيروت، الطبعة الثانية، 408هـ - 1988م، ص54. [5]- الحارث بن اسد المحاسبي، العقل وفهم القرآن، ص140.

[6]- راجع الدكتور صلاح الدين المنجد، الإسلام والعقل على ضوء القرآن الكريم والحديث النبوي، دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية، بيروت 1976م.

المصدر: كتاب الإيمان بين الوحي والعقل

ارسال التعليق

Top