• ٣٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العلاقة بين الصحافة المطبوعة والصحافة الإلكترونية

د. عبد الأمير الفيصل

العلاقة بين الصحافة المطبوعة والصحافة الإلكترونية

بدأ تأثير الثورة المعلوماتية التكنولوجية يظهر على صناعة الطباعة والنشر، وإنّ بداية العقد الأوّل للقرن الحادي والعشرين يشهد اتساعاً متزايداً للصحيفة الإلكترونية مقابل الصحيفة التقليدية التي سادت لخمسة قرون مضت.

إنّ الصحيفة الإلكترونية تحمل قوة جذب وإبهار جديدة تساعد على انتشارها على حساب تلك التقليدية الحالية فلأنّها تستخدم الوسائط الإعلامية المتعددة Multimedia فهي تتيح لمستخدمي الشاشة ممارسة أكثر من حاسة خصوصاً البصر والسمع بل واللمس أيضاً، فالقارئ يستطيع أن يختار ما يريد ويقرأ ما يحب الاطلاع عليه ويرى الصور بألوانها الجذابة ويستمع في الوقت ذاته إلى الأصوات التسجيلية، ويشاهد الأفلام المنقولة عبر الفيديو، كلّ ذلك في عملية سريعة واحدة لم تستطع أن توفرها له من قبل وسائل الإعلام المختلفة: الصحافة المكتوبة والإذاعة المسموعة والتلفزيون المرئي.

جون راسل أحد كبار الإذاعيين البريطانيين في (BBC) يقول أنّ الخطر الأكبر يهدد الصحيفة اليومية الأسبوعية يأتي مباشرة من التكامل الحاصل بين تكنولوجيا التلفزيون المتطورة، وتكنولوجيا الكومبيوتر هذا التكامل قد يقدر في زمن ليس ببعيد على اختراق الخاصيتين الأساسيتين اللتين تهددان الصحيفة اليوم.

1-  التوسع في كشف الأخبار دون الارتباط بعامل الوقت المحدد نسبياً في نشرات الأخبار أو البرامج الإخبارية.

2-  استمرار حضور الصحيفة في متناول القارئ ما يسمح له بالتصفح والمراجع والاستغراق في التأمل من دون الارتباط بسلطة اللحظة أو الوقت.

لقد بدأت الصحافة الإلكترونية عبر الإنترنت في منافسة الصحافة المطبوعة منذ أن قامت مجلة من المجلات الأمريكية واسعة الانتشار بمتابعة إحدى الفضائح عبر موقعها على الإنترنت وقبل الموعد الأسبوعي لصدور المجلة وإذا كانت الصحافة الإلكترونية قد بدأت تغزو العالم الغربي المتقدم بقوة فإنّ النشر الإلكتروني لدور النشر أخذ يتسع أكثر ففي حزيران عام 2000 صدر كتاب (ركوب الرصاصة) للكاتب الأمريكي ستيفن كينج ويضم (16) ألف كلمة منشورة على شبكة الإنترنت وخلال يومين فقط قرأه (400) ألف شخص أي بمعدل خمسة قراء كلّ ثانية واحدة مقابل أجر هو دولاران ونصف الدولار فقط ثمّ عرض بعد ذلك مجاناً على موقع الأمازون الشهير متحدياً أي محاولة للنشر التقليدي المطبوع، بينما ذكرت دراسة عن سوق الطباعة والنشر الأمريكية نشرتها جريدة وول ستريت في 17/7/2002 انّه بيع 1.1 مليار كتاب في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001 وبلغ عدد الصحف اليومية المباعة 55.332979 صحيفة وعدد الصحف الأسبوعية 59.381894 فيما بلغ عدد المجلات المباعة سنوياً حوالي 500 مليون مجلة وهناك 65 مليون عنوان كتاب في العالم منها 26 مليون كتاب موجودة في مكتبة الكونغرس.

 

اتجاهات العلاقة بين الصحيفة المطبوعة والصحيفة الإلكترونية:

يمكن تحديد ثلاث اتجاهات حول العلاقة بين الصحافة المطبوعة والصحافة الإلكترونية:

الاتجاه الأوّل:

وهو يتوقف عند وصف الإمكانات الكبيرة للإنترنت وما يمكن أن توفره من فرص كبيرة للبشرية للحصول على المعلومات بشكل سريع وهو ما يشير إلى عدم الاهتمام بمستقبل الصحافة المطبوعة إذا كانت الصحافة الإلكترونية يمكن أن تقوم بوظائفها.

والكثير من أنصار هذا الاتجاه هم من مؤيدي رؤية مارشال ماكلوهان حول السرعة الإلكترونية وانّ الاعتماد على النقل السريع والآني للأحداث شكل ميزة الصحافة الإلكترونية من خلال نقل القصة الخبرية مع الصور الفوتوغرافية والصوت والصورة التلفزيونية.

يضاف إلى ذلك أنّ الصحيفة الإلكترونية تتمكن من تقديم نطاق واسع من الخدمات لا تستطيع الصحف المطبوعة أن تقدمه من مناقشة قضية مع القراء الآخرين والتعليق على المقالات، وتوفير الفرصة لمتابعة الأخبار في أثناء حدوثها وتطورها بشكل زمني، وكذلك فإنّ الصحافة الإلكترونية يمكن أن تحمل الكثير من الأخبار التي كان يتم استبعادها من الصحف المطبوعة بسبب نقص المساحة حيث توفر الإنترنت إمكانية لتوسيع الصحيفة بتحمل الكثير من المضمون، يضاف إلى ذلك العيوب الأصيلة للصحيفة الورقية إذ أنّ ورق الصحف يترك الحبر على أيدي قرّاء الصحف المطبوعة فضلاً عن ما تحتاجه الصُحف الورقية من وقت طويل وجهد ضخم وأسطول توزيع ومن ثمّ فأنّها وسيلة متقادمة (out of date) من حيث الوقت كي تصل نسخ الصحيفة المطبوعة إلى القرّاء.

الاتجاه الثاني:

وهو على عكس سابقه حيث يؤكد على أنّ الصحافة الإلكترونية لن تصبح أبداً؟ بديلاً عن الصحافة المطبوعة، ويأتي ذلك انطلاقاً من أنّ تأريخ وسائل الإعلام التقليدية لم يشر إلى ذلك فهو لم يشهد اختفاء وسيلة بظهور وسيلة أو تكنولوجيا أخرى جديدة بل أنّ ما يختفي هو فقط طرق وأدوات إنتاج فمثلاً لم يعد هناك آلات (لينوتيب) في الصحف كما أنّ الراديو لم يقضِ على الصحافة وكذا ظهور التلفزيون لم يقضِ على الراديو، بل هناك تعايشاً وتكاملاً بين الوسائل الإعلامية المختلفة، لذا فمن المتوقع أن تحتل الصحافة الإلكترونية التي تعتمد على النص والوسائط الفائقة مكانها جنباً إلى جنب مع الصحافة الورقية المطبوعة.

ويرى اصطحاب هذا الاتجاه أنّه إذا كانت شبكة الإنترنت قد أضافت الكثير لحقل النشر عموماً إلّا أنّها لا تزال مجرد أداة مساعدة للصحافة المطبوعة في سبيل توسيع دائرة قرائها على المستوى الدولي، وتطوير الأداء الصحفي وغيرها من الخدمات المتعددة التي تقدمها الإنترنت للصحف الورقية وأنّه لمن المستبعد أن تنقرض الصحف المطبوعة أو تتراجع مكانتها أمام الصحافة الإلكترونية.

ويعود ذلك للميزات التي تتميز بها الصحف الورقية عن تلك الإلكترونية وأهمها أنّ الصحافة الورقية قابلة للنقل وقابلة للحفظ وتقرأ براحة أكبر من الإلكترونية حيث لا تزال قراءة النص المطبوع عادة لها سحرها لدى القرّاء فضلاً عن أنّها لا تحتاج إلى مهارات خاصة كاستخدام الحاسوب الآلي وتقنياته، وأوضح المؤتمر العالمي للصحافة عام 2001 إنّ سرعة وضع مواد الصحيفة على الإنترنت يؤدي إلى تزايد الأخطاء الموجودة في الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية كذلك تزايد شك الجمهور في المعلومات والمواد التي تقدمها.

بينما أشارت الدراسة التي قامت بها الجمعية العالمية للصحف إلى أنّ الصحافة الإلكترونية حتى الآن هي مجرد امتدادات لصناعة الصحافة المطبوعة، وإنّ معظم الصحف تقدم أكثر من نصف المضمون الذي تقدمه على مواقعها في الإنترنت من خلال طبعاتها الورقية، وتكتفي بإضافة بعض المعلومات العاجلة إلى هذا المضمون حتى تعطي للقارئ انطباعاً بأنّها توفر له النقل السريع للأخبار.

الاتجاه الثالث:

ويقف موقفاً مختلفاً عن الاتجاهين السابقين إذ يرى أنّه لا يمكن الحكم على مستقبل الصحيفة الورقية أو حتى الإلكترونية الآن والواقع الحالي يقول إنّ منحنى تطور الصحافة المطبوعة في تقدم أكبر دائماً كي تحافظ على موقعها في الاهتمام.

إنّ الاندماج بين عالمي الصحافة المطبوعة التقليدية والصحافة والإلكترونية سيزداد لأسباب اقتصادية منها.

1-  إنّ دور النشر الصحفي في العالم بأسره تتجه إلى تنويع نشاطاتها الإعلامية وذلك بدخول مجالات الراديو والتلفاز والمطبوعات المتخصصة وإعداد المؤتمرات واستغلال الإنترنت، ومثال على ذلك شركة (تربيون) التي تصدر صحيفة (شيكاغو تربيون) وتملك أيضاً محطات تلفزيون وإذاعات ومجلات ومواقع إلكترونية وحصصاً في شركات ترفيه واتصال بالشبكة الإلكترونية وهي جزء راسخ من واقع صناعة الاتصال وثورة المعلومات في المجتمعات الليبرالية التي اعتمدت مبادئ اقتصاد السوق والديمقراطية الغربية.

2-  إنّ العامل المشترك بين صناعتي النشر التقليدي والإلكتروني هو المحتوى المتميز فمن غيره لا تنجح مطبوعة ولا ينتشر تلفاز ولا يستمر موقع على الإنترنت ولهذا فإنّ شركات الاتصال الكبرى في الغرب تزاوج بين ما تنتجه وسائل اتصالها بأنواعها التقليدية وغير التقليدية لتقوم بأمثل استخدام لذلك المحتوى وذلك ما دفع شركة (أمريكا أون لاين) التي تدير أنجح بوابة إلكترونية في أمريكا التي الاندماج مع شركة (تايم وورنر) وهي واحدة من أكبر شركات النشر والاتصال في العالم.

3-  إضافة إلى المحتويات فإنّ دخول شركات النشر التقليدية عالم النشر الإلكتروني يعتمد على نجاح وانتشار الاسم التجاري عند المستفيد فظهر أسلوب الترويج المقاطع حيث يقوم المطبوع الإلكتروني بالترويج للموقع الإلكتروني الشقيق والعكس بالعكس.

وأشارت دراسة قدمت إلى جمعية صحف الإنترنت الأمريكية عام 2004 إلى أنّ الصحف الورقية سوف تتعرض لتأثيرات عديدة من جراء ازدهار ونمو الصحافة الإلكترونية لعل قسم منها:

1-  الاتجاه نحو المحلية: فالكثير من الصحف الورقية المطبوعة لا تستطيع الاتجاه إلى العالمية من خلال النشر الإلكتروني عبر الإنترنت وبخاصة مع ضعف عائدات الإعلان الإلكتروني لذا فإنّ هذه الصحف عليها العمل على التركيز على كسب المكانة المرموقة محلياً.

2-  الاتجاه إلى التخصصية: فعلى الأرجح أنّنا سوف نشهد في المستقبل مزيداً من تنوع المطبوعات الورقية بحيث تلبي الاحتياجات الخاصة لنوعيات القرّاء كافة على مختلف ميولهم وأذواقهم واتجاهاتهم، بما يعني أنّ الصحف والدوريات الورقية المطبوعة سوف تتزايد في العدد نتيجة للاتجاه لمزيد من التخصصية.

 

المصدر: كتاب دراسات في الإعلام الإلكتروني

ارسال التعليق

Top