• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الفساد السياسي.. إخلال بالتوازن

ألان تودين/ ترجمة: حسن قبيسي

الفساد السياسي.. إخلال بالتوازن
◄ما الذي يجري عندما لا تنصاع القوى السياسية الفاعلة لطلبات القوى المجتمعية الفاعلة، فتفقد بالتالي صفتها التمثيلية؟ إنها قد تميل، إذ يختلّ توازنها على هذا النحو، إلى جانب الدولة فتقضي بذلك على أوّل شرط من شروط وجود الديموقراطية الذي هو الحدّ من سلطتها. فإذا لم يحصل هذا الوضع، فإنّ بوسع المجتمع السياسي أن يتحرّر عندئذ من الروابط التي تربطه بالمجتمع المدني وبالدولة معاً. فلا تعود له غاية إلّا العمل على تعزيز سلطته الخاصة. وهذا هو الوضع الذي تتفق معه البارتيتو كرازيا[1] التي يندّد الإيطاليون بمساوئها وأضرارها بصيغ تستعيد إلى حد كبير أحكام الرأي العام في العديد من البلدان الأوروبية وبلدان أمريكا اللاتينية بدءاً بالبيرو وانتهاءً بالأرجنتين مروراً بالبرازيل. إنّ الرأي العام المذكور يتحدث بصورة مباشرة عن الفساد. والواقع أنّ هذه الكلمة أصحّ من غيرها إذا نحن سلّمنا بأنّ الديموقراطية ينبغي أن تكون تمثيلية، وبالتالي بأنّ القوى السياسية، وخاصة الأحزاب، ينبغي أن تكون في خدمة مصالح مجتمعية لا في خدمة أنفسها.: وبدون أن نأتي هنا على ذكر الفساد الشخصي لبعض القادة السياسيين، وهو فساد وصل إلى مصاف رفيعة في إيطاليا لكنه أدنى من ذلك في البلدان الأوروبية الأخرى، علماً بأنّه ظاهرة شائعة في العديد من البلدان غير الأوروبية، من اليابان إلى الولايات المتحدة، ومن الجزائر إلى فنزويلا، فإنّ أخطر أنواع الفساد على الديموقراطية هو ذاك الذي يمكّن الأحزاب السياسية من مراكمة موارد هائلة ومستقلة عن المشاركة الإرادية لأعضائها بحيث يصبح بوسع هذه الأحزاب، من جرّاء ذلك، أن تختار مرشحيها للانتخابات وتؤمّن نجاح عدد منهم، ضاربةً بعرض الحائط مبدأ اختيار الحاكمين بحرّية من قبل المحكومين. وهل يسعنا أن نتحدّث عن ديموقراطية عندما تكون الانتخابات قائمة على دور الروتن بروغز[2]، كما كانت الحال في انكلترا خلال القرن التاسع عشر، أو على توزيع المال على المحافظات الريفية كما في اليابان، أو عندما تفرض الأحزاب الإيطالية خوّة باهظة على عدد كبير من العقود التي تبرمها المنشآت العامة؟ لقد أعرب قسم كبير من الإيطاليين في نيسان 1993، بمبادرة من ماريو سِنيي، عن شجبهم لهذا السستام الذي حوّل بلادهم إلى تانجانتوبولي (Tangentopoli) كما يقولون بلغتهم أي إلى بلاد تسودها الرشوة والبرطيل. وهذه بادرة من بوادر الدفاع عن الديموقراطية لا تحل كلّ مشكلات إعادة تركيب الحياة السياسية، لكنها تجعل من الممكن بناء الائتلافات السياسية التي تعرض على الناخبين خيارات حقيقية. لا أحد يماري في أنّ الديموقراطية لا وجود لها بدون أحزاب، بدون قوى سياسية فاعلة بالمعنى الحقيقي. كما أنّ من المستحيل على المرء أن يتحدث بجدّية عن ديموقراطية استفتائية. لكن الحزبُقراطية تقضي على الديموقراطية إذ تنزع عنها صفتها التمثيلية، وتُفضي إما إلى الفوضى والهباء، وإما إلى هيمنة جماعات اقتصادية حاكمة، بانتظار تدخُّلِ دكتاتورٍ ما. ويتعاظم خطر الحزبُقراطية عندما يكون البلد الواحد بصدد الخروج من طور المجتمع الصناعي، وتكون القوى المجتمعية الفاعلة في طور التفكّك والضعف. في هذه الفترة العصيبة، هناك احتمال كبير بأن يصار إلى الاكتفاء بفهم الديموقراطية فهماً مؤسساتيّاً بحتاً، واختزالها إلى مجرّد سوق سياسية منفتحة، مما يؤدي إلى انحطاطها وتقهقرها. أما الاحتجاج والاعتراض على نظام الأحزاب فهو يمتاز، على العكس، بأنّه يدعو إلى استعادة المؤسسات الحرة لقاعدتها التمثيلية التي تفتقد إليها أحياناً كثيرة، بل كثيرة جدّاً.        الهامش:
[1]- بالإيطالية في النص، أي حكم الأحزاب، أو الحزبُقراطيةPartitocrazia.

[2]- بالإنكليزية في النص، أي شراء الأصداث في المدن الإنكليزية الصغيرةrotten boroughs.

    المصدر: كتاب ما هي الديموقراطية؟

ارسال التعليق

Top